
اهمية الاستقامة بعد رمضان !!
عن سفيان بن عبد الله رضي الله سبحانه وتعالى عنه أفاد: قلت يا النبي صلى الله عليه وسلم: “قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك” صرح صلى الله عليه وسلم: “قل: آمنت بالله ثم استقم”(1) [رواه مسلم].
فالحديث دليل على أن العبد مأمور في أعقاب الإيمان بالله تعالى، بالاستقامة على الطاعة، بتصرف المأمور واجتناب المحظور، وهذا بملازمة سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم. من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة.
وإذا كان المسلم قد عاش رمضان فعمر نهاره بالصيام وليله بالقيام، وعوّد ذاته على تصرف الخير، فعليه أن يلازم طاعة الله سبحانه وتعالى على الدوام، فهذا شأن العبد، فإن رب الشهور واحد، وهو مستهل على العباد وشاهد.
وإن استقامة المسلم عقب رمضان وصلاح أقواله وأفعاله لأكبر دليل على استفادته من رمضان. ورغبته في الطاعة. وذلك عنوان الموافقة وعلامة الفلاح. وعمل المؤمن لا ينتهي بخروج شهر ودخول آخر. بل هو ممتد إلى الممات، صرح تعالى: }واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين{(2) ولئن انقضى قيام رمضان فالسنة كلها ظرف للقيام، ولئن اختتم وقت زكاة الفطر، فأوقات الزكاة المفروضة وصدقة التطوع تنبسطّ طوال العام، وقراءة القرآن وتدبره وكل عمل صالح مطلوب في مختلف زمان.
وإن من فضل الله على عباده كثرة أبواب الطاعات وتنوع سبل الخيرات، ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لخدمة مولاه.
ومما يؤسف عليه أن بعض الناس يتعبدون في رمضان بأنواع الطاعات. فيحافظون على الصلوات الخمس في المساجد. ويكثرون من تلاوة القرآن، ويتصدقون من أموالهم، فإذا انقضى رمضان تكاسلوا عن الطاعة. بل من المحتمل تركوا الواجبات، كصلاة الجماعة عموماً أو الصباح لاسيماً، وارتكبوا المحرمات، من السبات عن الصلاة، والعكوف على آلات اللهو والطرب، والاستعانة بنعم الله على معاصيه، فهدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموه، وذلك دليل الحرمان وعلامة الخسران،نسأل الله السلامة والثبات.
إن مثل هؤلاء يعتبرون التوبة والإقلاع عن الذنوب أمراً مؤقتاً بشهر رمضان. ينتهي بانتهائه، وكأنهم تركوا المعاصي لأجل رمضان لا خوفاً من الله سبحانه وتعالى. وبئس الأناس الذين لا يعرفون الله سوى في رمضان.
إن توفيق الله عبده لصيام رمضان، وإعانته عليه نعمة هائلة، تستدعي من العبد إمتنان ربه والمدح عليه، ويشهد لذلك المعنى قوله تعالى عقب تمام نعمة الصوم: }ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون{(3).
ومن حمده أن يقوم بصيام عقبه، ويعمل الصالحات، فأما مقابلة نعمة النجاح لصيام شهر رمضان بارتكاب الذنوب بعده، والتكاسل عن صلاة الجماعة. فهذا من تبديل نعمة الله كفراً، ومن إجراء هذا فهو على خطر كبير.
إن منهج المسلم الحق أن يحمد ربه ويشكره على نعمة الصوم والقيام، وأن تكون وضْعه في أعقاب رمضان أحسن من وضْعه قبل رمضان، حضوراً على الطاعة، ورغبة في الخير، ومسارعة للواجب. مستفيداً من تلك المدرسة المميزة، وأن يخاف ألا يقبل منه صيامه؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما يتقبل من المتقين.
لقد كان السلف الصالح يجتهدون في إكمال الشغل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون في أعقاب هذا لقبوله ويخافون ردّه. ومن مأثور علي رضي الله سبحانه وتعالى عنه: (كونوا لقبول الشغل أقوىّ اهتماماً منكم بالعمل. وجع تسمعوا الله عز وجل يقول: }إنما يتقبّل الله من المتقين{(4)).
وعن عائشة رضي الله سبحانه وتعالى عنها أفادت: سألت رسول الله r عن تلك الآية: }والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة{(5). صرحت عائشة رضي الله سبحانه وتعالى عنها: أكثر أهمية الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ صرح: “لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم. أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون”(6).
فالحذر الانتباه من الانتكاسة عقب الهداية. والاعوجاج في أعقاب الاستقامة، والله الله بالمداومة على الشغل الصالح، والاستمرار على تصرف الخير، وسؤال الله سبحانه وتعالى حسن النهاية.
اللهم أيقظنا من سبات الغفلة، ونبّهنا لاغتنام أوقات الوقت الإضافي، ووفقنا لمصالحنا، واعصمنا من ذنوبنا وقبائحنا، واستعمل في طاعتك جميع جوارحنا، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . . .
——
([1]) صحيح مسلم 38.
(2) سورة الحجر، الآية: 99.
(3) سورة البقرة، الآية: 185.
(4) سورة المائدة، الآية: 27.
(5) سورة المؤمنون، الآية: 60.
(6) رواه الترمذي (9/19) وقوله: (أولئك الذين) هكذا في حكاية الترمذي، وفي القرآن (أولئك يسارعون) والجديد صححه الألباني (صحيح الترمذي3/79، 80).
1/ كيفية الاستقامة 2/ دلالة الاستقامة بعد رمضان 3/ حقيقة الاستقامة 4/ دعاء المسلم الدائم بالاستقامة 5/ أهمية الاستقامة 6/ ما يترتب على الاستقامة
اقتباس
والصدع بالحق وإعلانه مهم لإثبات هوية المؤمن بعد أن عرف الحق واختاره إعلانه بكل مظاهره ومتطلباته، وما أنجزْتَ -أيها المؤمن- من توبة في رمضان داخلة في هذا المعنى، فاجعلها نقطة انطلاق للثبات على الحق والتعرف عليه ..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد الحسنات، وتُغفر الزلات، الحمد لله على ما أولى وهدى، والشكر على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والألباب والنهى.
أما بعد: وداعاً شهر رمضان، غير مقلي فارقناك، عليك منا تحية وسلاماً، أتراك تعود علينا بعد هذا العام؟ أم يدركنا المنون فلا تؤول إلينا؟ قال الربيع بن خثيم: أتدرون ما الداء؟ وما الدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ولا تعود.
فيا مَن أحدث توبةً في رمضان، امْضِ على توبتك، واثبُتْ على صالح عملك، واستقِمْ على طاعتك.
عن سفيان بن عبدالله -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال -صلى الله عليه وسلم-: “قُل آمنتُ بالله، ثُمَّ اسْتَقِمْ” رواه مسلم.
والاستقامة -أيها الأفاضل- تكون على مداومة الطاعة بفعل المأمور، واجتناب المحظور؛ لأن رب الشهور واحد، وهو مطلع على العباد في كافة أحوالهم، ولا تدري -أيها العبد- متى يفجأك الموت.
إن استقامة المسلم بعد رمضان، وصلاح أقواله وأفعاله، لأكبر دليل على استفادته من شهر الصوم، ورغبته في الطاعة، وهذا عنوان القبول، وعلامة الفلاح، وسبب للتوفيق.
إن العبادة، وطاعة الله -جل وعلا-، ومنازلة الهوى والشيطان في الحياة ليست جولة وتنتهي، وحالاً ينقضي، إنه الكفاح الذي لا يهدأ، والثبات الذي لا يتزعزع، حتى يلقى المؤمن ربه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حّتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
أيها الأفاضل: الحذرَ الحذرَ مِن التكاسل والاسترخاء والفتور! وإياكم والاعوجاج بعد الاستقامة! رزقنا الله حسن العمل، وأكرمنا بالقبول، ومَنَّ علينا بالاستقامة حتى نلقاه وهو راض عنا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القيوم، وغيره لا يدوم، كُل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: يقول المولى -جل شأنه-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:30-33].
الاستقامة حقيقتها -عباد الله- عدم الاعوجاج، وعدم الميل، وهي تجمع معنى حسن العمل والسير على الحق، والصدق، وهي هنا في هذه الآية تشمل معنى الوفاء بما كلفوا به.
وأول ما كلف به الإنسان الثبات على أصل التوحيد، فلا يغيروا، ولا يرجعوا عنه، ولا يستوحشوا من الصدع به وإعلانه، (قَالُوا رَبُّنَا اللهُ)، فصرحوا بما في اعتقادهم، وما يختلج في صدورهم.
والصدع بالحق وإعلانه مهم لإثبات هوية المؤمن بعد أن عرف الحق واختاره إعلانه بكل مظاهره ومتطلباته، وما أنجزْتَ -أيها المؤمن- من توبة في رمضان داخلة في هذا المعنى، فاجعلها نقطة انطلاق للثبات على الحق والتعرف عليه، والثبات على ذلك.
ولقد جاءت في الآية الكريمة كلمة:(ثُمَّ) بين كلمتي: (قَالُوا) وكلمة (اسْتَقَامُوا)، دالَّة على أن الاستقامة على الحق قدر زائد على الإيمان والعمل، فليست القضية هياجاً نفسياً، ومشاعر وعواطف تجيش في أيام، وحماساً مؤقتاً يحدث في زمن ثم يختفي، وإنما هو الثبات الذي لا يتحول ولا يتبدل.
ولأهميته وضرورته يدعو المسلم ربه في كل ركعة من ركعات صلاته أن يمنحه ذلك في قوله -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة:6].
ولأهميته، وضرورة الاستقامة على العمل الصالح في حياة المسلم، تولى أقطاب الإسلام، الخلفاء الراشدون الأربعة -رضي الله عنهم- تفسير الاستقامة في الآية، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: استقاموا: لم يشركوا بالله شيئا. وقال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: استقاموا على الطريقة لطاعة الله، ثم لم ي
روغوا روغان الثعالب. وقال ذو النورين عثمان -رضي الله عنه-: ثم استقاموا: يعني ثم أخلصوا العمل لله. وقال أبو السبطين علي -رضي الله عنه-: ثم استقاموا: ثم أدوا الفرائض.
معشر المؤمنين: ولأهمية الاستقامة -أيضا- رتب الله عليها الأجر العظيم، والإنعام الكبير، قال -جل ذكره-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت:30-32].
مَّا بَعدُ، فَـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِن أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَينَا وَعَلَى سَائِرِ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، أَن تَفَضَّلَ عَلَينَا بِإِدرَاكِ شَهرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَأَن أَتَمَّ عَلَينَا النِّعمَةَ بِإِكمَالِهِ صِيَامًا وَقِيَامًا؛ مِمَّا يُوجِبُ عَلَينَا شُكرَ هَذِهِ النِّعمَةِ العَظِيمَةِ شُكرًا حَقِيقِيًّا عَمَلِيًّا، بِمُوَاصَلَةِ العِبَادَةِ وَإِدَامَةِ الطَّاعَةِ، وَالاستِقَامَةِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ؛ فَإِنَّا لِذَلِكَ قَد خُلِقنَا، وَعَنهُ سَنُسأَلُ، قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ ﴾ وَقَالَ – تَعَالى – لِنَبِيِّهِ: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ ﴾ وَقَالَ – سُبحَانَهُ – عَن عِيسَى – عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿ وَأَوصَاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيًّا ﴾ وفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ” إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ… ” الحَدِيثَ. وَقَد وَصَفَ اللهُ – تعالى – العُقَلاءَ مِن عِبَادِهِ بِأَنَّهُم ” يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم ” وَبِذَلِكَ أَمَرَ – سُبحَانَهُ – المُؤمِنِينَ فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا ﴾” لَقَد كُنَّا في أَيَّامِ رَمَضَانَ وَلَيَالِيهِ نَتَقَلَّبُ في عِبَادَاتٍ عَظِيمَةٍ وَأَعمَالٍ جَلِيلَةٍ، مَا بَينَ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ، وَتِلاوَةٍ وَذِكرٍ وَاستِغفَارٍ وَدُعَاءٍ، وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ وَتَفطِيرٍ وَصِلَةِ أَرحَامٍ، فَهَل تَنتَهِي تِلكَ الأَعمَالُ أَو يُهجَرُ بَعضُهَا بِمُضِيِّ ذَلِكَ المَوسِمِ ؟! لَقَد كَانَ مِن دُرُوسِ الشَّهرِ المُبَارَكِ وَثَمَرَاتِهِ: تَحقِيقُ التَّقوَى في القُلُوبِ، وَالتَّحَلِّي بِالصَّبرِ وَالمُصَابَرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ المَعصِيَةِ، وَمُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ وَالانتِصَارُ عَلَيهَا، وَالتَّغَلُّبُ عَلَى العَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَنَبذُ المُشتَهَيَاتِ الآسِرَةِ، أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَقَد كَانَ رَمَضَانُ مَدرَسَةً إِيمَانِيَّةً تَزَوَّدنَا مِنهَا بِأَنوَاعٍ مِنَ الزَّادِ الأُخرَوِيِّ، وَمَحَطَّةً رُوحِيَّةً شَحَذنَا فِيهَا الهِمَمَ وَاستَعَدنَا النَّشَاطَ، وَمُنعَطَفًا لِلتَّغيِيرِ وَالتَّعدِيلِ وَالتَّحسِينِ، تَغَيَّرَت فِيهِ أَعمَالُنَا، وَتَعَدَّلَ سُلُوكُنَا، وَحَسُنَت أَخلاقُنَا، فَهَل يَا تُرَى سَنَبقَى عَلَى مَا اعتَدنَاهُ مِن خَيرٍ، مُبتَعِدِينَ عَمَّا هَجَرنَاهُ مِن شَرٍّ، أَم أَنَّ مِنَّا مَن سَيَعُودُ إِلى مَا كَانَ عَلَيهِ قَبلَ رَمَضَانَ مِن تَقصِيرٍ وَتَفرِيطٍ وَكَسَلٍ، وَسَيرٍ وَرَاءَ مُشتَهَيَاتِ النَّفسِ وَمَيلٍ لِجَوَاذِبِ الهَوَى؟! لَقَد كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُونَ مَعَ صِيَامِهِمُ النَّهَارَ وَقِيَامِهِمُ اللَّيلَ، وَعَظِيمِ اجتِهَادِهِم وَكَثرَةِ طَاعَاتِهِم وَتَنَوُّعِ إِحسَانِهِم، تَظَلُّ قُلُوبُهُم وَجِلَةً وَيَبقَونَ خَائِفِينَ، لا يَدرُونَ هَل قُبِلَت أَعمَالُهُم أَم لم تُقبَلْ ؟ قَالَ – تَعَالى – في حَقِّهِم: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم رَاجِعُونَ ﴾.
