التربوية sbai  

اهمية الثقة في الله !!!

تلك الدنيا دار بلوى واختبار، وليست دار سكون وقرار، والمنغصات فيها كأمواج البحر المتلاطمة، ولا ينجو من هذا إنسان، يقول تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4].

ولا تجد إنساناً كامل السعادة، فالغني يؤرقه خوفه على فقدان ماله، والسلطان يخشى زوال ملكه، والفقير يشقى بفقره، وكثير من الإنس لا يعي مقدار ما حازه ويتطلع إلى ما يفتقده؛ لهذا تجد حياته بائسة لعدم رضاه وقناعته؛ فالغني – مثلاً – قد يحسد الفقير على سكون البال، وفي المقابل يحسد الفقيرُ الغنيَّ على رغد العيش.

وتلك الدنيا لا تهدأ فيها الصراعات بين بني الإنس، فنجد الظالم والمظلوم، وقد تدور الأيام وتتبدل الظروف فنجد مظلومَ اليوم ظالم الغد.

ولكن مَنْ صاحَبَتْهُ معية الله يكون يوم ضعفه ومظلوميته مع الله بالدعاء والاستغفار والصبر والاحتساب، ويوم قوَّته لا ينساق وراء ذاته المنتقمة الباطشة، ويتذكَّر أن العفو أكثر قربا إلى التقوى، وقليل مَنْ يفعل هذا..

والمصائب تنزل بالإنسان ليبدو جوهره ومعدنه؛ فمنهم من تضيف عليه المصائب قرباً من الله، ومنهم من يجزع ويطيش ذهنه، ولا يهتدي إلى اللجوء إلى ربه الذي بيده أعلن الضر وتغيير المحن إلى عطاء.

وكان قد من زوايا الإيمان الستة: “الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره”(1).

وتلك هي الدنيا؛ يوم حلو، ويوم مُرٌّ، فلا الحلاوة توجد، ولا المرارة تدوم.

أفاد أوس بن حارثة، جدُّ الأنصار، لبنيه حين حضرته الموت: “الزمان 48 ساعة: فيوم لك، ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهماسينحسر”(2).

وذلك الركن ركن عملي وليس نظرياً؛ ففيه الرضا بالقضاء والتسلم له، ففيه الرضا بالقضاء والتسليم له، والثقة في موعود الله بالفرج، والصبر على أمر الله، وغيره من القيم التي تتجلى للإنسان في تلك الأوضاع.

أفاد بعض الحكماء: رُبَّ محبوبٍ في مكروهٍ، ومكروهٍ في محبوبٍ، وكم مغبوطٍ في نعمة هي داؤُه، ومرحوم في داء هو شفاؤه، وربَّ خيرٍ من شرٍّ ونفع من ضرٍّ(3).

وأنشد أمية بن والدي الصلت في معناه:

تجري الموضوعات على على حسب القضاء وفي *** طيِّ النكبات محبوب ومكروه
فربما سرني ما بتُّ أحذره *** وربما ساءني ما بتُّ أرجوه

لكن تضاؤل النفس البشرية تؤدي بصاحبها إلى ألا يرضى بقضاء الله، فيبدو الاعتراض على ذلك القضاء، أو يحمله الجزع وعدم الصبر على قول ما لا يرضى الله عنه..

لهذا حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يجزعون نحو إجابات المصائب بهم، ولا سيما نحو محنة الوفاة؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله سبحانه وتعالى عنه أفاد: أفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا مَن صفع الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية”(4).

وذلك غالباً يحدث من النسا؛ فيُكثرن من الصياح والعويل، والندب والنياحة، وتوضيح الجزع والتبرم بتقطيع الثياب، وخمش الوجوه، صرح الحسن في قوله تعالى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12]؛ أي: لا ينحن، ولا يشقنن، ولا يخمش، ولا ينثرن شعراً، ولا يدعون ويلاً.

وقد نسخ الله هذا بشريعة الإسلام، وأمر بالاقتصاد في الحزن والفرح، وترك الغلو في هذا، وحضَّ على الصبر نحو المصائب، واحتساب أجرها على الله، وتفويض الموضوعات كلها إليه”(5).

وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر، فهو المركب الذي لا يغرق بأي حال من الأحوالً، مَن ركبه فقد نجا؛ فقد مرَّ بامرأة تبكي نحو ضريح فقال: “اتَّقي الله واصبري”.

أفادت: إليك عني، فإنك لم تُصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك.
فقال: “إنما الصبر نحو الصدمة الأولى”(6).

فالمصائب مهما عظمت فإن أثرها لا يلبث أن يضعف بمرور الوقت، وقد ينمحي أثرها بالكلية؛ لهذا صرح وهب بن منبه: “ما من شيء سوى يظهر صغيراً ثم يكبر، سوى المحنة فإنها تظهر هائلة ثم تصغر”(7)؛ لهذا فالإنسان لا يخلو من حالين بينه وبين ربه؛ فشكر المنعم حال النعمة، والصبر على كلفه وقضائه حال الضراء.

وقد قيل: المصيبة إذا تُلقيت بالرضا والصبر كانت نعمة مستدامة، والنعمة إذا خلت من الرضا والشكر كانت نقمة لائحة(8).

فوجب التنبيه على العبد أن لا يغفل “في أوقات النعمة والرخاء عن الاعتداد بالشكر، فلا يُاجتمع فضل المنعم – تعالى شأنه – بالكفران والنكر، كما أنه إذا ابتلي بمصيبة فلا يُقابلها بالسخط والضجر؛ بل يكون صابراً نحو البلوى، شاكراً وقت النعماء”(9).

لهذا كان ابن مسعود رضي الله سبحانه وتعالى عنه يقول: “الصبر نِصْف الإيمان، واليقين الإيمان كلُّه”(10).
وتحدث أبو الدرداء” قمة الإيمان الصبر للحُكْم، والرضا بالقَدَر(11).

أفاد أبو الحسين بن والدي البغل:

فصبراً على حلو القضاء ومره *** فإن اعتياد الصبر أدعى إلى اليسر
وخير القضايا خيرهن عواقباً *** وكم قد أتاك الاستفادة من منحى الضر

ومن عصمة الله الرضا بقضائه، ومن لطفه توفيقه العبد للصبر، والصابر على بلوى الله يناله من الأجر ما لا يقدر واحد من على وصفه، أو الإتيان على كنهه؛ فعن والدي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاد: “إذا وافته المنية ولد العَبد أفاد الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا صرح عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسمُّوه منزل الشكر”(12).

فالتسليم والإذعان لحكم الله، والرضا بما قضاه هو تسليم بالربوبية، واستمساك بالعبودية، فالعبد الصالح لا يشغب على سيده، ولا يسخط بحكمه، فهو يعرف أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، “وإن كان هذا الخير مستوراً عن إدراكه وحدسه”(13).

ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان؛ حيث ترسَّخ في يقينه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله سبحانه وتعالى عنه صرح: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لو أن الله عذَّبَ أهل سماواته وأهل أرضه، لعذَّبهم غيرَ ظالمٍ لهم.. ولو رحِهام، كانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم.. ولو كان لك جبلُ أُحُد – أو مثل جبل واحد من – ذهباً، أنفقته في طريق الله، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير ذلك، دخلْتَ النارَ”(14).

وصرح ابن مسعود: ينتهي الإيمان إلى الورع، ومن أفضل الدِّين أن ما زال فكرُه غير خال عن أوضح الله عز وجل، ومن وافق بما أنزل الله من السماء إلى الأرض دخل الجنة إن شاء الله، ومَن أراد الجنة لا يوجد شك فيها فلا يخَفْ في الله لومةَ لائم”(15).

وما هائلة إبليس سوى لعصيانه حكم ربه، والتمرد على قضائه، وإعجابه بنفسه، فأين هو والجنة، وقد أفصح العصيان، وناصب ربه العداء؟!

وانظر إلى سياق الحكاية: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:71-85].
لهذا على المؤمن الذكي أن يوطِّن ذاته على ما يحكم الله له، وأن يرضى به اختياراً، وإلا وافق به اضطراراً.