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – لَقَد كَانُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهتِمَامًا مِنهُم بِالعَمَلِ نَفسِهِ، لأَنَّهُم فَقِهُوا قَولَ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِين ﴾ وَلِهَذَا فَقَد كَانُوا يُتبِعُونَ الطَّاعَةَ بِالطَّاعَةِ وَالحَسَنَةَ بِالحَسَنَةِ، وَلم يَكُونُوا كَحَالِ بَعضِنَا، مِمَّن لا يَكَادُ رَمَضَانُ يَنتَهِي، حَتى يَنسَى مَا كَانَ عَلَيهِ مِن استِقَامَةٍ، وَيَعُودَ إِلى تَفرِيطِهِ، وَكَأَنَّهُ بِهَذَا عَلَى ثِقَةٍ مِن أَنَّ أَعمَالَهُ كُلَّهَا قَد تُقُبِّلَت، وَأَنَّهُ قَد نَالَ بها وَأَوفى الحَسَنَاتِ وَبَلَغَ بها أَرفَعَ الدَّرَجَاتِ، وَلَيسَ هَذَا سُوءَ ظَنٍّ بِاللهِ، لا وَاللهِ وَتَاللهِ، وَلا يَنبَغِي لِلمُؤمِنِ أَن يُسِيءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وَلَكِنَّهُ يَخَافُ وَيَرجُو، وَيَطمَعُ وَيَخشَى، وَمَن كَانَ كَذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّ للهِ عَلَيهِ في كُلِّ يَومٍ حُقُوقًا، لم يُفَرِّطْ فِيهَا اعتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنِ اجتِهَادٍ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَكُنْ بَينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ، وَلْنُتبِعِ الحَسَنَةَ الحَسَنَةَ، وَلْنَستَقِمْ كَمَا أُمِرنَا، وَلْنَحذَرِ العُجبَ بِمَا قَدَّمنَا أَوِ الغُرُورَ بِمَا أَسلَفنَا، وَلْنَعلَمْ أَنَّ الفَضلَ الَّذِي نَنَالُهُ في رَمَضَانَ مَشرُوطٌ بِالاستِقَامَةِ وَاجتِنَابِ الكَبَائِرِ في سَائِرِ العَامِ، فَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” الصَّلَوَاتُ الخَمسُ، وَالجُمُعَةُ إِلى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتُ مَا بَينَهُنَّ إِذَا اجتُنِبَتِ الكَبَائِرُ ” أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ” ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
• • •
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِن كَانَ صِيَامُ رَمَضَانَ وَقِيَامُهُ وَقِيَامُ لَيلَةِ القَدرِ يُغفَرُ بِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّ فَضلَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ مُستَمِرٌّ في سَائِرِ الأَوقَاتِ، دَائِمٌ لِمَن تَحَرَّاهُ وَطَلَبَهُ وَتَعَرَّضَ لِلنَّفَحَاتِ، فَعِندَ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” مَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ المُؤذِّنَ: وَأَنَا أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – رَسُولاً، غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ ” وَعَن عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفرَغَ عَلَى يَدَيهِ مِن إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثم أَدخَلَ يَمِينَهُ في الوَضُوءِ ثم تَمَضمَضَ وَاستَنشَقَ وَاستَنثَرَ، ثم غَسَلَ وَجهَهُ ثَلاثًا وَيَدَيهِ إِلى المِرفَقَينِ ثَلاثًا، ثم مَسَحَ بِرَأسِهِ، ثم غَسَلَ رِجلَيهِ ثَلاثًا ثم قَاَل: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَتَوَضَّأُ نَحوَ وُضُوئِي هَذَا ثم قَالَ: ” مَن تَوَضَّأَ نَحوَ وُضُوئِي هَذَا ثم صَلَّى رَكعَتَينِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا، وَعِندَ مُسلِمٍ قَالَ: ” مَن تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَكَانَت صَلاتُهُ وَمَشيُهُ إِلى المَسجِدِ نَافِلَةً ” وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” إِذَا قَالَ الإِمَامُ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَن وَافَقَ قَولُهُ قَولَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ، وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ؛ فَإِنَّهُ مَن وَافَقَ قَولُهُ قَولَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَعَن ابنِ عَبَّاسِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أَتَانِي اللَّيلَةَ رَبِّي في أَحسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدرِي فِيمَ يَختَصِمُ المَلأُ الأَعلَى ؟! قُلتُ: نَعَم، في الكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ، وَنَقلِ الأَقدَامِ لِلجَمَاعَاتِ، وَإِسبَاغِ الوُضُوءِ في السَّبَرَاتِ، وَانتِظَارِ الصَّلاةِ بَعدَ الصَّلاةَ، وَمَن حَافَظَ عَلَيهِنَّ عَاشَ بِخَيرٍ وَمَاتَ بِخَيرٍ، وَكَانَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ ” رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ. وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلَم يَفسُقْ رَجَعَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا. وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ” مَن أَكَلَ طَعَامًا ثم قَالَ: الحَمدُ للهِ الَّذِي أَطعَمَني هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِن غَيرِ حَولٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَمَن لَبِسَ ثَوبًا فَقَالَ: الحَمدُ للهِ الَّذِي كَسَاني هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِن غَيرِ حَولٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ” رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَستَقِمْ عَلَى طَاعَتِهِ في كُلِّ حِينٍ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ النُّكُوصِ عَلَى الأَعقَابِ بَعدَئِذْ هَدَانَا اللهُ ” وَلا تَكُونُوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ”
غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَت
وَيَحصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِنْ أَحسَنُوا أَحسَنُوا لأَنفُسِهِم
وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبَئِسَ مَا صَنَعُوا.
الاستقامة بعد رمضان
تغريدات مهمة للشيخ محمد صالح المنجد حول الثبات بعد رمضان
محمد صالح المنجد
@almonajjid
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
1- احذر من نقض العهدبعدتوكيده،وترك الطاعةبعد التعوُّدعليها،وواصل ولاتنقطع(ولاتكونواكالتي نقضت غزلهامن بعدقوةأنكاثا[أنقاضا])
2 – * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)، ابن زيد: مَثَل ضربه الله لمَن نقض العهد الذي يعطيه [الطبري].
3 – * من استقام في رمضان فليستقم بعد رمضان: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)،قال عمر: لم يروغوا روغان الثعالب!
4 – * الاستقامة أعظم كرامة، قال سفيان الثقفي: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: (قل: آمنتُ بالله فاستقِم) [مسلم].
5 – * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، أبو بكر: استقاموا فعلا كما استقاموا قولاً [القرطبي]، ابن عباس: استقاموا على أداء فرائضه [الطبري].
6 – * كان الحسن البصري إذا تلا قوله تعالى (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) قال: “اللهم فأنت ربُّنا، فارزقنا الاستقامة” [الطبري].
7 – * من كان مواظبا على قيام الليل في رمضان، ولا يُرى إلا راكعا أو ساجدا أو تاليا للقرآن؛ فلا يحرم نفسه من هذا الخير بعد رمضان ولو بالقليل.
8 – * عجبا لمن كانوا يعمِّرون المساجد ويداومون على قراءة القرآن، فلما مضى رمضان تأخَّروا وربما تركوا صلاة الجماعة!
9 – * يا من أقبلتَ على الله في رمضان؛ هلاَّ وفيت مع الله بعد رمضان؟ أم ستتعامل مع ربك بذمتين: ذمة رمضانية وذمة غير رمضانية؛ فتلقى الله بوجهين؟!
10 – * حذَّرنا ﷺ من ترك الطاعة بعد التعود عليها؛ فقال لابن عمرو: (يا عبد الله؛ لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل) [متفق عليه].
11 – * من المذموم التزام عبادة ثم الرجوع عنها، بل ينبغي الترقي في الخير كل يوم، وكان ﷺ (إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ) [رواه مسلم].
12 – * من علامات الخير: المداومة على العمل الصالح ولو كان قليلاً، ففي الحديث: (إن أحب الأعمال إلى الله: ما دُوومَ عليه، وإنْ قلَّ) [متفق عليه].
13 – * احذر من الحور بعد الكور: كان ﷺ يستعيذ بالله من الحَور بعد الكور) [مسلم]، أي: الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية.
14 – * من علامات قبول الطاعة: الاستمرار عليها والزيادة فيها والطاعة بعدها: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)، وثواب الحسنة: الحسنة بعدها.
15 – * من علامات قبول العمل: أن ترى العبد في حال أحسن من حاله السابق، وأن ترى فيه إقبالا على الطاعة: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم).
16 – * علينا مواصلة الطاعات، ولا يكن آخر العهد بالقرآن ختمة رمضان، ولا بالقيام آخر ليلة من لياليه، ولا بالبر والجود آخر يوم فيه.
17 – * لئن رحل رمضان فالعمل لا يتوقف إلا بانقطاع الأجل، قال الحسن: “إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت” (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
18 – * بعد رمضان: داوم على العمل الصالح ولو كان قليلا: فقد سئل رسول الله ﷺ: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: (أدومه وإن قلَّ) [رواه مسلم].
19 – * مما يعين على الاستقامة بعد رمضان: الاستعانة بالله؛ فهي محض مِنّة من الله عليك:(إياك نعبد وإياك نستعين)،(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا).
20 – * ادع الله بالاستقامة: عن أنس قال: (كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك) [رواه الترمذي، وهو في صحيح الجامع].
21 – * الثبات وصية النبي ﷺ لأصحابه الكرام:(إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد).
22 – *مما يعين على الاستقامة بعد رمضان:مجاهدة النفس والهوى والشيطان، والعزيمة الصادقة:
وخالف النفس والشيطان واعصهما * وإنْ هما محّضاك النصح فاتهمِ
23 – * عليك بالمواظبة والمثابرة على فعل المأمورات والإكثار من الطاعات، والمصابرة عن الشهوات والمنهيات: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
24 – * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، قيل للإمام أحمد : متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: إذا وضع قدمه في الجنة” [المقصد الأرشد لابن مفلح].
25 – * الزم صحبة الصالحين أهل الاستقامة، قال جعفر بن محمد: كنت إذا أصابتني فترة، جئت فنظرت في وجه محمد بن واسع، فأعمل على ذلك جمعة [مرآة الجنان].
تمت والحمدلله..
الاستقامة على الطاعة نعمة عظيمة جزاؤها الجنة، ولما كان الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت، وجب عليه أن يستمر على الطاعة طوال عمره، حتى يكون مستعداً للقاء الله في أي لحظة، وكثير من الناس يستقيم على الطاعة في رمضان، ثم يترك بعد رمضان، وكأنه يعبد رمضان ولا يعبد الله، أو كأن رب رمضان غير رب الشهور الأخرى، وهذه غفلة عظيمة يجب على كل مسلم أن يتداركها ويصلح حاله مع الله.
توديع لرمضان
الحث على الاستقامة بعد رمضان
رب رمضان هو رب الشهور كلها
الأعمال بالخواتيم
من عاش على شيء مات عليه
الاستقامة أصل السعادة
أقسام القلوب
شروط سلامة القلب
سلامة القلب من الشرك
سلامة القلب من البدعة
سلامة القلب من الغفلة
سلامة القلب من الشهوة
سلامة القلب من الهوى
عشنا أيامًا بطعم الإيمان، وليالى فى الأنس بالرحمن، أودع الله فيها أسرارًا خفية وحكمًا علية، أطلعنا الله فيها على بعض الخيرات والأنوار، فما من مسلم إلا واعترف بفضله، وأقر بوحدانيته، وما من عاص إلا استحى خوفًا ووجلا من ناره، فما أحوجنا إلى أن نداوم على الطاعة، وأن نستقيم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد الإنسان الكرامة فى الدنيا والآخرة فعليه بالاستقامة، قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته.
والاستقامة هى لزوم الطاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهى الثمرة التى نقطفها بعد شهر الصيام والقيام والدعاء، وكانت وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، للصحابى الجليل سفيان بن عبد الله لما قال له: (يا رسول الله! قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، يا رسول الله! فقال رسول الله: ( قل آمنت بالله ثم استقم).
ويقول الحق سبحانه وتعالي: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» [سورة فصلت الآية: 30] ويقول سبحانه أيضًا فى سورة الأحقاف: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». وقد ذكرَ الله عز وجل فى هذه الآية ثمرتين من ثمار الاستقامة: «ألا تخافوا ولا تحزنوا»، قد يخاف الناس, وقد ينفطر قلبُ الناس لخطرٍ داهمٍ, وقد يقلقون, وقد يُقهرون، لكن ربنا سبحانه وتعالى يطمئن هؤلاء المستقيمين بأمرين: ألا تخافوا ولا تحزنوا. فلا يخافون مما هو آت حيث يخاف الناس, ولا يحزنون على ما فات حيث يحزن الناس، وهل من شعورٍ يدمّر السعادة الإنسانية كالخوف أو الندم؟، فلما قالوا ربنا الله ثمَّ استقاموا رزقوا قناعة توقن بأنَّ الله سبحانه وتعالى الخالق وحده, ولا خالقَ سِواه, وأنه هو الربّ, ولا ربَّ سِواه, وأنه هوَ المعين, ولا معين سِواه.
وهنا فائدة تربوية عظيمة وهى الاستمرار على عمل الطاعات، وعدم قطعها حتى ولو كانت نوافل، ولذلك كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها وإن قل، فلو لم يصل الإنسان إلا ركعتين فى جوف الليل ويداوم على ذلك، مع الإخلاص وحسن القصد والتوجه، لكان شيئًا طيبًا، فالمحافظة على الأعمال الصالحة ثمرة الاستقامة، ولنتأمل قوله سبحانه وتعالي: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً» [ الجن: 16-17]. فإذا استقام العبد على الطريق المستقيم لسقى ماءً غدقًا، وأولى ثِمار الاستقامة: أن يعيش فى سعادة ورغد وراحة. ومن ثمار الاستقامة: أن الله سبحانه وتعالى يفرّجُ عنك, يزيلُ عنكَ كلَّ كرب, كلَّ هم, كلَّ حزن, كلَّ ضيق, كلَّ قلق . وإذا تأملنا الحديث القدسى الذى يقول: (ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) كلمة (لا يزال) تدل على الاستقامة والمداومة على الطاعة والاستمرار. فلا يزال يتقرب ويتقرب، ويقوم بالنوافل ويفعل، حتى يصل إلى درجة الصالحين المقربين المحبوبين فى السماء والأرض ، (فإذا أحب الله تعالى عبداً، نادى جبريل: إنى أحب فلاناً فأحبه، ثم ينادى جبريل فى أهل السماء: أحبوا فلان بن فلانا، ثم يوضع له القبول فى الأرض). وليعلم العبد أن النوافل ترقق القلوب وتقربها من الله تعالى والناس، وإن قطع النوافل يقسى القلب، ويجعل النفس فى وحشة بعيدة عن الله عز وجل.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). عباد الله،
ها هو رمضان قد انتهى وانقضى،
لقد انتهى شهر الصيام،
انتهى شهر القيام والقرآن،
انتهى شهر البر والجود والإحسان،
فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ومما لا شك فيه أن الله جل وعلا قد فضل شهر رمضان على سائر الشهور والأزمان، واختصه بكثير من رحماته وبركاته، ويسَّر فيه الطاعة لعباده، مما لا يحتاج إلى دليل أو برهان، ولكن ما يحزن القلب ويؤلم النفس أنك ترى كثيراً ممن ثبتوا على طاعة الله في رمضان، قد أعرضوا عن ذلك بعد رمضان، وكأنهم في رمضان يعبدون ربا آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن الإيمان بالله، والثبات عليه، له ثوابت لا يستغني عنها المؤمن حتى يلقى ربه، وهي ثوابت لابد منها في رمضان وغير رمضان. فمن ثوابت الإيمان الصلاة: مَنْ مِنَ المؤمنين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟
انظر إلى المساجد في رمضان، وانظر إلى ذات المساجد بعد رمضان. !
صلاة الفجر التي كان يجتمع فيها عدة صفوف في رمضان، لا يكاد يجتمع فيها صف واحد بعد رمضان. وقد حذر الله أشد التحذير من تضييع الصلاة ومن تركها
فقال جل وعلا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
وقال جل وعلا:
(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ).
فيا من هيأ الله له صيام شهر رمضان لا تضيع الصلاة، فالصلاة صلة لك بالله، ومعين لك يطهرك من المعاصي والذنوب. الصلاة افترضها الله على المؤمنين وتعبدهم بها في كل زمان ومكان حتى يلقى العبد ربه ليُسأل أول ما يُسأل عن الصلاة.
قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).
إن الله الذي أمرك بالصلاة في رمضان هو الذي يأمرك بالصلاة في كل يوم من أيام السنة، لكن ما الذي جرى؟
ما هذا الخلط العجيب في فهم العبودية؟
يا أمة الإسلام، هل نحن نعبد رمضان أم ربَّ رمضان؟
قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، ليعبدونِ في رمضان وغير رمضان. عباد الله: ومن ثوابت الإيمان التي ينبغي أن تستمر بعد رمضان القرآن: فالقرآن حياة القلوب والأرواح والأبدان، فهل يستغني مؤمن عن روحه؟
هل يستغني مؤمن عن أصل حياته؟
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، هل يستغني أحد عن أن يكلمه الله في اليوم مرات؟
فمن أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة، ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن، وهل يستغني أحد عن ربه؟
فيا عبد الله،
لا تضيع القرآن بعد رمضان، واعلم أن الله قد مَنَّ عليك بالقرآن في رمضان فجعلت لنفسك جزءا يومياً، فلماذا بعد رمضان تركت هذا الجزء، ووضعت المصحف جانبا كأنك لن تحتاج إليه إلا في رمضان المقبل؟
أنسيت قول نبيك صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
أم أنك استغنيت عن شفاعته؟ فتنبه لنفسك قبل فوات الأوان. يا عبد الله، لقد ذقت حلاوة الإيمان في رمضان، وعرفت طعمها، ما منا من أحد صام وقام رمضان وقام ليلة القدر، إلا وذاق هذه الحلاوة، حلاوة شرح الصدر وانبساط القلب، فإن كنت قد عرفت ذلك فالزم هذا المنهج الطيب، واستقم على هذا الصراط المستقيم، واسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قلَّ). وعن سفيان بن عبد الله الثقفي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك)
فقال صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم)، أي استقم على طريق التوبة والاستغفار والإيمان، واستقم على طريق الرباط والجهاد والإحسان، استقم على ثوابت الإيمان التي أعانك الله عليها في رمضان،
قال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)
قرأها عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً على المنبر فقال: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)
فقال: استقاموا على منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب. لقد عهدناك في رمضان تائبًا من ذنبك منيبًا إلى ربك، عهدناك في رمضان مهذبًا تقيًا متواضعًا نقيًا، عهدناك في رمضان حريصًا على حضور الجمعة والجماعات، مقبلاً على دروس العلم، مستعدًا لقبول النصائح والعِظات، فلماذا تراجعتَ عن هذا الخير كله وهجرتَ بيت الله وطويتَ مصحفكَ؟ ولا ندري متى تعود إليه أيها المسكين. لقد كنتَ في رمضانَ جوادًا كريمًا معطاءً سخيًا، تبذل الكثيرَ من مالك، وتحسنُ معاملة الناس أجمعين؛ لأنك متخلقٌ بأخلاق الصائمين القائمين.
من رآكَ في رمضان يقول: (ما هذا بشرًا إن هذا إلا مَلَكٌ كريم)؛ لما يرى فيكَ من حرصٍ على الطاعةِ ومواظبةٍ على العبادةِ، فما الذي حدثَ حتى تخرجَ من رمضانَ مقبلاً على المعصية، ناسيًا ما كنت فيه من العبادة والاستقامة؟! ثم اعلم يا من ثبت على طاعة الله في رمضان، ويا من صبرت عن الحرام في رمضان، اعلم أن ثباتك على الطاعة وصبرك عن المعصية، لم يكن بحولك ولا قوتك؛ لأن من أعانه الله فهو المُعان، ومن خذله الله فهو المخذول، فلا حول لك على طاعة الله، ولا قوة لك على الثبات على دينه، ولا قدرة لك على الثبات على الحق إلا بمدده سبحانه، فاستعن بالله ولا تعجز، واتق الله ما استطعت، واطلب المدد والعون منه أن يثبتك على طريق طاعته، وعلى درب نبيه صلى الله عليه وسلم. يا من صبرت على البلاء والمحن في رمضان، اطلب العون والمدد من الله سبحانه، وأنت إن فعلت ذلك فلن يخزك الله أبداً،
أليس هو القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)؟
أليس هذا وعد رب العالمين؟ وأنت تعلم يقينا أن الله لا يخلف الميعاد. فأحسن أيها المسلم ظنك بربك ليكون الله معك، فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجَّاه، ومن فوض إليه أموره كفاه،
قال جل في علاه: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)؟ علق قلبك بالله سبحانه فهو الغني الذي لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية، ومع ذلك لو تاب إليه عبده الفقير الحقير لفرح بتوبته، وهو الغني عن العالمين، اسمع له صلى الله عليه وسلم كما في البخاري يوم يأتيه سبي، وإذا بامرأة من بين هذا السبي تبحث عن صبي لها فقدته، لا تلوي على شيء، كلما وجدت طفلا قلبته ونظرت فيه، فإذا به ليس طفلها، ثم تجد ابنها بعد مشقة وعناء، فتلصقه ببطنها وترضعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم يرقبون الموقف، وإذا بها تذرف الدموع على ابنها وهو على ثديها، فيقول صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا والله يا رسول الله وهي تقدر أن لا تفعل. فقال: (لَلَّهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها).
نعم إنها رحمة الله جل وعلا، ينادي بها على عباده. إنها رحمة الله التي وسعت كل شيء، فاستعن بالله ولا تعجز، وإياك أن تيأس أو تقنط، واسأل الله أن يثبتك ويهديك، وألح على الله تعالى بأن يربط على قلبك ويثبتك على دينه؛ فالقلوب ضعيفة، والشبهات خطافة، والشيطان قاعد لك بالمرصاد، ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة حسنة؛
فإن من دعائهم: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
وما ذكره الله تعالى عنهم: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). فيا من رحمته وسعت كلَّ شيء ارحمنا برحمتك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. أقول هذا القول وأستغفر الله.
5شوال1435-1-8-2014
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الله -عز وجل- لم يجعل نهاية وحدًّا لطاعة العبد وعبادته لربه إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله؛ قال الله -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99)، وقال -سبحانه- على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم:31).
وشأن المؤمن أنه مستقيم دومًا على طاعة ربه في كل حال وفي كل وقت؛ قيل لبِشر الحافي -رحمه الله-: “إن أناسًا يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه، فإذا انسلخ رمضان تركوا ذلك!”، فقال: “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!”.
وشأن المؤمن أنه لا يغتر بالمتكاسلين عن طاعة الله والمفرِّطين ولو كانوا كثرة، فإن الأسوة إنما تكون في الخير وليس في الشر، والعبرة بموافقة شرع الله -تعالى-؛ قال الله -عز وجل-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116).
وقال وهب بن مُنَبِّه -رحمه الله-: “مَرَّ رَجُلٌ عَابِدٌ عَلَى رَجُلٍ عَابِدٍ فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ فُلانٍ، أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَمَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا، فَقَالَ بِعَجَلٍ: لا تَعْجَبْ مِمَّنْ تَمِيلُ بِهِ الدُّنْيَا، وَلَكِنِ اعْجَبْ مِمَّنِ اسْتَقَامَ” (حلية الأولياء).
وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: “إذَا رَأَيْتُمْ الْيَوْم شَيْئًا مُسْتَوِيًا فَتَعَجَّبُوا”.
وقال بعض السلف: “ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا”.
والاستقامة هي لزوم طاعة الله -تعالى-، وقد أمر الله بها صفوة خلقه وعباده، فقال لنبيين ورسولين من رسله الكرام موسى وهارون -عليهما السلام-: (فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (يونس:89)، وأمر بها نبيه محمدًا كما في قوله -تعالى-: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (الشورى:15).
وكذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها وحض عليها: فعن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقِيمُوا الصَّلاةَ، وآتُوا الزَّكاةَ، وحُجُّوا واعْتَمِرُوا، واسْتَقِيمُوا يُستَقَم بِكُمْ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
وعن سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ قُلْ لِي في الإِسلامِ قَولاً لاَ أَسْأَلُ عنْه أَحداً غيْركَ. قَالَ: (قُلْ: آمَنْت باللَّهِ: ثُمَّ اسْتَقِمْ) (رواه مسلم).
وفي قول الله -تعالى-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ… ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميع القرآن آية كانت أَشَدُّ وَلا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ”؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قيل له: قَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ: (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا) (رواه الترمذي والطبراني، وصححه الألباني).
مِن ثمرات الاستقامة:
– سعة الرزق: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن:16).
– الرفعة في الدنيا قبل الآخرة: قيل لابن المبارك -رحمه الله-: “ابن عون بمَ ارتفع؟!” قال: “بالاستقامة!”.