صرح الشاعر:

ما سَلَّم الله هو السالم *** ليس كما يزعمه الزاعم
تجري الأحجام التي قُدِّرَتْ *** وأنف مَن لا يرتضي راغم

والإيمان بالقدر ليس جبراً أو سلباً للإرادة؛ وإلا بطل التكليف وسقط المكافأة والعقاب؛ إذ كيف يُثيب الله أو يعاقب مَن هو مضطر إلى تصرف الشيء، ولا بوابة له في التصرف أو الترك، وإنما يقصد التكليف الاختيار.

وقد احتج الكفار بعقيدة الجبر، وادعوا أن الله هو الذي أمرهم بالكفر، وقالوا: إن إرادة الله هي التي حكمت عليهم بالكفر فصاروا من الكافرين، ولو حكمت إرادته بالإيمان لكانوا مؤمنين، وما هذه الحجج سوى ليبرروا كفرهم لأنفسهم ولأقوامهم..

صرح تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148].

وتحدث: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28].

وقد شنع المستشرقون على المسلمين في هذه العقيدة، وادعوا أن داع تخلف المسلمين وتأخرهم مرجعه إلى إيمانهم بها، إستيعاب مستسلمون خانعون خاضعون لا يغيرون أحوالهم البئيسة، ولا يرغبون في أن يواجهوا أعداءهم؛ لأن الله سلطهم عليهم بذنوبهم، وأنه لا ميدان للاعتراض على حكم الله.. وغير هذا.
وذلك لعمري فرية هائلة على المسلمين وعلى عقيدة القدر.

وإذا قلنا: إن التوكل يلزمه رفع الهمة، والاطمئنان بحصول القسمة، فإن المؤمن لو كان صادقاً في توكله، واثقاً بكرم الله سبحانه وتعالى وتفضله، معتقداً بأنه سبحانه المتكفِّل بالأرزاق، وأنه المسبب المانح كليا، كان رفيع الهمَّة عن الخلق وأسبابهم، مطمئن النفس بحصول المقسوم على أي سبيل كان مجهول هو أو معروف.
تارة يبلغه الله هذا من فضله مبادأة، وتارة بطريق الكسب معاوضة وأخرى من ناحية الخلق ابتلاء.

فلا معنى – حينئذ – أن يستفز العبد كدٌّ وطلب، ولا يزعجه تعذُّر انتصر وسبب، لا بمعنى أن يترك العوامل، ويتفرغ عن السعي والاكتساب؛ بل بمعنى تعلق النفس بالعلائق والاتكال على الخلق دون الخالق، وإلا فالكسب على الطريق المشروع مندوب إليه، لاسيماً في زماننا ذلك، ولا ينافي التوكل؛ لأن التوكل محله الفؤاد، والكسب محله الجوارح؛ فمن ظن أن المطلب يضاد التوكل حتى يترك دوافعه، ويغلق عليه بابه، كان عن الذهن خارجاً، وفي تيه الضلاة والجاً(16).

أفاد أبو طالب المكي في كتابه “قوت القلوب”: لا يضر الفعل والتكسب ممن صح توكله، ولا يقدح في مقامه، ولا ينقص من وضْعه إذا أحكم بمعنيين: البصر إلى الوكيل في أول الحركة فيكون متحركاً به، والرضا بالحكم عقب الفعل فيكون مطمئناً به. اهـ(17).

إذا عرفت ذلك، فاعلم أن المتوكل إذا حاول في جذب منفعة له أو صرف مضرة عنه وقد كان نظره في هذا إلى الله، وراضياً بما يؤدي إليه سعيه الأمر الذي قدَّره عليه مولاه؛ فقد حصل له الأجر من وجهين، وقد كان فعله موافقاً للكتاب والسنة.

أما الكتاب فإن الله يقول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]، وتحدث – عز شأنه – لمريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25].

وفي التوراة: امدد يدك لباب من الشغل أفتح لكل باباً من الرزق(18).

وأما السنة، فقوله صلى الله عليه وسلم لأعرابي: “اعقلها وتوكَّل”(19).
وقوله عليه السلام: “إن الله يبغض العبد السليم الفارغ”(20).

_____________________________

(1) أخرج مسلم في الإيمان، باب: تصريح الإيمان والإسلام والإحسان وضرورة الإيمان بإُأصبح قدر الله تعالى، ج8 من عصري عمر بن الكلام رضي الله سبحانه وتعالى عنه، وفي قصة ابن حبان في صحيحه (1/398): “أن تؤمن بـ:الله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث عقب الوفاة، والقدر خيره وشره حلوه ومره”.
(2) تاريخ دمشق السورية (3/457).
(3) حل العقال لابن قضيب البان بتحقيقنا.
(4) أخرجه البخاري في الجنائز، باب: ليس منا من شق الجيوب، ح (1294) ومواضع أخرى.
(5) توضيح ابن بطال على صحيح البخاري (3/277، 278).
(6) أخرجه البخاري في الجنائز، باب: زيارة القبور، ح (1283) ومواضع أخرى، من عصري أنس بن مالك رضي الله سبحانه وتعالى عنه.
(7) حلية الأولياء (4/63).
(8) ربيع المخلصين (3/101).
(9) حل العقال لابن قضيب البان بتحقيقنا.
(10) شعب الإيمان للبيهقي (1/74).
(11) حلية الأولياء (1/216).
(12) أخرجه الترمذي في الجنائز، باب: فضل المحنة إذا قام باحتساب، ح (1021)، وتحدث: ذلك عصري حسن غريب، وقد حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
(13) حل العقال لابن قضيب البان بتحقيقنا.
(14) أخرجه أحمد في مسنده، ح(211651)، وصرح شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: إسناده قوي.
(15) الحلية (9/249).
(16) انظر: سراج الملوك، ص 182.
(17) انظر: قوت القلوب (2/24).
(18) صرح صاحب الجالسة وجواهر العلم، ص (345): حدثنا أحمد، نا الحسين بن الاستيعاب، نا محمد بن سلام، عن يونس بن حبيب، أفاد: قرأت في بعض كتب الله عز وجل: يا ابن آدم، أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني بما يصلحك، وامدد يديك لباب من الشغل أفتح لكل باباً من الرزق.
(19) قسم من عصري أخرجه الترمذي في صفة القيامة، ح (2517).
(20) أخرج ابن المبارك في الزهد، ص (468)، عن معاوية بن قرة أفاد: أقوى الناس الآخرة حساباً السليم الفارغ، ولقد أخطأ صاحب المستطرف (2/126) فعزاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعه على هذا المصنف.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد خلق الله الخلق جميعا لغاية واحدة؛ لعبادته وحده لا شريك له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات(56)]، وقد بين لهم -سبحانه وتعالى- كيفية العبادة، ووضَّح لهم صفتها، وفصَّل لهم أنواعها، فثمة عبادات ظاهرة \”بالجوارح\”؛ كالصلاة والصيام، وما إلى ذلك، وعبادات باطنة \”قلبية\” كالخوف منه، والتوكل عليه، والرضا به، وما أشبه ذلك، ومن هذه العبادات القلبية التي تعبد الله بها عباده: الثقة به، وصدق الاعتماد عليه، وحسن التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه..
الثقة بالله صفة من صفات الأنبياء؛ فهذا خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال :\”حسبنا الله ونعم الوكيل\” فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء(69)].
ولما فر نبينا -عليه الصلاة والسلام- من الكفار فدخل الغار؛ فحفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق حدثه، قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)[رواه البخاري(3653) ومسلم(2381) وهذا لفظ مسلم].
إنها ثقة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- العظيمة بالله، ولذلك خاف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على أن يصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذى؛ فرد عليه بلسان الواثق بوعد الله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[التوبة(40)]، وفعلا كان الله مع نبيه -عليه الصلاة والسلام- فحفظه وأيده ونصره، وجعل العاقبة له ولأتباعه من المؤمنين والمؤمنات.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: \”حسبنا الله ونعم الوكيل\” قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران(173)][رواه البخاري(4563)].
ففي هذه الأوقات العصيبة والحرجة كانا حبيبا الرحمن إبراهيم ومحمد -عليهما السلام- في ثقة عظيمة بالله.

والثقة أيضا صفة من صفات الأولياء الصادقين؛ قال يحيى بن معاذ: \”ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء، والغنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء\”[شعب الإيمان(2/354) للبيهقي].

وهي كذلك صفة من صفات العباد الزهاد، فقد جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: \”يا أبا عبد الرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد؟ فقال: \”رأس الزهد الثقة بالله ووسطه الصبر وآخره الإخلاص\”، وقال حاتم: \”وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء: إلى المعرفة وإلى الثقة وإلى التوكل؛ فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه، فإذا علمت أن ذلك عدل منه فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تهتم أو تسخط، ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر. وأما الثقة فالإياس من المخلوقين, وعلامة الإياس أن ترفع القضاء من المخلوقين، فإذا رفعت القضاء منهم استرحت منهم واستراحوا منك، وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لابد لك أن تتزين لهم وتتصنع لهم، فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم، وقد وقعوا في أمر عظيم وتصنع, فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم، وأما التوكل فطمأنينة القلب بموعود الله تعالى فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدا\”[حلية الأولياء(8/75) لابن الجوزي].

والثقة بالله تجعل العبد راضيا بالله، قال حاتم الأصم: \”من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله: أولها الثقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة\”[حلية الأولياء(8/75)]، وتجعله يائسا مما في أيدي الناس؛ قيل لأبي حازم: \”يا أبا حازم ما مالك؟ قال: \”ثقتي بالله تعالى، وإياسي مما في أيدي الناس\”[حلية الأولياء(3/231)].
ومن وثق بالله نجاه من كل كرب أهمه؛ قال أبو العالية: \”إن الله -تعالى- قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن(11)]، ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق(3)]، ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}[البقرة(245)]، ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}[آل عمران(103)]، والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[حلية الأولياء(2/221- 222)][البقرة(186)]، فكون واثقا بالله، متوكلا عليه، معتصما به.

بل من تحلى بهذه الصفة فقد فاز بالجنة؛ قال شقيق البلخي -رحمه الله-: \”من عمل بثلاث خصال أعطاه الله الجنة: أولها: معرفة الله -عز وجل- بقلبه ولسانه وسمعه وجميع جوارحه، والثاني: أن يكون بما في يد الله أوثق مما في يديه، والثالث: يرضى بما قسم الله له، وهو مستيقن أن الله تعالى مطلع عليه, ولا يحرك شيئا من جوارحه إلا بإقامة الحجة عند الله، فذلك حق المعرفة\”.
ثم بين الثقة بالله وشرحها وفسرها، فقال: \”وتفسير الثقة بالله أن لا تسعى في طمع، ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرك من جوارحه شيئا دون الله، يعني في طاعته واجتناب معصيته\”[حلية الأولياء(8/61)].

الثقة بالله نحتاجها جميعا رجالا ونساء؛ فهذه أم موسى – عليه السلام- كما قص الله علينا قصتها في سورة القصص؛ هذه المرأة المباركة عاشت في زمن جبار عنيد، وطاغوت فريد؛ لن نجد له في التاريخ مثيلا؛ هذا الطاغوت ادعى الربوبية: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات(24)]، ونفي الأولوهية عما سواه: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص(38)].
طاغوت استخف قومه فأطاعوه، وسام شعبه سوء العذاب؛ معتمدا على خرافات وأحلام ما أنزل الله بها من سلطان، فقد رأى في منامه رؤيا أقلقته وأفزعته، فدعا المنجِّمين لتأويلها، فأولها: بأنه سيولد مولود في بني إسرائيل يسلبه مُلكه، ويغلبه على سلطانه، ويبدل دينه!!.
فما كان من هذا الجبار إلا أن أصدر مرسوما جائرا يقضي بقتل كل طفل ذكر سيولد في البلد؛ فقتل جنوده ما شاء الله أن يقتلوا؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: \”ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل، فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون: إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم يقتلون، ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما، فولد هارون -عليه السلام- في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك، وقوابل يدرن على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط، فإن ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار -السكاكين- المرهفة فقتلوه ومضوا -قبحهم الله تعالى-.

فلما حملت أم موسى به -عليه السلام- لم يظهر عليها مخايل-أي علامات.- الحمل كغيرها، ولم تفطن لها الدايات، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا، وخافت عليه خوفا شديدا، وأحبته حبا زائدا، وكان موسى -عليه السلام- لا يراه أحد إلا أحبه، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا، قال الله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي}[طـه(39)] فلما ضاقت به ذرعا، ألهمت في سرها، وألقي في خلدها، ونفث في روعها؛ كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص(7)]، وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتا، ومهدت فيه مهدا، وجعلت ترضع ولدها، فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وسيرته في البحر، وربطته بحبل عندها. فلما كانت ذات يوم دخل عليها من تخافه، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت وأرسلته في البحر، وذهلت عن أن تربطه، فذهب مع الماء، واحتمله حتى مر به على دار فرعون، فالتقطه الجواري فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون، ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها، فلما كشف عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها، وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها، ولهذا قال: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}… معناه أن الله -تعالى – قيضهم لالتقاطه ليجعله عدوا لهم وحزنا؛ فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[تفسير القرآن العظيم(6/199-200) ط: دار الكتب العلمية][القصص(8)].
ثم إن هذا الطاغية همَّ بقتله، فقالت له زوجته آسية بنت مزاحم محببة له: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} \”فقال فرعون: \”أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كذلك، وهداها الله بسببه، وأهلكه الله على يديه\” أي أهلك الله فرعون على يد موسى -عليه السلام-.
ثم قالت مبينة لها العلة من ذلك: {عَسَى أَن يَنفَعَنَا} \”وقد حصل لها ذلك، وهداها الله به، وأسكنها الجنة بسببه\”. وقوله: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} \”أي أرادت أن تتخذه ولدا وتتبناه، وذلك أنه لم يكن لها ولد منه {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[القصص(9)]أي لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه من الحكمة العظيمة البالغة، والحجة القاطعة\”.

ولما ألقته أمه في البحر في المرة الأخيرة ذهب عنها بعيدا؛ فخافت عليه خوفا شديدا حتى أن قلبها أصبح فارغا من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى -عليه السلام- كما أخبرنا بذلك القرآن، فقال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} \”أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها، لولا أن الله ثبتها وصبرها، قال الله تعالى: {لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي أمرت ابنتها وكانت كبيرة تعي ما يقال لها، فقالت لها: {قُصِّيهِ} أي اتبعي أثره، وخذي خبره، وتطلبي شأنه من نواحي البلد، فخرجت لذلك: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ}.. وقال قتادة: \”جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده\”، وذلك أنه لما استقر موسى -عليه السلام- بدار فرعون وأحبته امرأة الملك واستطلقته منه، عرضوا عليه المراضع التي في دارهم فلم يقبل منها ثديا، وأبى أن يقبل شيئا من ذلك، فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته، فلما رأته بأيديهم عرفته ولم تظهر ذلك ولم يشعروا بها: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}\”[القصص(10)(11)].
ثم قال الله -تعالى-: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ} \”أي تحريما قدريا -أي في القدر الكوني، وليس تحريما شرعيا-، وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه؛ ولأن الله – سبحانه وتعالى – جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه لترضعه، وهي آمنة بعد ما كانت خائفة، فلما رأتهم حائرين فيمن يرضعه: {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}[القصص(12)]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: \”فلما قالت ذلك، أخذوها وشكوا في أمرها، وقالوا لها: وما يدريك بنصحهم له؟ وشفقتهم عليه؟ فقالت لهم: نصحهم له، وشفقتهم عليه؛ رغبتهم في سرور الملك، ورجاء منفعته\”، فأرسلوها، فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم، فذهبوا معها إلى منزلهم فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا، وذهب البشير إلى امرأة الملك، فاستدعت أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلا، وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة، ولكن لكونه وافق ثديها، ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه، فأبت عليها وقالت: إن لي بعلا وأولادا، ولا أقدر على المقام عندك، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت. فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجرت عليها النفقة والصلات والكساوي والإحسان الجزيل، فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا، في عز وجاه ورزق دار… ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليلة أو نحوه، والله أعلم، فسبحان من بيده الأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجا وبعد كل ضيق مخرجا، ولهذا قال تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} أي به {وَلَا تَحْزَنَ} أي عليه {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[القصص(13)] أي فيما وعدها من رده إليها، وجعله من المرسلين، فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين، فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعا وشرعا\”[ينظر: تفسير القرآن العظيم(6/200- 202) لابن كثير].
وقد جاءت هذه القصة مختصرة في سورة طه في قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي* إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}[طـه(40)(38)(39)].
فتأمل في هذه الثقة العظيمة من أم موسى -عليه السلام- في وعد الله الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: \”فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله -تعالى-، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه، وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف\”[مدارج السالكين(2/142)].
وقد حقق الله لها ما وعدها به، ورد لها فلذة كبدها، وحفظه من كل سوء ومكروه؛ فكن واثقا بوعد الله كوثوق أم موسى -عليه السلام-.
وهكذا عاش نبي الله موسى -عليه السلام- حياته كلها واثقا بالله مطمئنا به؛ ففي أحداث احتسابه على فرعون وقومه، ودعوته لهم، فر موسى-عليه السلام- ومن معه المؤمنين فتبعه فرعون ومن معه من الكافرين، قال تعالى: {فأتبعوهم مشرقين} أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس، وهو طلوعها: {فلما تراءا الجمعان} أي رأى كل من الفريقين صاحبه، فعند ذلك: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر، وهو بحر القلزم، فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده، فلهذا قالوا: {إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون، فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير هاهنا بكم، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد … وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون، وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون، يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله هاهنا أمرك ربك أن تسير؟ فيقول: نعم، فاقترب فرعون وجنوده، ولم يبق إلا القليل، فعند ذلك أمر الله نبيه موسى -عليه السلام- أن يضرب بعصاه البحر، فضربه وقال: انفلق بإذن الله\”[ينظر تفسير القرآن العظيم(6/130)] وبذلك نجى الله موسى ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الجاحدين.
كن واثقا بأن الله سيحفظك ويرعاك ما دمت حافظا لحدوده؛ ممتثلا لأوامره، مجتنبا لنواهيه؛ فهاهو عليه الصلاة والسلام يوصي ابن عباس-رضي الله عنهما- بوصية عامة له وللأمة جميعا، فيقول له: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدها تجاهك)[رواه الترمذي(2516)، وقال: \”حديث حسن صحيح\”، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح(5302)].
ومن صفات المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات أنهم يحفظون حدود الله جميعا، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب(35)].
وفي أوائل سورة المؤمنين يعدد سبحانه صفات أهل الفلاح من المؤمنين فيقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون(5)(6)]، وبين أن تعدى ما أحل الله فهو معتد، فقال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون(7)].