مِن أسباب تحصيل الاستقامة:
– الدعاء والتضرع إلى الله كما علمنا -سبحانه- أن ندعوه في ركعة مِن ركعات الصلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)؛ فعلى العبد أن يعلم أنه لا غنى له عن توفيق الله طرفة عين أبدًا، وأن قلبه ليس بيده وإنما القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها -سبحانه- كيف يشاء، قال مُطَرِّفٌ بن عبد الله -رحمه الله-: “لَوْ أُخْرِجَ قَلْبِي فَجُعِلَ فِي يَسَارِي وَجِيْءَ بِالخَيْرِ فَجُعِلَ فِي يَمِيْنِي مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أُوْلِجَ قَلْبِي مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَكُوْنَ اللهُ يَضَعُهُ” (سير أعلام النبلاء).
– صحبة الأخيار والصالحين، والابتعاد عن الأشرار والفاسدين: فقد أمر الله صفوة الخلق -صلى الله عليه وسلم- بأن يحبس نفسه مع الرفقة الصالحة رغم أنه أفضل منهم، وأعظم منهم قدرًا وشأنًا؛ فأنزل الله عليه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28).
نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الاستقامة على طاعته وعبادته، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيمًا.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله
يا ترى هل يبقى الصائم بعد رمضان على ما كان عليه في رمضان أم أنه يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ؟ ويا ترى هل يبقى هذا الذي كان في رمضان صائماً وللقرآن تالياً وقارئاً وللصدقة معطياً وباذلاً ولليل قائماً وفيه داعياً هل يبقى على هذا بعد رمضان أم أنه يسلك الطريق الآخر أعني طريق الشيطان فيرتكب المعاصي والآثام وكل ما يغضب الرحيم الرحمن ؟
إن بقاء المسلم ومصابرته على العمل الصالح بعد رمضان علامة قبول له عند ربه الكريم المنان ، وإن تركه للعمل الصالح بعد رمضان وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلة والهوان والخسّة والدناءة والخذلان وكما قال الحسن البصري : ( هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم ) . وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد قال تعالى : ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) الحج/18 .
إن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس في رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين ، ثم ما أن ينتهي الشهر إلا وقد انتكست فطرته وساء خلقه مع ربه فتجده للصلاة تاركاً ولأعمال الخير قالياً ومجانباً وللمعاصي مرتكباً وفاعلاً ، فيعصي الله جل وعلا بأنواع شتى من المعاصي والآثام مبتعداً عن طاعة الملك القدوس السلام .
فبئس والله القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان .
ينبغي على المسلم أن يجعل رمضان صفحة جديدة للتوبة والإنابة والمداومة على الطاعة ومراقبة الله في كل وقت وساعة ، إذاً فينبغي على المسلم بعد رمضان أن يداوم على الطاعات ويجتنب المعاصي والسيئات امتداداً لما كان عليه في رمضان من أمور تقربه إلى رب البريات .
قال جل وعلا : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) هود/114.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) ولا ريب أن الوظيفة التي من أجلها خلق الله الخلق لعبادته وحده لا شريك له هي الوظيفة الأسمى والغاية العظمى وهي أن نحقق عبودية الله عز وجل وقد تحققت في رمضان بشكل جميل فرأينا الناس يسيرون إلى بيوت الله تعالى زرافات ووحداناً ورأيناهم يحرصون على أداء الفرائض في أوقاتها ويحرصون على الصدقات يتسابقون في الخيرات ويسارعون فيها وفي ذلك فلينتافس المتنافسون وهم مأجورون إن شاء الله تعالى ولكن تبقى قضية من يثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فمن يثبته الله على الأعمال الصالحة بعد رمضان ، فإن الله جل وعلا يقول : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ) فاطر/10 ، فلا ريب أن العمل الصالح من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله في كل زمان ثم إن رب رمضان هو رب جمادى وشعبان وذي الحجة وحرم وصفر وسائر الشهور وذلك لأن العبادة التي شرعها الله جل وعلا لنا متمثلة في أركان خمسة منها الصيام وهو مؤقت محدد وقد انتهى فتبقى أركان أخرى من حج وصلاة وزكاة نحن مسؤولون أمام الله جل وعلا عنها ولا بد أن نؤديها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وأن نسعى لذلك لنحقق ما خلقنا من أجله قال الله جل وعلا : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/56 ، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد أصحابه إلى التسابق في الخيرات والمسارعة فقال : ( رب درهم سبق ديناراً وأفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ) وبيّن عليه الصلاة والسلام أن المتصدق وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويخاف الفقر فإنه حينئذ تكون صدقته عند الله عز وجل في ثقل الموازين وفي الأعمال الصالحة أما من يسوّف وإذا جاءه المرض قال قد كان لفلان وقد كان لفلان ولفلان كذا وكذا فإن هذا والعياذ بالله يخشى من أن يرد عليه عمله فيحبط قال الله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً ) النساء/17-18 .
فعلى المؤمن التقي النقي أن يخشى الله سبحانه وتعالى ويحرص على طاعة الله تعالى ويلازم تقواه ويسعى دائماً وأبداً للخير والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالمؤمن في هذه الحياة أيامه ولياليه خزائن فلينظر ماذا يودع فيها فإن أودع فيها خيراً شهد له يوم القيامة عند ربه وإن غير ذلك كانت وبالاً عليه نسأل الله أن ينجيني وإياكم من الخسران .
ثم إن العلماء رحمهم الله قالوا : من علامات القبول أن الله يتبع الحسنة بعدها بالحسنة فالحسنة تقول أختي أختي ، والسيئة تقول أختي أختي والعياذ بالله فإذا قبل الله من العبد رمضان واستفاد من هذه المدرسة واستقام على طاعة الله عز وجل فإنه يكون في ركاب الذي استقاموا واستجابوا لله ، يقول الله جل وعلا : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ) فصلت/30-31 ، ويقول : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) المائدة/56 ، ويقول : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) الأحقاف/13 ، إذاً ركاب الاستقامة مستمر من شهر رمضان إلى شهر رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان والحج إلى الحج مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) ، ويقول الله تعالى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) النساء/31 .
فالمؤمن ينبغي أن يكون في مركب الاستقامة وفي سفينة النجاة من أول ما يعقل حياته إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ، فيكون في ظلال لا إله إلا الله يسير ويتفيأ من نعم الله عز وجل ، فإن هذا الدين هو الحق والذي منّ علينا بالاستقامة عليه في شهر رمضان هو الذي يكرمنا سبحانه وتعالى بفيض عطائه وفضل إنعامه وجزيل إكرامه حتى نستمر على القيام وعلى العبادة بعد شهر رمضان فلا تنس يا أخي وقد منّ الله عليك بالاعتكاف ومنّ الله عليك بالصدقة ومنّ الله عليك بالصيام ومنّ الله عليك بالدعاء وقبوله لا تنس يا أخي أن هذه الحسنات وأن هذا التوفيق أن ترعاها حق رعايتها فلا تمحها بالسيئات والأعمال الباطلة فاحرص على أن تزرع في طريقك الخير والسعادة وأن تسير في ركاب الاستقامة تريد الله ورسوله والدار الآخرة وحينئذ يقال لك أبشر بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين وتكون قد أجبت منادي الله : يا باغي الخير أقبل فلله عتقاء من النار ويا باغي الشر أقصر وتكون استجبت أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
أسأل الله الذي منّ علينا وعليكم بالصيام والاعتكاف والعمرة والصدقات أن يمنّ علينا بالهدى والتقى وقبول العمل والاستمرار على الأعمال الصالحة والاستقامة فيها فإن الاستمرار على الأعمال الصالحة من أعظم القربات ولذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) ، متفق عليه .
وفي رواية لأحمد قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم قال يارسول الله كل الناس يقول ذلك قال قد قالها قوم من قبلكم ثم لم يستقيموا ) ، فينبغي على المؤمنين أن يستمروا على الاستقامة في طاعة الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم/27 .
فإن الذي يستقيم على طاعة الله هو الذي استجاب لدعائه الذي يردده في اليوم أكثر من خمس وعشرين مرة ( اهدنا الصراط المستقيم ) تلك التي نقولها في الفاتحة لماذا نقولها قولاً ونعتقد اعتقاداً جازماً أننا إذا استقمنا غفر الله لنا ولكننا نتكاسل عن تطبيق ذلك عملياً فينبغي أن نتقي الله وأن نطبق هذا عملاً واعتقاداً وقولاً وأن نسعى في ركاب اهدنا الصراط المستقيم وأن نكون في مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين في ظلال اهدنا الصراط المستقيم إلى جنات عرضها السموات والأرض مفتاحها لا إله إلا الله أسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير .
إن الناس بعد انقضاء شهر رمضان ينقسمون إلى أقسام أبرزها صنفان الأول : صنف تراه في رمضان مجتهداً في الطاعة فلا تقع عيناك عليه إلا ساجداً او قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً حتى ليكاد يذكرك ببعض عبّاد السلف ، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه ، وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل ، فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت .
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات يعود إلى الوراء منتكساً ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهؤلاء هم عبّاد المواسم لا يعرفون الله تعالى إلا في المواسم أو النقمة أو الضائقة ذهبت الطاعة مولية ألا فبئس هذا ديدنهم :
صلى المصلي لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما
فيا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن ؟
الصنف القاني : قوم يتألمون على فراق رمضان لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر ، لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته ، لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً ، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق ، وقلوبهم تشفق ، فأسير الأوزار منهم يرجو أن يطلق ومن النار يعتق ، وبركب المقبولين يلحق واسأل نفسك أخي من أي الصنفين أنت ؟
وبالله هل يستويان الحمد لله ، بل أكثرهم لا يعلمون ، قال المفسرون في تفسير قوله تعالى : ( قل كل يعمل على شاكلته ) الإسراء/84 ، كل إنسان يعمل على ما يشاكل ( يماثل ) أخلاقه التي ألفها ، وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن .
واعلم أخي أن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً ثبتوه ) أي داوموا عليه ، رواه مسلم .
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال أحب إلى الله ، قال : ( أدومه وإن قل ) .
وسئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يخص شيئاً من الأيام قالت : ( لا ، كان عمله ديمة ، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع ، فالعبادات مشروعيتها شرائطها مثل ذكر الله تعالى ، والحج والعمرة ونوافلهما ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم والجهاد وغير ذلك من الأعمال فاحرص على مداومة العبادة حسب وسعك . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
النصيحـــة الأولـــــى :
احذر شيطانك بعد رمضان, نحن بذلنا مجهوداً كبيراً خلال رمضان ، فمن بيننا شباب رجعوا إلى الله، ومن بيننا من لبست حجابها…
كان الشيطان مأسورا وقد فك من أسره بعد مغرب آخر يوم رمضان وهو الآن في منتهى الضراوة، هدفه أن يضيعك ويسلط باقي شياطين الإنس عليك لإفسادك لأنك هدمت في شهر واحد ما أنجزه الشيطان خلال سنوات. لهذا فهو في حالة من الغضب والثورة.
ما أقوله هذا يحدث بعد كل عمل صالح وبعد كل عمرة أو حج تتكرر نفس القصة، فبعد أن يعود الإنسان من العمرة تراه يرتكب معصية في حجم المصيبة . هذه قاعدة الشيطان.. بعد أعمال الطاعات القوية يبذل من المجهود أضعاف ما كان يبذل.
استمع إلى قول الله عز وجل : (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقاً من المؤمنين). الشيطان يريد في أول يوم بعد رمضان أن يضيع عليك رمضان كله، حتى يؤدي ذلك إلى إحباط مدمر. فتقول لنفسك أنا لا فائدة مني فبعد أن صمدت رمضان كله أضاعتني الفتنة في يوم واحد، ويدفعك اليأس والإحباط إلى الاندفاع في المعصية يوم العيد بل وفي ليلة العيد. الشيطان يريد أن يوقعك في جريمة حتى يكون الإحباط مروعاً فتشعر أنك ضعيف جداً وتيأس من قدرتك على عبادة الله.
لماذا نصرت إبليس؟.. لماذا جعلته يفرح فيك؟ وهل سيخيب ظنه فيك هذا العام؟
وهناك آية أخرى تقول: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا). أنت تغزل طوال شهر رمضان توبة وإيمان ودعاء وصلاة وصدقة وقرآن، فهل تفك هذا الغزل في نهاية رمضان بإشارة من الشيطان الذي يتصيد أي زلة وينفخ فيها لكي يضيع حلاوة القلب؟؟
عندما تقابل أول معصية امسك نفسك .. كن يقظاً عند الأسبوع الأول بعد رمضان . لو أمسكت نفسك في الأسبوع الأول سوف تتغير طريقة إبليس معك فالشيطان يلتقطك وأنت في حالة استرخاء ما بعد رمضان، فمن ناحية أنت في استرخاء ومن ناحية أخرى يندفع الشيطان إليك بكل قوته فتقع.
أمسك نفسك عن المعصية الأسبوع الأول بعد رمضان تزداد ثقتك بنفسك، هذا عن تجربة وسوف تكمل المشوار بإذن الله. تعامل مع من حولك في الأسبوع الأول بعد رمضان بنفس الرحمة . الشيطان يضغط بالمعاصي الكبيرة في الأسبوع الأول بعد رمضان لكي يضيع الحلاوة الموجودة بالقلب حلاوة الإيمان. وتراه يصور لك أنك خارج من صوم رمضان متعباً وقد بذلت ما فى وسعك!!!! والآن عليك أن تستريح!!!! أحذر هذا الوهم وأعلم أنه لا توجد في الدنيا راحة، وأنك لن تستريح إلا في القبر ثم في الجنة بإذن الله.