وإليك هذه الشاهد من حياة النساء الصالحات الواثقات بالله؛ فهذه هاجر -عليها السلام- لما كانت حافظة لله في حال الرخاء حفظها الله، وحفظ ولدها في حال الشدة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: \”أول ما اتخذ النساء المنطق من قبلُ أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: أالله الذي أمرك بهذا؟، قال: \”نعم\” قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ}[إبراهيم(37)] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال يتلبط-يتمرغ-، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذلك سعي الناس بينهما) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث-غواث: (بالفتح) كالغياث (بالكسر) من الإغاثة وهى الإعانة-، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه، أو قال بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم) أو قال: (لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا) قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: \”لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله\” [الحديث رواه البخاري(2364)].

فتأمل في هذه القصة العظيمة كيف أن الله -تبارك وتعالى- حفظ هاجر -عليها السلام- وولدها إسماعيل، وأكرمها بكرامات عدة، منها:
أولاً: أن الله لم يضيعها، بل حفظها وولدها، وأكرمها بنبع ماء زمزم، فقد كانت السبب في خروجه، فقد أرسل الله ملكا ليضرب برجله في الأرض، فخرج ماء زمزم، قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم: (لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا).
ثانيا: أن الله – تبارك وتعالى- جعل تعبها وسعيها في طلب الماء، وبحثها عنه؛ ركنا من أركان الحج التي لا يتم إلا بها، قال صلى الله عليه وسلم: (فذلك سعي الناس بينهما)، كل هذه الكرامات -وغيرها- بسبب أيمانها بربها، ووثوقها به، وقوة اعتمادها عليه، وصدق توكلها عليه.
كن واثقا بأن الله رازقك وكافيك، فقد خلق الله الخلق جميعا لعبادته، وتكفل لهم بالزرق، فقال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات(56)(57)(58)]، وقال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[هود(6)].
وتأكيدا على ذلك أقسم الله -تبارك وتعالى- بنفسه المقدسة بأنه قد تكفل بالرزق لعباده، فقال: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}[الذاريات (22) (23)].
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: \”يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فوربّ السماء والأرض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحقّ، كما حقّ أنكم تنطقون\”[جامع البيان في تأويل القرآن (22/422)].
وقد روي عن الأصمعي أنه قال: أقبلت من جامع البصرة، فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال: اتل علي، فتلوت: {وَالذَّارِيَاتِ}[الذاريات(1)]، فلما بلغت قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ}[الذاريات(22)] قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر، فسلم علي واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}[الذاريات(23)]، فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين، قائلا ثلاثا، وخرجت معها نفسه\”[أضواء البيان(7/441) للشنقيطي].
وإذا كان العبد موقنا بأن الله رازقه، وبذل الأسباب الجالبة لذلك؛ رزقه الله، وأعطاه طلبه؛ جاء في الحديث عن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)[رواه ابن ماجه(4164)].
وفي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله)[رواه ابن حبان في صحيحه(3238)، وابن أبي عاصم في السنة(264)، وقال الألباني: \”صحيح لغيره\” كما في صحيح الترغيب والترهيب(1703)]، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو فر أحدكم من رزقه أدركه كما يدركه الموت)[رواه الطبراني في الأوسط(4444) والصغير(611) بإسناد حسن، وقال الألباني: \”حسن لغيره\” كما في صحيح الترغيب والترهيب(1704)].

فإذا وثق العبد بالله، وأيقن أنه رازقه وكافيه زهد في هذه الدنيا، وعاش فيها راضيا مطمئنا، قيل لحاتم الأصم: \”على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: على أربع خلال: \”علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فلست اهتم له، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة، فأنا أبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال، فأنا مستحيي منه\”[شعب الإيمان(2/456)].

كن وثقا بثواب الله، وأنه تبارك وتعالى سيثيبك ثوابا جزيلا على أعمالك الصالحة؛ التي فعلتها ابتغاء وجه الله، مقتفيا فيها لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خرج ثلاثة نفر يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة، قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان، قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون-أي ترتفع أصواتهم وتختلط- عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال ففرج عنهم وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين، وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء، فقال يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم)[رواه البخاري(2215) ومسلم(2743) وهذا لفظ البخاري]، ففي هذه القصة العظيمة يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه هؤلاء الثلاثة فعلوا هذه الأعمال الجليلة ابتغاء وجه الله، وتوسلوا إلى الله بها؛ ففرج الله عنهم، وكشف عنهم محنتهم.
وفي الحديث الآخر عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وفيه… قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك)[رواه البخاري(1296)].

بل من كرمه وفضله سيثيبك على نيتك الصادقة الحسنة؛ قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة120)]، وفي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم) قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال: (وهم بالمدينة حبسهم العذر)[رواه البخاري(4423) ومسلم(1911) وهذا لفظ البخاري] فأي عمل صالح تنوي فعله بنية صادقة، ثم يمنعك عن فعله عذر؛ يكتب الله لك أجر ذلك كاملا؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه -عز وجل- قال: (قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة)[رواه البخاري(6491)].
وإذا اعتاد العبد على فعل طاعة ما ثم منعه عن فعلها عذر من مرض أو سفر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما؛ فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)[رواه البخاري(2996)].

كن واثقا بأن الله ناصر دينه، وعباده المؤمنين؛ فقد وعد بذلك، فقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر(51)]، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ}[الصافات(171)(172)، فإذا كنت مؤمنا بالله، واثقا بوعده؛ فلا تهن ولا تحزن، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران (139)]، قال الألوسي -رحمه الله- : \”فلا تهنوا ولا تحزنوا -أيها المؤمنون- فإن الإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله – تعالى -، وعدم المبالاة بأعدائه\”[محاسن التأويل(2/416)].
فكن واثقا بالله، واثقا بحفظه لك إذا كنت حافظا لحدوده، واثقا بأنه كافيك ورازقك، ومثيبك على أعمالك الصالحة، وأنه ناصر دينه، وأوليائه، وفقنا الله وإياك إلى كل خير، وصرف عنا وعنك كل سوء ومكروه، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على خير البريات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

أهمية الثقة بالله
فإن المسلم يحتاج كثيراً في هذا الزمان إلى الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله يا عباد الله، الثقة بالله والتوكل على الله، فلماذا يثق المؤمن بربه ويتوكل عليه؟

لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ولأن الأمر كله لله: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِسورة آل عمران154،إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُسورة يس82،لأنه تعالى يورث الأرض من يشاء من عباده،كما قال: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِالأعراف:128، لأن الأمور عنده سبحانه كما قال عز وجل: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُالبقرة:210وليس إلى غيره، لأنه شديد المحال، فهو عزيز لا يُغلب، كما قال تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِالرعد:13، لأنه سبحانه وتعالى له جنود السموات والأرض قال عز وجل: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِالفتح:7، جمع القوة والعزة: وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًاالأحزاب:25، وقهر العباد فأذلهم فهم لا يخرجون عن أمره ومشيئته: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُالزمر:4،إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُالذاريات:58فهو ذو القوة وهو المتين سبحانه وتعالى، وهو عز وجل يقبض ويبسط، وهو يُؤتي مُلكه من يشاء:وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرآل عمران:189، وهو سبحانه وتعالى الذي يضُر وينفع: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَالأنعام:17.

ولذلك لما قام أعداء الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأجمعوا مكرهم وأمرهم، فإن الله عز وجل أذهب ذلك فقال:وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَالأنفال :31،وقال: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِالنحل:26، فإذن المكر بمن مكر بالله فالله يمكر به، وهو يخادع عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْالنساء:142، وهو الذي يرد بأس المشركين؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما واجه الأعداء في القتال: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُالبقرة :253فهو الذي يقدّر الاقتتال وعدم الاقتتال، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَسورة المائدة52والله عز و جل قد أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه القادر على إمضاء القتال أو وقفه:كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُالمائدة:64؛ ولذلك فإنه عليه الصلاة والسلام لا يخاف إلا الله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِالزمر:36.

نماذج من الثقة بالله
والله عز وجل سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويقدر ما يشاء، ولذلك كانت الثقة به والتوكل عليه واجباً، فترى موسى عليه السلام لما جاء فرعون وجنوده وأجمعوا كيدهم وبغيهم وظلمهم وعدوانهم، فأسقط في يد ضعفاء النفوس وقال بعض من مع موسى عليه السلام: إِنَّا لَمُدْرَكُونَسورة الشعراء61لا محالة هالكون، لا فائدة، لا نجاة، محاط بنا، ستقع الكارثة، سيدركنا فرعون، سيأخذنا، سيقتلنا، سننتهي، قال موسى الواثق بربه:كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِالشعراء:62، الثقة بالله عز وجل:(يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد)إنه الله عز وجل، وهي التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية: (إني رسول الله ولن يضيعني)، وهي التي قالها الصحابة: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْسورة آل عمران173، فما الذي حصل؟ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِسورة آل عمران173-174، ولذلك قال تعالى بعدها: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُيعني: يخوفكم بأوليائه ومناصريه، فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة آل عمران175.

لقد لفت علماء الإسلام ومنهم ابن القيم رحمه الله إلى قضية خطيرة يقع فيها كثير من المسلمين وهي سوء الظن بالرب عز وجل، يظنون أن الله لا ينصر شريعته ولا ينصر دينه، وأن الله كتب الهزيمة على المسلمين أبد الدهر، وأنه لا قيام لهم، إذن فلماذا أنزل الله الكتاب؟ لماذا أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لماذا شرع الدين؟ لماذا جعل الإسلام مهيمناً على كل الأديان؟ لماذا نسخت كل الأديان السابقة بالإسلام إذا كان الإسلام لن ينتصر؛ ولذلك قال عز وجل: مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِوليس في الآخرة فقط، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍيعني: بحبل، إِلَى السَّمَاءإلى سقف بيته، ثُمَّ لِيَقْطَعْ يعني: يختنق به يقتل نفسه، فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُسورة الحـج15قال العلماء في تفسير هذه الآية: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فليمدد بحبل يخنق به نفسه، يتوصل إلى هذا الحبل الذي يشنق به نفسه إن كان ذلك غائظه؛ لأن الله ناصر نبيه لا محالة.

قال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ *يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِسورة غافر51-52، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَسورة الصافات171-173، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْسورة المجادلة5، وفي الآية الأخرى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ *كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِيسورة المجادلة20-21فإذن إذا تحققت شروط النصر فلا بد أن ينصر الله الذين حققوا الشروط، وإذا هزموا فإنما يهزمون لتخلف تحقق الشروط، وهذه الأمة تتربى بأقدار الله التي يجريها عليها.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا من سيرته كيف ينصر ربه فينصره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْسورة محمد7، إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَسورة آل عمران160، والله عز وجل فعال لما يريد، والله سبحانه وتعالى كتب المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ ولذلك فإن كل ما يقع ويحدث مكتوب عنده سبحانه وتعالى: وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَسورة البقرة216.

وقد يظن المسلمون بشيء شراً فإذا هو خير، لقصر النظر وعدم معرفة الغيب: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِسورة آل عمران179، وقال تعالى: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْسورة النور11، وقال سبحانه وتعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَسورة البقرة216، وهذه القاعدة العظيمة التي جرت عبر التاريخ: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْسورة الرعد11؛ ولذلك فإنه لا بد من الثقة بالله، ولا بد من اعتقاد أن القوة جميعاً لله سبحانه وتعالى، ولا يجري في الكون إلا ما يريد، ولا يجري شيء ولا يقع إلا لحكم يريدها سبحانه، ولا يدري الإنسان ماذا يترتب على الأمور

لا بد من اعتقاد أن القوة جميعاً لله سبحانه وتعالى، ولا يجري في الكون إلا ما يريد، ولا يجري شيء ولا يقع إلا لحكم يريدها سبحانه، ولا يدري الإنسان ماذا يترتب على الأمور

؛ ولذلك فلا بد أن يوقن المسلمون بربهم، لا بد أن يكونوا على صلة بربهم، معتمدين عليه متوكلين، يطلبون منه القوة والمدد؛ لأنه سبحانه وتعالى مالك القوة جميعاً، وهو الذي يمنح أسبابها من يشاء عز وجل.

إن المسلمين في زمن الضعف يجب عليهم أن يستحضروا دائماً الثقة بالله، والتوكل عليه، واستمداد القوة منه، والركون إليه، وأنه عز وجل ينصر من نصره، فإذا التجأ العبد إليه فقد أوى إلى ركن شديد.

اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام والمسلمين، وأن تعلي كلمة الدين، ونسألك سبحانك وتعالى أن تجعل رجزك وعذابك على القوم الكافرين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله القوي الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه
عباد الله:

لقد كان من ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه أنه كان دائماً يعتقد بنصرة الله له، وأنه لن يخذله ولن يتخلى عنه سبحانه وتعالى، وكان بعض الصحابة يصابون بإحباط ويأس من كثرة رؤيتهم لقوة الكفار، وقلة عدد المسلمين، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر أصحابه في أحلك المواقف بأن المستقبل للإسلام؛ ولذلك لما جاء خباب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو له الشدة التي أصابته وأصابت أصحابه المسلمين في مكة، لقد حرق ظهره، لقد كوته مولاته الكافرة بأسياخ الحديد المحماة فلم يطفئها إلا ودك شحم ظهره لما سال عليها، وهو يقول: ألا تدعوا لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:(والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت – في ذلك الطريق الخطر المخوف- لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، أوردها في أحلك الظروف في مكة.