سئل الإمام أحمد ابن جنبل: متى يجد العبد طعم الراحة؟ .. فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة، أما ما قبل ذلك فلا راحة. كما قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه). نحن عرفنا خطة الشيطان، سيعمل على أن يوقعنا في الكبائر في ليلة العيد وأول أيام العيد. لو صمدت أول أسبوع سوف تكمل بإذن الله، فهدف الشيطان أن يدخلك قعر جهنم، والله عندئذ سوف يأخذ بيدك ويعينك لأنه لمس منك الصدق.
النصيحـــة الثـــانـــيـــة :
يجب أن يكون العبد مستمر على طاعة الله , ثابت على شرعه , مستقيم على دينه , لا يراوغ روغان الثعالب , يعبد الله في شهر دون شهر , أو في مكان دون آخر , لا وألف لا !! بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام , قال تعالى : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك) هود 112 .
فإياك أن تهبط من الهمة العالية. بعد صلاة العيد ستعود متعباً إلى بيتك وتنام، ومن المحتمل أن تفوتك صلاة الظهر، ومن المحتمل أن تستيقظ عند العصر ولا تنزل إلى المسجد، ومن المحتمل أن تخطف المغرب بفتور، ويا خوفي لو ضاعت منك العشاء أو أول يوم العيد لا تقرأ القرآن، ولو فاتك فجر ثاني أيام العيد وفجر ثالث أيام العيد ولم تقرأ القرآن في الأسبوع الأول لن تمارس الطاعة بقية الأيام. لا أنا أو أنت نستطيع المحافظة على المستوى الإيماني الذي حققناه، إنما المطلوب ألا تنزل عنه في الأسبوع الأول، هذا الأسبوع الذي يري الله فيه مدى صدقك.
فما هو الحد الأدنى الذي ينبغي الحفاظ عليه من الثروة الإيمانية بعد رمضان:
1) استمرارية الصلاة في المسجد للرجال , والصلاة على وقتها للنساء : ولو كنت لا تصلى في المسجد خلال شهر رمضان، أو تأخر الصلاة , فاحرص على الصلاة على وقتها وفي المسجد الأسبوع الأول بعد رمضان . ولو صليت ثلاثة فروض من الخمسة في المسجد فأنت ناجح في الامتحان ولابد أن تصلي أيام العيد الثلاثة في المسجد جماعة.
2) صيام الستة من شوال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” .
3) وأكثر من الشكر والاستغفار أن وفقك الله لصيام رمضان وقيامه , وداوم على ذكر الله ولو خمس دقائق كل يوم : فإن الله عز وجل قال في آخر آية الصيام : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) البقرة 185 , والشكر ليس باللسان وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال .
4) ادع الله كل يوم ولو دقيقتين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته في الدنيا وإما أن تدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قالوا يا رسول الله إذا نكثر قال الله أكثر” .
5) قراءة القرآن : ابدأ ختمة جديدة للقرآن الكريم بعد رمضان حتى ولو قرأت كل يوم عشرة آيات فقط.
6) تدريب النفس على المحافظ على أداء النوافل الراتبة قدر المستطاع وهي : ( ركعتان قبل صلاة الفجر, 4 ركعات قبل صلاة الظهر وركعتين بعدها , ركعتين بعد صلاة المغرب , وركعتين بعد صلاة العشاء ) , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة” .
7) تنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر .
– صيام ثلاثة أيام من كل شهر : وذلك بصيام يوم الاثنين 3مرات , أو الخميس 3مرات , أو أول اثنين و خميسين , أو الأيام البيض وهي : 13- 14- 15 من كل شهر عربي .
– أداء صلاة الوتر : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ ، أَوْتِرُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) .
– المحافظة على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين كل يوم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) , صحيح رواه مسلم .
8) المداومة على أداء صلاة الليل ولو ركعتين : قال رسول الله ” : صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له” متفق عليه .
9) الصحبة الصالحة : لابد أن يكون لك صاحب متدين وملتزم، فصحبة السوء وراء كل ضياع للإنسان. أخبرنى من هم أصحابك، أقل لك هل ستظل على إيمانك أم لا . فالأصدقاء ثلاثة أصناف: – أصدقاء متدينون طائعون لله – أصدقاء فجرة فسقة عصاة – أصدقاء غافلون عن ذكر الله. أمسك في الطائع المتدين بقوة وصاحبه. أما أصدقاؤك من العصاة والفجرة فاقطع علاقتك بهم، وابق خيطاً رفيعاً من الود لعل الله يهديهم في يوم من الأيام. أما الغافلون فلا تتركهم ولا تذب فيهم، حتى تأخذ بأيديهم للإيمان. لو وجدت نفسك لم ترتكب المعاصي في الأسبوع الأول من شوال، ولو وجدت أنك حافظت على الحد الأدنى من الطاعات التي مارستها في رمضان، فإن رمضان قد قبل منك بإذن الله.
فإياك والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون, وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان .. فبعد أن تنعم بنعيم الطاعة ولذة المناجاة .. ترجع إلى جحيم المعاصي والفجر !!
فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان
اسم الموضوع : اهمية الالتزام و الاستقامة بعد رمضان وعدم ترك طاعة الله بعد رمضان – حكم من يترك الصلاة بعد رمضان | المصدر : شهر رمضان 2018 1439
قال ابن كثير في تفسيره: «لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»».[95]
الأحكام الفقهية للصوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: فقه الصيام
الصوم في الإسلام
سلسلة من فقه العبادات
مواضيع˂
مواقيت الصوم˂
أنواع الصوم˂
صوم شهر رمضان˂
أحكام الصوم˂
صوم النفل˂
الاعتكاف˂
عنت
أحكام الصوم في علم فروع الفقه الإسلامي هي دراسة شرعية لأحكام الصوم مستفادة من أدلة الشرع الإسلامي، وقد اهتم علماء الفقه بموضوع الصيام، وجعلوه قسما من أقسام فقه العبادات يعرف بـ«كتاب الصوم»، ويشمل أبوابا وفصولا ومسائل وغيرها من التفريعات، ويتضمن: تعريف الصوم، وحكمه، والأصل في مشروعيته، وأركان الصوم وشروطه ومبطلاته ومستحبات الصوم ومكروهاته، وصوم شهر رمضان وأنواع الصوم وأقسامه والصوم المنهي عنه وأحكام نية الصوم وتبييت النية، وأحكام الإفطار في رمضان والقضاء والفدية والصوم في السفر وصوم المريض وصوم الحائض وما يذكر ضمن ذلك من آيات أحكام الصيام، وأحكام مواقيت الصوم وأحكام ليلة الصيام ورؤية هلال رمضان ويوم الشك ويوم الغيم ومطلع الفجر وليلة القدر في ليالي شهر رمضان وقيام ليالي رمضان بالعمل الصالح فيها، وصلاة قيام رمضان، واستكمال عدة شهر رمضان ثلاثين يوما عند عدم رؤية هلال شوال، واستكمال شهر شعبان ثلاثين يوما عند عدم رؤية هلال رمضان، وصوم التطوع مثل: صوم عاشوراء، وصوم المحرم. ومن الأبواب الملحقة بالصيام: الاعتكاف والأحكام المتعلقة به.
أنواع الصوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: أنواع الصوم
أنواع الصوم من حيث الحكم الشرعي المتعلق به يشمل أنواعا متعددة، وقد ذكر الفقهاء تقسيمات متعددة، ومهما اختلفت هذه النقسيمات فهي لا تخرج عن قسمين بحسب تقسيم الحكم الشرعي أي: باعتبار أن الصيام من حيث هو عبادة مشروعة يطلب في الشرع فعلها على وجه الإلزام أو بغير إلزام، وقد يقتضي الشرع تركها على وجه الإلزام أو بغير إلزام، فالصوم إما أن يكون مما يطلب فعله أو تركه، فهذان قسمان وكل منهما إما على جهة الإلزام أو بغير إلزام، فهذه أربعة أقسام بحسب الحكم الشرعي، أما القسم الخامس وهو المباح فلا يدخل في الصوم؛ لأنه عبادة والعبادة لا توصف بالإباحة. وعلى هذا التقسيم فالصوم إما أن يكون مما يطلب في الشرع فعله على وجه الإلزام وهو أنواع أولها: الصيام المفروض وهو صوم شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور. ولا فرق بين الفرض والواجب واللازم والحتمي عند جمهور الفقهاء، فهي كلها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، خلافا للحنفية حيث أنهم فرقوا بين الفرض والواجب، وعلى كل الأحوال فهذه الأنواع من الصيام الذي يطلب فعله على وجه الإلزام. وإن كان الصيام مما يطلب في الشرع فعله لا على وجه الإلزام؛ فهذا قسم ثان من أقسام الصيام، وهو الصيام المسنون ويشمل جميع أنواع صوم التطوع وأنواعه كثيرة، مثل: صوم يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر المحرم، ويتأكد معه صيام يوم قبله أو بعده، وصيام المحرم وصوم ست من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر وغير ذلك من أنواع صوم التطوع، ويتضمن أيضا صيام النفل المطلق. والقسم الثاني من أقسام الصيام هو: ما اقتضى الشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه إما على وجه الإلزام وهو: الصوم المحرم بمعنى: المنهي عنه في الشرع لذاته، نهيا يقتضي إثم فاعله. وهو صيوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة. ويدخل في هذا القسم كل ما يترتب عليه إثم فاعله مثل صوم الحائض عمدا بقصد الصوم، ويشمل أيضا الصوم المكروه كراهة تحريم مثل صوم يوم الشك. وإما أن يكون مما اقتضى الشرع تركه لا على جهة الإلزام مثل: صوم يوم عرفة للحاج، وإفراد يوم الجمعة.
أركان الصوم
Crystal Clear app kdict.png انظر أيضًا: نية الصوم
أركان الصوم أي: أجزاء ماهية الصوم التي لا يصح إلا بها». هي: الإمساك فالصوم في حقيقته هو: «الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس» ونية الصوم ركن من أركان الصيام عند المالكية والشافعية ورجح بعض الفقهاء أن النية شرط شرط من شروط الصوم وفي الحالين: فإن نية الصوم لازمة شرعاً باتفاق جمهور الفقهاء، سواء على القول بأنها ركن أو شرط، والمعنى: أن الصوم لا يصح إلا بالنية. وأضاف بعض الفقهاء ركنا ثالثا من أركان الصوم وهو: الصائم أي: الشخص باعتبار أنه لا يعقل الصوم الشرعي إلا بفاعل وهو الصائم.
شروط الصوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: شروط الصوم
شروط الصوم هي: شروط وجوب الصوم، وشروط صحته، ومنها: شروط للوجوب والصحة معا، وشروط صحة الأداء. وشروط الصيام عموما هي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والقدرة أي: (إطاقة الصوم)، والصحة، والإقامة. فلا يجب صوم المريض ولا الصوم في السفر، بل يجوز للمسافر الإفطار في رمضان، ولا يجب الصوم على من لا يقدر عليه. ولا يصح الصوم إلا من مسلم عاقل مميز، ويشترط النقاء من الحيض والنفاس، والعلم بالوقت القابل للصوم فيه، كما أن النية لازمة للصوم فلا يصح إلا بها. وهناك تفاصيل أوفى في كتب علم فروع الفقه.
˂شروط الصوم عند المذاهب الأربعة
مبطلات الصوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: مبطلات الصوم
مبطلات الصوم أو: مفسدات الصوم، والفاسد والباطل في العبادات بمعنى واحد، ضد الصحيح. والذي يبطل به الصوم بمعنى: ما يكون به الصوم غير صحيح، وإذا بطل الصوم في يوم من صوم شهر رمضان خاصة لمن لا رخصة في الإفطار؛ لزمه بعد بطلان صومه؛ الإمساك بقية اليوم لحرمة الوقت، والقضاء بعد ذلك. وأما المعذور الذي يباح له الفطر كالمريض؛ فلا يلزمه الإمساك. ويحرم تعمد الاستمرار في الإمساك بنية الصيام على من يحرم عليه الصيام كما في صوم الحائض. ومبطلات الصوم أي: المفطرات هي:
ما وصل عمدا إلى الجوف مثل: الأكل والشرب، وما هو بمعنى الأكل والشرب، حال العمد والعلم والاختيار، فيبطل الصوم بما وصل عمدا إلى مسمى جوف، كالحلق والبطن والدماغ، فيفطر بكل ما أدخله الصائم باختياره عمدا إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه، ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته، إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة، أو غير العادة كالوجور واللدود، أو من الأنف كالسعوط وهو إدخال الدواء عن طريق الأنف، أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل إلى الجوف من طريق القبل أو الدبر كالحقنة، أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه، أو من دواء المأمومة إلى دماغه، فهذا كله يفطره؛ لأنه واصل إلى جوفه باختياره، فأشبه الأكل، وكذلك لو جرح نفسه، أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه، سواء استقر في جوفه، أو عاد فخرج منه، وبهذا كله قال الشافعي. وقال مالك: لا يفطر بالسعوط، إلا أن ينزل إلى حلقه، ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة. واختلف عنه في الحقنة، واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء، أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف. وذكر ابن قدامة أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره، فيفطره كالواصل إلى الحلق، والدماغ جوف، والواصل إليه يغذيه، فيفطره كجوف البدن.[96] ويشترط فيما يصل إلى الجوف أن يكون عمدا، أما لو أدخله ناسيا فلا يبطل صومه؛ لحديث: من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه..