ولما ذهب هو وصاحبه في طريق الهجرة أدركهما سراقة بن مالك على فرس، إنهما مطاردان، إنهما في حال حرجة جداً، ويدركهما سراقة، ولكن تسيخ قدما أو يدا الفرس إلى الركبتين، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الموقف الحرج والظرف الحالك لسراقة: (كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟)ما قالها بعد انتصار بدر مثلاً، أو بعد فتح مكة، وإنما قالها وهو مطارد وسراقة وراءه في الظرف الحرج والكفار يتربصون، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَسورة الأنفال30يطلبون دم محمد صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الجائزة العظيمة، ثم يقول:(كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟) شيء بعيد جداً عن الذهن، شيء بعيد للغاية، لا يمكن أن يفكر فيه سراقة أبداً في تلك اللحظة، يقول: (كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟).

لما حاصر الأحزاب المدينة واجتمعوا عليها وتألبوا، جمعوا كيدهم بعشرة آلاف، المسلمون أقل عدداً وعُدداً، وفي ذلك الخوف، والليل المظلم، والريح الباردة الشديدة، يعملون بأيديهم، الجوع والظروف القاسية جداً، هذا الخوف المدلهم، ينزل ليكسر الصخرة ويقول بعد الضربة الأولى: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ضربة أخرى:أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، الضربة الثالثة:أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة)متى قالها؟ في أحلك الظروف وأسوئها، وقد بلغت القلوب الحناجر، ويظنون بالله الظنوناً، ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، سيأخذهم الكفار يعبرون الخندق سيحصرون سيموتون من الجوع تحت الحصار، ولكن يرد الله الذين كفروا بغيظهم بريح لم تتوقع وبملائكة تنزل.

أيها الإخوة:

إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبرنا في الأحاديث الصحيحة أن المستقبل للإسلام؛ يجب أن نؤمن بذلك، ولا يجوز إطلاقاً أن نشك فيه:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَسورة التوبة33ولو كره الكفار، لا بد، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَسورة التوبة33، وقال لأصحابه عليه الصلاة والسلام:(إن الله زوى لي الأرض) جمعها وضمها، فنظر إليها عليه الصلاة والسلام – نظرة حقيقية بعينه الحقيقية- (فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، فسيبلغ إذن ملك هذه الأمة الليل والنهار.

وقال عليه الصلاة والسلام: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر) لا بيت حجر في البلد ولا بيت وبر وشعر في البادية، (إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر)، وهذا أمر لم يتحقق بعد، فلا بد أن يتحقق، كما جاء في الحديث الصحيح الآخر: أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب -أي: نكتب حديثه- إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية -روما-؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مدينة هرقل تفتح أولاً)يعني: القسطنطينية، رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح، فروما لم تفتح بعد، فلا بد أن تفتح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك، وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً).

فإذن هذه الأحاديث لا بد أن تتحقق؛ لأنها خبر من الغيب من الله سبحانه وتعالى، ولا بد أن يعتقد المسلمون بأن المستقبل للإسلام قطعاً، كيف وقد أفلس الغرب والشرق من القيم والمفاهيم، كيف وقد صاروا في أمر مريج، ما هو الدين المرشح للانتشار والظهور وأن يكون هو الذي يقتنع به البشر ويأتون إليه؟ هو أسرع دين في العالم انتشاراً الآن في وقت ضعف المسلمين هو أسرع الأديان انتشاراً، فكيف بغيره من الأوقات؟

التعلق بالله وقت الفتن
ولكن يا عباد الله يجب على المسلمين أن يكونوا دائماً وخصوصاً في وقت الفتن متعلقين بربهم، وأن يعرفوا أن الله يميز الأمور، يميز الناس، وأنه سبحانه وتعالى يجري من الأقدار ما يجعلهم ينقسمون في النهاية إلى قسمين

يجب على المسلمين أن يكونوا دائماً وخصوصاً في وقت الفتن متعلقين بربهم، وأن يعرفوا أن الله يميز الأمور، يميز الناس، وأنه سبحانه وتعالى يجري من الأقدار ما يجعلهم ينقسمون في النهاية إلى قسمين

، كما قال عليه الصلاة والسلام لما ذكر الفتن وأكثر من ذكرها، ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: (هي هرب وحرب) يعني: يفر بعضهم من بعض لما بينهم من العداوة والمحاربة، وكذلك نهب يأتي يأخذ مال الآخر ويتركه بلا شيء، قال: (ثم فتنة السراء) والمراد بالسراء النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء، وأضيفت إلى السراء لأنها سبب في وقوعها، فتحدث الفتنة بسبب السراء، والسبب في وقوعها كثرة التنعم، فهذه هي السراء.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) أي: أنه هذا الرجل ليس بأهل في مظهره أن يجتمع عليه الناس وإنما هو مثل الضلع على الورك، فهو غير خليق أن يكون للناس رأساً ومع ذلك يجتمعون عليه.

قال: (ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة) وهذه فتنة عظيمة وطامة عمياء ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم الدهيماء تدهم، فهي داهية لا تدع أحداً إلا لطمته لطمة، فأصيب بمحنة أو ببلية بسبب فتنة الدهيماء.

قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا قيل انقضت) أي: انتهت المشاكل، (تمادت فيصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين)تسلسل زمني وخبر غيبي من النبي عليه الصلاة والسلام، فتنة لا تترك أحداً إلا مسته، كلما قال الناس انتهت تمادت، ماذا يحدث من جرائها؟ تبديل سريع في المواقف، تبديل سريع في العقائد، تغير فظيع جداً، انقلابات سريعة جداً في عقائد الناس، (يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً)في الصباح مؤمن وفي المساء كافر والعكس، حتى في النهاية يحدث التمايز، وهذا ما يريده الله: لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ سورة الأنفال37، لا بد من تمايز.

فقال: (حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده)إذا حصل التمايز وانقسموا إلى المعسكرين فانتظروا الدجال من يومه أو من غده.

عباد الله:

إن هذه الأحاديث وهذه النصوص الشرعية يجب أن يكون لها في القلب موقع، يجب الاعتقاد بها، لماذا أخبرنا بها؟ لنستعد لنأخذ الأهبة، نستعد يا عباد الله بالعمل والإيمان.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة وفي الآخرة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم على الإيمان والدين ثابتين، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم نسألك النصر للإسلام وأهله يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، انصر المجاهدين في سبيلك، إنك على كل شيء قدير، اللهم أذل اليهود والصليبيين، واقمعهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعل فتح المسلمين قريباً ونصرهم عزيزاً، اللهم أخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، وأخرجهم من بيت المقدس أذلة صاغرين، واكتب لنا النصر العاجل عليهم يا رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أيها الأخوة الأكارم ؛ مع الدرس الخامس والعشرين من مدارج السالكين ، منزلة اليوم منزلة الثِقة .
النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل يقول :
حديث علي : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته , فقال :

((المعرفة رأس مالي, والعقل أصل ديني, والحب أساسي, والشوق مركبي, وذكر الله أنيسي, والثقة كنزي, والحزن رفيقي, والعلم سلاحي, والصبر ردائي, والرضا غنيمتي, والعجز فخري, والزهد حرفتي, واليقين قوّتي, والصدق شفيعي, والطاعة حبي, والجهاد خلقي, وقرة عيني في الصلاة))

الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن هوَ ثِقَتُكَ باللهِ عزّ وجل، الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن بتقرير النبي عليه الصلاة والسلام, أن تكونَ واثقاً بالله، وقد وردَ في بعض الأحاديث:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ, وَلَكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ, وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا, أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ))

أنا أُتابعُ كلمة الثِقة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((الثِقةُ كنزي))

أي الثِقةُ بالله عزّ وجل.
وإذا أردتَ أن تكونَ أغنى الناس فكُن بِما في يدي الله أوثقُ منكَ بما في يديك.
والحقيقة: الثِقةُ باللهِ عزّ وجل ثمرةٌ من ثِمارِ الإيمان, أو ثمرةٌ من ثِمارِ المعرفة, إذا عرفتهُ وثقتَ به .
فأُمُ موسى عليه السلام ماذا قال الله لها؟ قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾

[سورة القصص الآية: 7]

كلام غريب!! إذا خِفتِ عليه فألقيه في اليم: ائتني بامرأة من مليون امرأة, تضعُ ابنها في صندوق, وتُلقيه في النهر، لماذا ألقت أُمُ موسى وليدها الحبيب في النهر؟ لِثِقتها بأنَّ الله عزّ وجل سيحفظهُ.
لذلك:

﴿فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليمِ ولا تخافي ولا تحزني﴾

وأنا في طريقي إلى المسجد, خطرَ على بالي هذا المثل: لو أنكَ في طائرة, وهي تُحلّق على ارتفاع أربعين ألف قدم, وجاء إنسان وفتحَ لكَ بابها, وقالَ: انزل وتأكد أنَ في الأرضِ مُسطحاً مرناً, يمتصُ هذه الصدمة, وسوفَ تنزِلُ سالِماً, أتُلقي بنفسك؟ في حالة واحدة: إذا كُنتَ واثِقاً من هذا القول إلى درجة خيالية تُلقي بنفسك، لكن لن تُلقي بنفسِكَ من باب الطائرة إلا إذا كُنتَ واثقاَ من النجاة .
هؤلاء المظليون, كيف يُفتحُ لهم باب الطائرة ويُلقونَ بأنفسهم؟ لا بدَ من أنَ هذه المظلة مدروسة دراسة علمية؛ مساحتها, وطريقة فتحها, ومقاومة الهواء, ووزنُ المظلي, هذا كلهُ مدروس بدقة, فلذلك بِلا وجل ولا خوف يُفتحُ بابُ الطائرة, ويُلقي هذا المظلي بنفسهِ في الهواء، تُفتحُ المِظلة, وينزل رويداً رويداً، موضوع الثِقة .
يعني أنت مثلاً: متى ترفض دخلاً كبيراً فيهِ شُبُهة؟ لِثِقَتِكَ بأنكَ إذا تركتهُ لله عوّضكَ الله خيراً منه، متى ترفضُ عملاً لا يُرضي الله؟ لِثِقَتِكَ أنكَ إذا فعلتَ ذلكَ غَضِب الله عليك, وإذا غَضِبً الله عليك خَسِرتَ كُلَّ شيء، متى ترفضُ أن تُعينَ ظالماً؟ لِثِقَتِكَ أنكَ إذا أعنتهُ كُنتَ أولَ ضحاياه.
قال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم.
وفي الخبر: عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((من أعان ظالماً سلطه الله عليه))

القرآن الكريم حينما تقرؤه, والسُنّةُ المطهّرةُ حينما تقرؤها, إذا كُنتَ واثِقاً أنَّ هذا كلام خالِقُ الكون, وأنَّ زوالَ الكون أهونُ من ألا يتحققَ وعدهُ أو وعيدهُ، وأنَّ زوالَ الكون أهونُ من ألا يتحققَ وعد النبي ووعيدهُ، عندئذٍ تَثِقُ بأنَّ هذا القرآن كلامهُ, وأنهُ واقعٌ لا محالة, لذلك تخشاهُ.
لا أُبالغ: يُمكن أن يُجمعَ الإيمانُ كُلهُ في كلمة واحدة, أنكَ واثقٌ مما جاء في القرآن الكريم، تضعُ الدنيا تحتَ قدميك، تضعُ كّلَّ مباهج الدنيا تحتَ قدميك, إذا حَمَلتكَ على معصية الله أو إذا حَجَبتكَ عن الله، ولو سألتَ مؤمناً: لماذا أنتَ تُطيع الله عزّ وجل؟ لو سألت مؤمناً صادقاً: ما الذي يحمِلكَ على طاعتهِ؟ يقول لكَ: لأنني مُتصلٌ بهِ, وأخشى على هذه الصِلة أن تنقطع, وهذا أقوى جواب، لماذا تغضُ بصركَ عن محارم الله؟ لأنكَ موصول بالله بهذه الطاعة, فإذا أطلقتَ بصركَ في محارم الله حُجِبتَ عن الله, وما دام الله أغلى ما تملك, أغلى شيء في حياتك, لذلك حريصٌ أنتَ على أن تكونَ متصلاً بهِ, هذا سِرُ الطاعة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام ما كانَ مُبالِغاً حينما قال:

((الثقة كنزي))

وما كان مُبالِغاً حينما قال:
((عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ, وَلَكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ, وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا, أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ))

فلذلك: يمكنُ أن يُضغطَ الإيمانُ كلهُ، والمعرفةُ كُلها، واليقينُ كُلهُ في كلمةٍ واحدة: هو أنكَ واثِقٌ بالله، واثِقٌ من أنَّ اللهَ لا يُضيّعُ عبدهُ المؤمن.
زوال الكون أهون على اللهِ من أن يُضيّعَ مؤمناً أطاعه.
سبحانكَ إنهُ لا يَذِلُ من واليت ولا يَعُزُ من عاديت.
سيدنا رسول الله كانَ مع أصحابهِ, وكانوا فقراء، ضعفاء، مقهورين، محتاجين, وكانت ثقتهم بربهم لا حدود لها.
لمّا التقى بهِ عُديِ بن حاتم, قالَ له: لعلكَ يا عُديُ بن حاتم, إنما يمنعكَ من دخولٍ في هذا الدين, ما ترى من حاجتهم, وايمُ الله! ليوشِكنَّ المالُ أن يفيضَ فيهم, حتى لا يوجد من يأخذهُ. واثق.
أنا إن رأيتُ شاباً مستقيماً, ضابطاً لجوارحه، ضابطاً لمشاعره، يصلي آناء الليل وأطرافَ النهار، يغضُ بصرهُ عن محارم الله، يتحرّى الحلال، مستعدٌ أن يُضحي بكلِّ شيء من أجلِ مرضاة الله عزّ وجل, أقول لهُ وأنا واثِقٌ مما أقول لهُ, كثقتي بأنَّ هذه شمسٌ في رابعةِ النهار: الله سبحانهُ وتعالى سيوفِقُك، وسيرفعُك، وسيُعِزُّك، وسيُعطيك, وسيُقرُّ عينَك, أبداً, الإيمان كلهُ أن تكونَ واثقاً بالله.
هناك أسئلة تَرِدُ كثيراً: يا أخي إذا ما فعلت هذا أسرق؟ إن لم أضع المال في المكان الفلاني -مكان الشُبُهة والحرمة وكذا- ينسرق المال؟ هذه ثِقَتُكَ بالله؟ لأنكَ أطعتهُ ضيّعَ اللهُ مالك، إن لم أُعلّم ابنتي في الجامعة وفي المراحل العُليا تُطلق, فإذا طُلِقت لا بُدَ لها من عمل, فكرَ بطلاقِها قبلَ أن يُزوِجُها، تفكيرهُ في الطلاق قبلَ الزواج، هذه ثِقَتُكَ بالله؟ إذا ربيّتَ ابنتكَ تربيةً صالحةً طيبةً على طاعة الله, ظَنُكَ أنَّ الله سيأتيها بزوج, وأولُ ما يفعلهُ معها أنهُ يُطلقُها هكذا, هذه ثِقَتُكَ بالله عزّ وجل؟.
الموضوع واسع جداً، كُلُ المعاصي التي يقترفُها الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله، كُلُ اليأسِ الذي يُصابُ بهِ الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله، كُلُ القنوط حينما يطيعُ مخلوقاً ويعصي خالِقاً ضعيفُ الثِقةِ بوعدِ الله, رأى أنَّ إرضاء هذا المخلوق أثمنُ من رِضاءِ الله عزّ وجل، وأنَّ سخطَ هذا المخلوق أعظمُ عِندهُ من سخطِ الله، ليسَ واثِقاً بكلام الله، ولا واثِقاً بِما عِندَ الله من نعيمٍ مُقيم، ولا ما عِندَ الله من عذابٍ أليم. فلذلك: إذا ضغطنا الإيمانَ كُلَهُ, والمعرفةَ كُلَها, واليقينَ كُلَهُ بكلمة واحدة: إنها الثِقة، ولم يُبالغ النبي الكريم حينما قال: والثِقةُ كنزي.
مراتب الثقة :
العلماء قالوا :
التفويضُ لله ، والتسليمُ لقضاء الله ، والتوكل .
مرتبة التفويض ومرتبة التسليم ومرتبة التوكل أساسُ هذه المراتِبِ كُلِها :
الثِقة

مرتبة التفويض :