وبلع الريق غير مبطل للصوم وإن تجمع في الفم، ولا يلزم لأجل الصوم إخراج الريق كما قد يتوهم البعض، وأما بلع النخامة عمدا مبطل للصوم، وهي تختلف عن الريق، ويجب على الصائم قطعها ومجها، فهي مستقذر ويبطل الصوم ببلعها عمدا، أما وصلت بغير تعمد ولا تقصير فلا يبطل بها الصوم.
الاستقاءة فيبطل الصوم بالاستقاءة بمعنى: أن يتعمد الصائم إخراج القيئ من جوفه، فلو تعمد إخراج القيئ؛ بطل صومه، ومثل ذلك فيما إذا غلبه القيئ وخرج كرها وأعاده عمدا إلى جوفه بطل صومه؛ لأنه في حال إعادته يعد إيصال عين إلى الجوف وهو مبطل للصوم. فإن ذرعه القيئ أي: غلبه وخرج بغير تعمد إخراجه؛ فلا يبطل صومه وهو حينئذ غير مكلف بما هو خارج عن إرادته، إلا إذا أعاده إلى جوفه عمدا. ولو استقاء ناسيا للصوم فلا يبطل صومه، وأما استخراج النخامة من الجوف عمدا؛ فلا يبطل بها صومه. ويدل على هذا حديث: «من ذرعه القيئ، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض».[97]
الجماع بالتقاء الختانين وتغيب الحشفة في أحد السبيلين، سواء أنزل أم لم ينزل، حال العلم والعمد والاختيار، فإذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا مختارا؛ بطل صومه مع الإثم لأجل الصوم، ووجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم الذي أفسده، ويجب عليه مع القضاء للصوم الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتاليين؛ أطعم ستين مسكينا. هذا إن أفسد صومه في نهار رمضان، فيجب عليه مع القضاء الكفارة والإمساك بقية اليوم مراعاة لحرمة الوقت في نهار رمضان.
إنزال المني عمدا بمباشرة، بمعنى: خروج المني بطريق المباشرة بشهوة، وذلك أن الصوم من حيث ترك المفطرات التي تتضمن معنى الإمساك عن شهوتي البطن والفرج. أما خروج المني بطريق الاحتلام أي: حال النوم؛ فلا يبطل به الصوم.
خروج دم الحيض والنفاس، فيبطل صوم المرأة بخروج دم الحيض أو النفاس في نهار الصوم ولو بلحظة قبل غروب الشمس وهذا بإجماع أهل العلم. يدل على هذا حديث أبي سعيد الخدري أن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟ أخرجه البخاري ومسلم، وحديث معاذة لما سألت عائشة عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة فقالت: «كان يصيبنا على عهد رسول الله Mohamed peace be upon him.svg فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة».[98]
وقد ذكر النووي في صوم الحائض أنه: أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض، ومثلها النفساء.
الولادة وهو خروج الولد ولو جافا؛ لأنه منعقد مما يوجب الغسل، وخروج الولد غالبا يعقبه خروج دم النفاس، لكن لو خرج الولد جافا ولم يخرج بعده دم النفاس؛ فيبطل صوم المرأة بسبب الولادة.
الجنون إذا طرأ على الصائم ولو لحظة.
الإغماء إن عم جميع النهار، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويلزم قضاء الصوم. وإذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه.
السكر عمدا إن عم جميع النهار، أما النوم فلا يبطل به الصوم.
الردة وهي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر باختيار بكفر صريح. وهناك تفاصيل أوفى، في كتب: فروع الفقه.
سنن الصوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: مستحبات الصوم
صلاة التراويح في الجامع الكبير في القيروان. رمضان 2012
إفطار رمضان في الجزائر
إفطار رمضان في اسطنبول تركيا
مستحبات الصوم أو: مسنونات الصوم هي المندوبات التي يستحب للصائم أن يأتي بها، ومشروعيتها إما؛ بنص يدل على استحبابها، أو: من مفهوم النص ومقتضاه، وتشمل: المستحبات المتعلقة بـصوم شهر رمضان، وغيره من أنواع الصوم، ومنها: تعجيل الإفطار أول الوقت، وأن يفطر على رطب وإن لم يجد أفطر على تمر وإلا فبشربة ماء، وتأخير السحور إلى قريب مطلع الفجر الثاني، وحفظ اللسان من اللغو والرفث، والدعاء عند الإفطار، وغير ذلك.[° 2] ومن مستحبات الصوم التسحر وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على استحبابه والترغيب فيه، وأن يتسحر مريد الصوم حتى ولو بجرعة من ماء، تشبها بالآكلين، وفي الصحيحين: «عن أنس قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: “تسحروا فإن في السحور بركة”».[99] والسحور -بفتح السين- بمعنى: المأكول كالخبز وغيره، أو بمعنى: الوجبة التي يتناولها الصائم فيما قبل طلوع الفجر الثاني، أو -بضم السين- هو الفعل والمصدر، وهو من مستحبات الصوم، وسبب البركة فيه تقويته الصائم على الصوم وتنشيطه له وفرحه به وتهوينه عليه، وذلك سبب لكثرة الصوم.[100] وفي صحيح مسلم: «عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg:”إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر”».[101] و«عن أبي سعيد قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: “السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن أحدكم يجرع جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين”».[102]
قال النووي: فاتفق أصحابنا وغيرهم من العلماء على أن السحور سنة، وأن تأخيره أفضل، وعلى أن تعجيل الفطر سنة بعد تحقق غروب الشمس، ودليل ذلك كله الأحاديث الصحيحة؛ ولأن فيهما إعانة على الصوم، ولأن فيهما مخالفة للكفار، ففي صحيح مسلم: عن عمرو بن العاص: أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» رواه مسلم. أكلة السحر بفتح الهمزة هي السحور؛ ولأن محل الصوم هو النهار فلا معنى لتأخير الفطر والامتناع من السحور في آخر الليل؛ ولأن بغروب الشمس صار مفطرا فلا فائدة في تأخير الفطر. ووقت السحور بين نصف الليل وطلوع الفجر، ويحصل السحور بكثير المأكول وقليله، ويحصل بالماء أيضا، ففي مسند أحمد: «عن أبي سعيد قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: “السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن أحدكم يجرع جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين”».[100] ويستحب تأخير السحور إلى قريب طلوع الفجر الثاني، ويستحب للصائم أن يفطر على تمر، والأفضل منه الرطب، فإن لم يجد فعلى الماء، وذلك لما روى سلمان بن عامر قال: «قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور»».[103] «عن أنس قال: «كان رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن رطبات فتميرات، فإن لم يكن تميرات حسا حسوات من ماء».[104] ويستحب للصائم الدعاء عند الإفطار، ويقول عند إفطاره: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؛ لما روى أبو هريرة قال: «كان رسول الله Mohamed peace be upon him.svg إذا صام ثم أفطر قال: “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت”».[105] و«عن ابن عمر: كان النبي Mohamed peace be upon him.svg إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى.»[106] وعن مروان يعني ابن سالم المقفع قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف وقال: «كان رسول الله Mohamed peace be upon him.svg إذا أفطر قال: “ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله”».[107] ويستحب أن يدعو الصائم عند فطره، قال النووي: وهذا لا خلاف في استحبابه للحديث، وفي كتاب ابن ماجه: «عن ابن عمرو بن العاص أن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد»، وكان ابن عمرو إذا أفطر يقول: “اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء اغفر لي”».[105] ويستحب أن يفطر الصائم في وقت الإفطار؛ لما روى زيد بن خالد الجهني: «أن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: “من فطر صائما فله مثل أجره، ولا ينقص من أجر الصائم شيء”».[108] ويحصل بما يفطر به الصائم ولو على تمرة أو شربة ماء أو لبن إن لم يقدر على عشائه. قال الماوردي: “إن بعض الصحابة قال: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله تعالى هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن.[105]
تأخير السحور
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: سحور
مثال لسحور أردني.
يستحب تأخير السحور إلى قريب انفجار الفجر الثاني، وذلك هو الأفضل، وفي الحديث: «عن أبي ذر قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: “لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور”».[100][109] يدل الحديث على أنه يستحب للصائم التسحر، أي: أن يتناول أكلة السحر، وتسمى: الغداء المبارك، وينتهي وقته بدخول وقت صلاة الفجر، ويستحب تأخير السحور إلى ما قبل وقت صلاة الفجر؛ لأن ذلك هو الأبلغ في حصول المقصود منه، وفي الصحيحين: «عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع النبي Mohamed peace be upon him.svg ثم قام إلى الصلاة».[100] كما أن وقت السحور يمتد إلى ما قبل بداية وقت الإمساك، بدخول وقت صلاة الفجر، لكن الفصل بين التسحر وبين الصلاة بفاصل يسير، هو الأفضل ليتسنى للصائم الاستعداد للصلاة، وليكون له من ذلك الوقت تناول الشراب، والذكر والاستغفار وقراءة القرآن، وقد سئل أنس: زيد ابن ثابت عن مقدار الوقت الذي كان ما بين انتهاء أكل السحور، وبين ابتداء أول وقت الشروع في الصلاة، فقال له زيد بن ثابت: «قدر خمسين آية» كما جاء ذلك في الحديث: «عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع النبي Mohamed peace be upon him.svg ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية».[110] فقول زيد ابن ثابت: «قدر خمسين آية» أي: متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة، وهو تقدير الوقت في تلك الحال، وذلك لتقريب مقدار الوقت، قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقوله: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة؛ إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة. وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة. قال ابن حجر: «قال ابن أبي جمرة: كان Mohamed peace be upon him.svg ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر. وقال فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان. قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي Mohamed peace be upon him.svg. وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله: «تسحرنا مع رسول الله Mohamed peace be upon him.svg»، ولم يقل نحن ورسول الله Mohamed peace be upon him.svg لما يشعر لفظ المعية بالتبعية».[111]
والفصل بين آخر وقت التسحر وبين وقت صلاة الفجر بقدر خمسين آية هو الأفضل؛ لخبر الصحيحن، أما آخر وقت السحور فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني؛ كما يدل على ذلك حديث: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم».[112] وحديث: «لا يمنعكم سحوركم أذان بلال». وقد ورد في الصحيحين من حديث القاسم: «عن عائشة: أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg قال: “لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم، فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر”». لفظ البخاري وعن حماد، عن إبراهيم، قال: «السحور بليل، والوتر بليل».[113] و«عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله Mohamed peace be upon him.svg».[114] وعن بلال قال: «أتيت النبي Mohamed peace be upon him.svg أؤذنه بالصلاة وهو يريد الصوم، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرج إلى الصلاة». وعن عامر بن مطر، قال: «أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرج فضلا من سحوره، فأكلنا معه، ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا». وعن سالم مولى أبي حذيفة قال: «كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان، فأتيت ذات ليلة فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأومأ بيده أن كف، ثم أتيته مرة أخرى، فقلت له: ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فأومأ بيده أن كف. ثم أتيته مرة أخرى، فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده أن كف. ثم أتيته فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ قال: هات غداءك، قال: فأتيته به فأكل ثم صلى ركعتين، ثم قام إلى الصلاة».
الفصل بين السحور وبين صلاة الفجر هو الأفضل. ويدل على ذلك ما رواه أنس عن معاذ ابن جبل في الصحيحين أنه: «قدر خمسين آية»، لكن وردت روايات أخرى تدل على جواز تمديد وقت السحور إلى آخر وقته، قال ابن حجر في رواية أنس عن معاذ: «وقال الطبري: فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر، فهو معارض لقول حذيفة “هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع”. انتهى. والجواب: أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة، فتكون قصة حذيفة سابقة، وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من مسند أنس».[111] «عن عاصم عن زر عن حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر وما أرى مواقع النبل. قال: قلت: أبعد الصبح؟ قال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس». قال ابن كثير: {{مض|وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، قاله النسائي، وحمله على أن المراد قرب النهار، كما قال تعالى: ﴿فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف﴾.[115] أي: قاربن انقضاء العدة، فإما إمساك أو ترك للفراق، وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه: أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك. وحكى أبو جعفر ابن جرير في تفسيره، عن بعضهم: أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها. قلت: وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم عليه، لمخالفته نص القرآن في قوله: ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾[116]
تعجيل الإفطار
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: وصال الصوم
رطب متوسط النضج
رطب كامل النضج
تمر
من مستحبات الصوم تعجيل الفطر عند بداية دخول وقت صلاة المغرب، أي: أنه يستحب للصائم المبادرة بالإفطار في أول الوقت ولا يؤخره، ويدل عليه من السنة حديث: “عن سهل بن سعد أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»”.[117] قال ابن حجر: قال ابن عبد البر: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة. وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كان أصحاب محمد Mohamed peace be upon him.svg أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا».[118] ويكون ذلك بغروب الشمس، ومن كان وراء أبنية الجبال ولم يشاهد الغروب؛ فيدخل الوقت بغروب شمس أقرب الأمكنة إليه ويكون بإقبال ظلمة الليل وذهاب ضوء النهار، ويدل عليه حديث: “عن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»”. أي: دخل وقت الفطر.[119]
«عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال سرنا مع رسول الله Mohamed peace be upon him.svg وهو صائم فلما غربت الشمس قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال يا رسول الله إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح ثم قال: «إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم» وأشار بإصبعه قبل المشرق».[120]
يدخل وقت صلاة المغرب بغروب الشمس؛ لحديث: «عن سلمة بن الأكوع، أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب».[° 3] وقد اتفق العلماء على أن أول وقت صلاة المغرب: غروب الشمس، ووقع الخلاف في العلامة التي يعرف بها الغروب.[° 4]
ويستحب تعجيل صلاة المغرب لأول وقتها؛ لحديث: “وعن عقبة بن عامر أن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: «لا تزال أمتي بخير، أو: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم»”.[121] وعند ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحه بلفظ: «لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم». قال الشوكاني: «والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم. وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم، مستحبا والحديث يرده». وقال أيضا: «قال النووي في شرح مسلم: إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه، قال: وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له، وأما الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير، وقد سبق إيضاح ذلك؛ لأنها كانت جوابا للسائل عن الوقت، وأحاديث التعجيل المذكورة في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله Mohamed peace be upon him.svg المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها».[122]
صوم النفل
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم التطوع
صوم النفل أو صوم التطوع، والنفل بمعنى: الزيادة المشروعة على الفرض على وجه مخصوص، والتطوع بمعنى: ما يشرع فعله من غير إلزام، ويسمى أيضا: الصوم المندوب، أو المستحب، وهو: ما اقتضى الشرع فعله من غير إلزام. والصوم الذي اقتضى الشرع فعله إما على وجه الإلزام، وهو: صوم شهر رمضان، وكل صوم واجب بنذر أو قضاء وغيره، وإما على غير وجه إلزام وهو: صوم التطوع، وهو النوع الثاني من أنواع الصيام، وهو: ما ليس بواجب، فهو بمعنى المستحب، سواء كان مقيدا أو مطلقا، ويشمل أنواعاً متعددة، وقد شرع صوم التطوع من أجل جبر الخلل الذي يحصل في الفريضة، ومن أجل زيادة الأجر والثواب. «عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «من صام يوما في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفا»”.[123][124] و”عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما»”.[125] و«عن عامر بن مسعود عن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء».[126][127]
صوم النفل أنواع، فهو إما؛ نفل مطلق، أو مقيد، فالمطلق هو المندوب فعله في الشرع من غير تقييد له بخصوصه، كمن أراد أن يصوم يوما، فله أن يصوم في غير الأقات المنهي عن صيامها. والنفل المقيد هو الذي ورد في الشرع استحبابه بخصوصه، وهو أنواع منها: صوم يوم عاشوراء، وصوم الإثنين والخميس.. والصوم من حيث هو قربة يتقرب بها العبد إلى الله، وهو إما فرض أو تطوع، فالفرض أفضل ما تقرب به العبد وفي الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه»، وأما التطوع فهو زيادة في التقرب إلى الله، وفي الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..».
من المنهي عنه في الشرع الإسلامي التعمق في العبادة، أي: المبالغة فيها بما يعد من قبيل التنطع. والمشروع في الإسلام هو التوسط في العبادة بمعنى الأخذ بأوسط الأمور وأعدلها وأحبها إلى الله، ومما يدل على النهي عن المبالغة في العبادة ما أخرجه البخاري في صحيحه قال: «حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي Mohamed peace be upon him.svg يسألون عن عبادة النبي Mohamed peace be upon him.svg فلما أخبروا كأنهم تَقَالُّوهَا فقالوا: وأين نحن من النبي Mohamed peace be upon him.svg قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله Mohamed peace be upon him.svg إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني».[128] في هذا الحديث دليل النهي عن التعمق في العبادة، حيث أنه يطلب الفرض وما يشرع معه من النوافل، والتعمق بمعنى التنطع أو التشدد الذي يخالف الشرع، وتظهر صورته في وصل الصيام وصوم الدهر. وسبب النهي عن المبالغة في العبادة أنه مما يؤدي إلى ترك الواجبات، كما أن ملازمة الاقتصار على الفرائض وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط. كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها. ومعنى: «كأنهم تقالوها»: بتشديد اللام المضمومة أي: رأى كل منهم أنها قليلة، وتأولوا ذلك بأن من علم أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لا يحتاج إلى مزيد من العمل، وأن من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل له ذلك. وقد بين في الحديث أنه لا يلزم منه حصوله، وأشار إلى هذا بأنه أشدهم خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية، وأشار في حديث عائشة والمغيرة في صلاة الليل إلى معنى آخر بقوله: «أفلا أكون عبدا شكورا». وأن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية. وقوله: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له»، قال ابن حجر: فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه، وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر: «المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
قوله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»: لا يستلزم الخروج عن الملة لمجرد المبالغة في العبادة، والسنة هنا بمعنى: الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، قال ابن حجر: «والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي Mohamed peace be upon him.svg الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل». وفي كلامه: أن في هذا الحديث دلالة على تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب.[129]
الفطر في صوم النفل
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الفطر في صوم النفل
صوم النفل هو الزائد عن الفرض بمعنى أن الصائم المتطوع متلبس بعبادة غير واجبة عليه، والصوم من حيث هو عبادة اقتضى الشرع فعلها إما على جهة الإلزام وهو الصوم المفروض وهو صوم شهر رمضان، وما وجب مثل صوم النذر والقضاء، فالصوم المفروض لا يجوز قطعه إلا لعذر شرعي، وأما صوم النفل فهناك اعتبارات متعلقة به، فمن حيث هو عبادة متطوع بها، والعبادة المتطوع بها غير لازمة في ابتداء الشروع فيها، أما إذا شرع فيها ثم أراد قطعها؛ فإما أن يكون بعذر أو بغير عذر، فإن كان بعذر؛ فقطعها جائز بسبب العذر، وهذا بخلاف الحج فإنه وإن كان نفلا فلا يقطعه إلا إن كان لعذر فيتحلل بعمل عمرة فيستثنى من ذلك، وإن كان قطع النافلة بعد الشروع فيها لغير عذر؛ فهناك اعتباران أحدهما: أن قطع للعبادة إبطال للعمل، وقد قال الله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾، والمتطوع قد ألزم نفسه فلا يبطل عمله بعد الشروع فيه، وثانيهما: أن المتطوع بالنافلة غير ملزم بها أصلا فلو قطعها فذلك جائز، ومما يدل عليه حديث: «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر».[130] وعن جعدة عن جدته أم هانئ: «أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg دخل عليها فدعى بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: الصائم المتطوع أمين نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر».[131] قال: «والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي Mohamed peace be upon him.svg وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يحب أن يقضيه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحق والشافعي».[132] قال في شرح سنن الترمذي: قوله: «أمين نفسه» بالنون قال في المجمع معناه: أنه إذا كان أمين نفسه فله أن يتصرف في أمانة نفسه على ما يشاء. ومعنى أمير نفسه أنه أمير لنفسه بعد دخوله في الصوم إن شاء صام أي أتم صومه، وإن شاء أفطر؟ إما بعذر أو بغيره.[133]
«عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «آخى النبي Mohamed peace be upon him.svg بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن قال: فصليا فقال له سلمان: “إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه” فأتى النبي Mohamed peace be upon him.svg فذكر ذلك له فقال النبي Mohamed peace be upon him.svg: «صدق سلمان». (أبو جحيفة وهب السوائي يقال وهب الخير)». قال ابن حجر: ووقع في التكلف للضيف حديث سلمان «نهانا رسول الله Mohamed peace be upon him.svg أن نتكلف للضيف»، أخرجه أحمد والحاكم، وفيه قصة سلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك، ثم قال الرجل لما فرغ: “الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا”. فقال له سلمان: “لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة”.[134]
ومن دخل في صوم تصوع أو صلاة تطوع استحب له إتمامهما، وهو قول الشافعي، وأيضا هو قول الشافعية، كما حكاه النووي في المجموع وأضاف أنه لو أبطلهما بعذر أو بغير عذر جاز له ذلك، لكن يكره إبطالهما بغير عذر، لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾، أما الخروج منه بعذر فلا يكره، ولا قضاء عليه، ويستحب له قضاءه سواء كان بعذر أو بغير عذر.[135] وعند الحنفية: وجوب الصوم بالشروع ووجوب القضاء بالإفساد، بمعنى أن صوم النفل بعد الشروع فيه يصير واجبا، وإفساده يوجب القضاء.[136][137]
وذكر ابن قدامة في المغني في كلامه على المتن في قوله: «ومن دخل في صيام تطوع فخرج منه فلا قضاء عليه، وإن قضاه فحسن» أنه يستحب إتمام صوم النفل بعد الشروع فيه، وأن من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب، فإن خرج منه فلا قضاء عليه. ونقل عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطرا وقال ابن عمر: لا بأس به، ما لم يكن نذرا أو قضاء رمضان، وقال ابن عباس: إذا صام الرجل تطوعا ثم شاء أن يقطعه قطعه وإذا دخل في صلاة تطوعا ثم شاء أن يقطعها قطعها وقال ابن مسعود: متى أصبحت تريد الصوم فأنت على آخر النظرين إن شئت صمت وإن شئت أفطرت هذا مذهب أحمد والثوري والشافعي وإسحاق.[138] وقال النخعي وأبو حنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر، فإن خرج قضى. وعن مالك: لا قضاء عليه.
واستدل القائلون بوجوب القضاء بما ورد عن عائشة أنها قالت: «أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين، فأهدي لنا حيس فأفطرنا، ثم سألنا رسول الله Mohamed peace be upon him.svg فقال: “اقضيا يوما مكانه”»، ولأنها عبادة تلزم بالنذر فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة.[138] واستدل القائلون بعدم وجوب القضاء بما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت: «دخل علي رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يوما فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا. قال: فإني صائم. ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه، وكان يحب الحيس قلت: يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس، فخبأت لك منه قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، فأكل منه ثم قال لنا: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها» هذا لفظ رواية النسائي وهو أتم من غيره
وروت أم هانئ قالت: «دخلت على رسول الله Mohamed peace be upon him.svg فأتي بشراب، فناولنيه فشربت منه، ثم قلت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئا؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعاً». وفي لفظ قالت: «قلت: إني صائمة فقال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: إن المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فأفطري». ولأن كل صوم لو أتمه كان تطوعا إذا خرج منه لم يجب قضاؤه، كما لو اعتقد أنه من رمضان فبان من شعبان أو من شوال.[138]
أنواع صوم التطوع
صوم شهر المحرم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الصوم في شهر المحرم
شهر المحرم الحرام مستحب، وهو من أنواع صوم النفل، الذي ثبث في الحديث استحباب صيامه وبيان فضله، فعن أبي هريرة قال: “سئل رسول الله Mohamed peace be upon him.svg، أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل» قيل: ثم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله الذي تدعونه المحرم»”. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وفي رواية: «عن أبي هريرة قال: “سئل رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل»، قال: فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله المحرم»”. رواه الجماعة إلا البخاري ولابن ماجه منه فضل الصوم فقط».[139]
صوم عاشوراء
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم يوم عاشوراء
صوم يوم عاشوراء هو يوم العاشر من المحرم، وهو من الصوم المشروع في الإسلام في مراحل التشريع، فقد كان الناس في الجاهلية يصومونه، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة وجدوا اليهود أيضا يصومونه، وقد أمر المسلمون بصيامه، قبل أن يفرض عليهم صوم شهر رمضان، فلما فرض عليهم صوم شهر رمضان، لم يبق طلب الإتيان به شرعا كما كان في السابق، وهو بعد فرض صوم رمضان مستحب بإجماع أهل العلم. وفي الحديث: «عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال صام النبي Mohamed peace be upon him.svg عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه».[140] و«عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله Mohamed peace be upon him.svg بصيامه حتى فرض رمضان، وقال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: من شاء فليصمه ومن شاء أفطر».[141]
عن معاوية قال: «سمعت رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يقول لهذا اليوم: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب منكم أن يفطر فليفطر». قال النووي: «هذا كله من كلام النبي Mohamed peace be upon him.svg هكذا جاء مبينا في رواية النسائي». وعن معاوية بن أبي سفيان قال: “سمعت رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يقول: «إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر»”، متفق عليه. و”عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي Mohamed peace be upon him.svg المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال Mohamed peace be upon him.svg: «أنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه”. متفق عليه. و”عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء، تعظمه اليهود، وتتخذه عيدا، فقال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «صوموه أنتم»”. متفق عليه. و”عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما صام رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى..فقال: «إذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله Mohamed peace be upon him.svg”. رواه مسلم، وأبو داود. وفي لفظ: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، يعني مع يوم عاشوراء”. رواه أحمد ومسلم. وقد ذكر العلماء في صيامه ثلاث كيفيات أحدها: صوم يوم العاشر من المحرم فقط، وثانيها: صوم يوم التاسع والعاشر، وثالثها: صوم ثلاثة أيام: التاسع، والعاشر، والحادي عشر.
صوم ست من شوال
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم ست من شوال
من أنواع صوم النفل صيام ستة أيام من شهر شوال، وشهر شوال هو الشهر العاشر في ترتيب شهور السنة الهلالية، ويقع بعد شهر رمضان، ويستحب صيام ستة أيام منه سواء كانت متوالية أو متفرقة، باستثناء أول يوم من شوال الذي هو يوم عيد الفطر، فلا يجوز الصيام فيه حيث أنه يحرم صيام يومي العيد الفطر والأضحى. ويدل على استحباب صيام الست من شوال: ما أخرجه مسلم في صحيحه: “عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»”.[142] وفي رواية: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر».
صوم يوم عرفة لغير الحاج
وقوف الحجاج على جبل عرفة يوم التاسع من ذي الحجة
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم يوم عرفة
يوم عرفة وهو أحد أيام العشر من ذي الحجة، وهو يوم التاسع من ذي الحجة، ويستحب صيامه لما ورد في الحديث: «صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها»، ولكن هذا الاستحباب لغير من كان حاجا، فلا يستحب له صيامه؛ لأنه يكون في حال اشتغاله بالوقوف بعرفة، حيث أن الصيام حينذ يضعفه عن الذكر والعبادة في ذلك اليوم، وقد ورد النهي عن صيامه بحديث: عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله Mohamed peace be upon him.svg عن صوم يوم عرفة بعرفات». رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه. قال الترمذي، قد استحب أهل العلم، صيام يوم عرفة إلا بعرفة. وعن أم الفضل: «أنهم شكوا في صوم رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يوم عرفة، فأرسلت إليه بلبن، فشرب، وهو يخطب الناس بعرفة». متفق عليه. وفي سنن أبي داود عن عكرمة قال: «كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثنا أن رسول الله Mohamed peace be upon him.svg نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة».[143] وظاهر حديث أبي هريرة هذا: أنه لا يجوز صومه بعرفات، والأصل في النهي أنه للتحريم، لكن حمله العلماء على الكراهه من غير تحريم، والأصل في صوم يوم عرفة أنه مستحب إلا للحاج حيث أن الصيام يضعفه عن اغتنام وقت الوقوف بعرفة، ويجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا. قال الخطابي: هذا نهي استحباب لا نهي إيجاب، فإنما نهى المحرم عن ذلك خوفا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفا فصوم ذلك اليوم أفضل له إن شاء الله وقد قال Mohamed peace be upon him.svg: «صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها» ذكره في عون المعبود. وفي هذا دلالة على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج، وأما صيام الحاج يوم عرفة ففيه خلاف، فقد روي عن عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كانا يصومانه، وقال أحمد بن حنبل: إن قدر على أن يصوم صام، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة، وكان إسحاق يستحب صومه للحاج، وكان عطاء يقول: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان مالك وسفيان الثوري يختاران الإفطار للحاج وكذلك الشافعي. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «لم يصمه النبي Mohamed peace be upon him.svg ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أصومه أنا». انتهى كلامه. وفي صحيح البخاري: «عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي Mohamed peace be upon him.svg فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه».[144] وفي رواية للبخاري أيضا: «عن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شَكُّوا في صيام النبي Mohamed peace be upon him.svg يوم عرفة فأرسلت إليه بِحِلَابٍ وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون».[145] قال الشوكاني: واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة عند مسلم وأصحاب السنن مرفوعا صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة الحديث أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا، وظاهر حديث عقبة بن عامر عند أهل السنن غير ابن ماجه يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام الحديث أنه يكره صومه مطلقا لجعله قريبا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق، وتعليل ذلك أنها عيد وأنها أيام أكل وشرب. وسبب كراهية صيام يوم عرفة للحاج أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك وعن القيام بأعمال الحج. وقيل: بل لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده حديث أبي قتادة. وفي حديث أبي هريرة هذا التصرح بالنهي عن صومه مطلقا. ومما يدل على عدم استحباب صومه للحاج: ما أخرجه أبو داود في سننه «عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله Mohamed peace be upon him.svg فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب». قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم.[146]
صوم الإثنين والخميس
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم يومي الإثنين والخميس
من أنواع صوم النفل صوم يومي الإثنين والخميس، وهو الصوم المستحب في الأسبوع، وهو أن يتحرى مريد التطوع بالصوم الصيام في كل إثنين وخميس من الأسبوع، وفي الحديث: عن عائشة قالت: «إن النبي Mohamed peace be upon him.svg كان يتحرى صيام الإثنين والخميس».[147][148] وثبت في مشروعية استحباب صيامهما دليل الترغيب وهو أن يومي الإثنين والخميس تعرض فيهما الأعمال، ووجه ذلك: أن الصوم عمل فيستحب للمسلم الصوم فيهما ليعرض عمله وهو صائم، ويدل على هذا حديث: عن أبي هريرة: “أن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: «تعرض الأعمال كل إثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»”.[149][150] كما ورد أيضا في صوم يوم الإثنين حديث: عن أبي قتادة: “أن النبي Mohamed peace be upon him.svg سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه»”.[151] ولمسلم بلفظ: “عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: «فيه ولدت وفيه أنزل علي»”.[152] وفي هذا دليل استحباب صوم يومي الإثنين والخميس؛ لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، وقوله في الحديث: قال: «ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه»، ويوم الإثنين هو اليوم الذي كانت ولادته فيه، وهو أيضا اليوم الذي أنزل الله فيه عليه الوحي.[153]
صوم ثلاثة أيام من كل شهر
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم ثلاثة أيام من كل شهر
من الصوم المستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويدل عليه حديث: «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي Mohamed peace be upon him.svg بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام».[154] قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على تأكيد هذه الأمور بالقصد إلى الوصية بها، وصيام ثلاثة أيام قد وردت علته في الحديث، وهو تحصيل أجر الشهر، باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها، وقد ذكرنا ما فيه، ورأى من يرى أن ذلك أجر بلا تضعيف، ليحصل الفرق بين صوم الشهر تقديرا، وبين صومه تحقيقا. وفي الحديث دليل على استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، واستحباب صلاة الضحى. وعن أبي ذر قال: «أمرنا رسول الله Mohamed peace be upon him.svg أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة».[155]
صوم يوم وفطر يوم
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: صوم يوم وفطر يوم
من أنواع صوم النفل صوم يوم وإفطار يوم، هو صوم نبي الله داود عليه السلام، وهو مستحب لمن يريد التطوع بالصوم في جميع أيام العام، باستثناء صوم شهر رمضان، والأيام المنهي عن صومها، وهذا النوع من الصوم لمن رغب في المزيد من التنفل بالصوم ووجد في نفسه قدرة عليه من غير تضييع الحقوق والواجبات، وأما الزيادة على هذا فهو منهي عنه. ويدل على هذا حديث: «عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي Mohamed peace be upon him.svg قال: صم من الشهر ثلاثة أيام قال: أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: صم يوما وأفطر يوما، فقال: اقرء القرآن في كل شهر، قال إني أطيق أكثر فما زال حتى قال في ثلاث».[156] وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو قال، “قال لي رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «لقد أخبرت أنك تقوم الليل وتصوم النهار»، قال: قلت: يا رسول الله نعم، قال: «فصم، وافطر وصل ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام» قال: فشددت فشدد علي قال: فقلت، يا رسول الله إني أجده قوة قال: «فصم من كل جمعة ثلاثة أيام» قال: فشددت فشدد علي قال فقلت: يا رسول الله إني أجد قوة قال: «صم صوم نبي الله داود، ولا تزد عليه»، قلت: يا رسول الله وما كان صيام داود عليه الصلاة والسلام؟ قال: «كان يصوم يوما، ويفطر يوما»”.[157] و«عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما».[158]
معرض الصور
فانوس رمضان في مصر
مظاهر رمضان في القاهرة، مصر
مظاهر رمضان في الأردن
إفطار جماعي في القاهرة، مصر
مظاهر رمضان في الغردقة، مصر
المدينة المنورة
إفطار جماعي بالمسجد النبوي
صلاة التراويح في الجامع الكبير في القيروان. رمضان 2012
إفطار رمضان في الجزائر
إفطار جماعي في رمضان
إفطار رمضان
انظر أيضًا
أركان الإسلام
الحج في الإسلام
صلاة الجماعة
فوائد الصلاة
الحج
الطهارة في الإسلام
الزكاة
الوضوء
الملاحظات
من الأدلة على وجوب اتباع السنة والأخذ بها قول الله تعالى: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ..الآية﴾ وقال الله تعالى: ﴿وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ وقال تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾ وقال تعالى: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ وقال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين ءآمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ..الآية﴾، وقال تعالى: ﴿ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ..الآية﴾، وقال تعالى: ﴿إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا﴾، وقال الله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ..الآية﴾، والآيات في هذا كثيرة. وفي الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
5
رواه الجماعة إلا النسائي. قال الشوكاني: «والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، وهو مجمع عليه، وأن المسارعة بالصلاة في أول وقتها مشروعة».
ذكر الشوكاني أن وقت صلاة المغرب يدخل بغروب الشمس بالإجماع، وإنما وقع الخلاف في العلامة الدالة على ذلك على ثلاثة أقول فقيل: بسقوط قرص الشمس بكماله، وهذا إنما يتم في الصحراء، وأما في العمران فلا. وقيل: برؤية الكوكب الليلي، وبه قالت القاسمية، واحتجوا بقوله: «حتى يطلع الشاهد» النجم. أخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي بصرة. وقيل: بل بالإظلام، وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والإمام يحيى. واستدلوا بحديث: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم». متفق عليه من حديث ابن عمر وعبد الله بن أبي أوفى. ولما في حديث جبريل من رواية ابن عباس بلفظ: «فصلى بي حين وجبت الشمس وأفطر الصائم». ولحديث الباب وغير ذلك. وأجاب صاحب البحر عن هذه الأدلة بأنها مطلقة، وحديث “حتى يطلع الشاهد” مقيد، ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس، على أنه قد قيل: إن قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك حديث السائب بن يزيد عند أحمد والطبراني مرفوعا بلفظ: «لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم». وحديث أبي أيوب مرفوعا: «بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم». وحديث أنس ورافع بن خديج قال: «كنا نصلي مع النبي Mohamed peace be upon him.svg ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله».انتهى ملخصا من نيل الأوطار للشوكاني، الجزء الثاني، كتاب الصلاة: أبواب المواقيت: باب وقت صلاة المغرب، صفحة رقم: (6).
مفهوم الصوم الصوم: هو الامتناع عن تناول الطّعام والشراب وسائر الأطعمة من طلوع الفجر حتّى غروب الشمس مع النيّة، وهو الرّكن الرابع من أركان الإسلام، ومن الأعمال الّتي أمرنا الله تعالى ورسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالقيام بها، وهو فرض على كلّ مسلمٍ ومسلمة، ولكن حُرّم على المسلمين صوم يوم عيدي الفطر والأضحى حيث قال تعالى: ” فكلي واشربي وقرّي عيناً فإمّا ترين من البشر أحداً فقولي إنّي نذرت للرّحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسيّاً “، وتبيّن هذه الآية الكريمة أنّه يجب على الصائم أن ينوي قبل صيامه؛ لأنّه لا يصحّ الصيام إلّا بالنيّة مع عدم تناول أيّ مفطرٍ بعد الفجر. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً”، ونستنتج من قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصوم واجبٌ على كلّ مسلم ومسلمة ولا يصحّ الإسلام إلّا به. أقسام الصوم الصوم المفروض مثل: صيام شهر رمضان، وقضاؤه، والصيام المنذور، وصيام الكفّارات . الصّيام حسب سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم مثل: صيام ستّة أيّام من شهر شوّال، وصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر. الصيام المكروه: مثل صيام يوم عرفة للحجّاج . الصيام المحرّم الّذي يؤثم فاعله مثل: صيام أيّام التشريق، وصيام يومي عيد الأضحى والفطر . أركان الصوم هناك أركانٌ لا يصحّ الصّيام إلّا بها، وهي: الإمساك بمعنى عدم تناول أي شيء من طلوع الشّمس حتّى غروبها. النيّة على الصيام. الصّائم الّذي يقوم بممارسة عبادة الصوم. أهميّة الصيام الصّيام يزيل السموم الّتي تتراكم في جسم الإنسان، والّتي لا يمكن إزالتها والتخلّص منها إلّا بالامتناع عن الطعام والشراب. يؤدّي الصيام إلى استقرار الوضع النفسي للصّائم؛ لأنّه يقدّم استراحةً للدّماغ وخلايا المخ. ينقّي الدم؛ لأنّه يتخلّص من الفضلات السامّة، وعندما يذهب الدم إلى الدماغ يقوم بتنظيفه فنحصل على تفكيرٍ أفضل وسليم. التخلّص من الخلايا الضعيفة والمريضة؛ لأنّ الإنسان عندما يجوع يتغذّى على هذه الخلايا. التخلّص من الوزن الزّائد والبدانة. التّخفيف من التدخين، وبالتّالي التخفيف من الأضرار الصحيّة النّاجمة عن التدخين؛