أنتَ لا تُفوِض إلا من تَثِقُ بهِ ، الواحد مِنّا من يُسطّر لآخر وكالة عامّة ، عامة , يعني بإمكانِ هذا الوكيل أن يبيعَ أملاكِكَ كُلِها ، بإمكانهِ أن يُطلِّقَ مِنكَ امرأتك .
أنتَ لمن تُعطي وكالة عامة ؟
لمن تَثِقُ بهِ .
أساس التعامُل هو الثِقة . فهل في الكونِ كُلِهِ جِهةٌ أجدرُ بثِقَتِكَ من اللهِ عزّ وجل ؟

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾

[سورة النساء الآية: 87]

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾

[سورة التوبة الآية: 111]

حتى إنَ بعضَ العلماء حينما قال :
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[سورة الفيل الآية: 1]

والله أنا ما رأيت ، أحضر لي واحداً رأى هذا الحادث .
لِمَ لم يقل الرب : ألم تسمع ؟
معقولة , سمعنا , قرأناها في التاريخ .
أما ألم تر ؟
من رأى مِنّا ما فعلهُ أبرهةُ بالكعبة ، العلماء قالوا : لأنَ إخبارَ اللهِ يقينٌ كيقين المُشاهدة ، إخبار الله عزّ وجل يقينٌ كيقين المُشاهدة ، لذلك وردَ قولهُ تعالى :

﴿ألم تر كيفَ فعلَ ربُكَ بأصحاب الفيل﴾

ثِقة .
(( ما ترك عبد لله أمراً لا يتركه إلا لله , إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه ))

إذا كُنتَ واثِقاً من قول النبي, تُضحي بِكُلِ شيء, ولا تُضحي بطاعة الله عز وجل, وعِندَئذٍ يأتيكَ كُلُ شيء, ضحّ بِكُلِ شيء إرضاءً للهِ عزّ وجل, يأتيكَ كُلُ شيء.
هل في الأرضِ كُلِها إنسان , يرى في المنام أنهُ يذبحُ ابنهُ , يقول له في اليوم التالي : يا بني إني أرى أني أذبَحُكَ , فانظر ماذا ترى ؟ قالَ : يا أبت افعل ما تؤمر.
لا يوجد بالأرض كُلها إنسان واحد , عِندهُ استعداد لِمنامٍ رآهُ في الليل, أن يذبحَ ابنهُ حبيب قلبِهِ، مُهجة فؤادِهِ، أن يضعَ السكينَ على رقبتهِ, مستحيل, لكن لماذا فعلَ هذا النبي العظيم؟ لأنهُ واثقٌ من رحمة الله، واثِقٌ من أنَّ أمرَ اللهِ فيه حِكمةٌ بالِغة، وأنَ أمرَ الله لا بدَ من أن يُنفّذ، لكن لمّا انطلقَ لتنفيذهِ, كانَ الفِداءُ الذي تعرفونهُ جميعاً.
موضوع الثِقة ممكن , وأنت راكب مركبة , تتطلع على ساعة السُرعة على مؤشر السُرعة ، فهذا المؤشر حركتهُ تتناسب مع السُرعة تماماً ، يعني إذا كان 20- 20، 40 – 40 ، 100 – 100 .
ويجب أن أقول لكَ مرةً ثانية : إنَّ مؤشِرَ الثِقة يتناسب مع إيمانك ، إيمانك 5 % فالثِقة 5 % ، إيمان 50 – 50 الثِقة ، الإيمان 80 – 80 .
كُلما ارتفعَ مستوى الإيمان , ارتفعَ معهُ مؤشر الثِقة , إلى أن تؤمر بشيء , غير معقول , لكنكَ واثِقٌ من أنَّ الله عزّ وجل لن يُضيعك .
أكثر التُجار يتعاملون وفق أعراف وأساليب، يأتي تاجر مؤمن يُخالف هذه الأعراف, هذه شُبُهة لا أفعلُها, يُقال له: أنتَ مجنون، ضيّعتَ عليكَ رِبحاً وفيراً، جمدّتَ هذا المال سنوات طويلة, دون أن تأخذ رِبحاً أو فائدةً, هكذا العاقل؟ هو واثِقٌ أنهُ إذا أطاع الله عزّ وجل لن يُضيعهُ الله أبداً, لن يُضيعهُ أبداً, لذلك أحياناً تتعارض القوانين الأرضية التي تعارفَ الناسُ عليها مع الأوامر الإلهية, هُنا يظهر المؤمن, الناسٌ جميعاً يدعونكَ إلى أن تفعلَ كذا وكذا, هكذا التِجارة, هكذا البيع والشراء, هكذا إخفاء العيب, هكذا ينبغي أن تفعل، والنبي عليه الصلاة والسلام يُعطيكَ أمراً آخر، فإذا كُنتَ واثِقاً من أنَ هذا النبي العظيم لا ينطق عن الهوى, وكلامهُ وحيٌ يوحى, وأنَّ هذا الوحيَ من عِندِ الله, وأنَّ الله هو الصانع, وهذه تعليمات الصانع، تفعل ما يأمرك به نبيك.
إذا عندك آلة معقّدة وغالية, بِربك تُلقيها أمام أي إنسان ليُصلحها لكَ؟ والله قبلَ أن تُعطيها إياه, تسألُ عنهُ, وعن خِبرتهِ, وعن أعمالهِ السابقة, وعن صِدقهِ, وعن أمانتهِ, وعن ذكائه قبلَ أن تُعطيهُ جهازاً, أخي قد يسرق منهُ, لن تُعطيهُ هذه الساعة إلا إذا وثقتَ من عِلمهِ وأمانتهِ، لن تُعطيهُ مبلغاً من المال ليستثمرهُ لك, إلا إذا كُنتَ واثِقاً من أمانتهِ ومن خِبرتهِ في وقتٍ واحد .
الثِقةُ أساس .
فلذلك أنتَ لن تُفَوِضَ للهِ عزّ وجل إلا إذا وثقتَ من حِكمته ورحمته .
اللهم خِر لي واختر لي , هذا تفويض .
اللهم اجعل محبتكَ أحبَّ الأشياء إلي , ورضّني بقضائِك , حتى لا أُحِبَ تعجيلَ ما أخّرت ولا تأخير ما عجلّت .
واثق أنت لكلِ شيء أوان , فإذا تعجلّتَ الشيء قبلَ أوانهِ عوقِبتَ بحرمانهِ , فثِقتُكَ بالله عزّ وجل هي إيمانُك ، مؤشر الثِقة يتناسب طرداً مع مؤشر الإيمان ، كُلما زادَ الإيمان زادت الثِقة ، فأنتَ إذا واجهتَ مُشكِلةً تُفوّض : يا ربي أنا راضٍ ، أنا فوضتُكَ فيما تُريد , افعل بي ما تُريد ، أنا واثِقٌ من رحمتك يا ربي ، واثِقٌ من حِكمتك ، واثِقٌ من تدبيرك ، من عدالتك ، من عِلمِك ، بما ينطوي عليه قلبي من نوايا , تقدمت في الامتحان لم تنجح , بعد ما فوضت لم تنجح , أنتَ الآن أمام حالة أُخرى ما هي ؟
التسليم ، التفويض قبلَ النتائج , والتسليم بعدَ النتائج ، فلا بُدَ من أن تفوض ، ولا بُدَ من أن تُسلّم ، لا بُدَ من أن تُفوض قبلَ النتائج , ولا بُدَ من أن تُسلّم بعد النتائج ، والتفويض والتسليم أساسهُ الثِقة ، والتفويضُ والتسليمُ مع الثِقةِ , هذه كُلُها هيَ التوكل ، والتوكل :
﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾

[سورة النساء الآية: 81]

لذلك: ياربي إذا كُنتَ معي فمن عليّ, وإذا كُنتَ عليَّ فمن معي؟.
يا أبا بكر! ما ظُنُكَ باثنين الله ثالِثُهما؟:

﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾

[سورة التوبة الآية: 40]

يقول عليه الصلاة والسلام :
((إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله تعالى، وأن تحمدهم على رزق الله تعالى، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله, إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وإن الله بحكمته وجلاله: جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط))

يعني كل الأحزان إذا شككتَ برحمة الله، بعدالتهِ، بحِكمتهِ، برحمتهِ, بعطائهِ، بقدرتهِ، بعلمهِ, ما دام هُناك شك, في أحزان لا تنتهي، وفي سُخط, دائماً ساخط، من صفات الكافر أنهُ يتسخّط كُلَ شيء, كُل شيء لا يُعجِبهُ, كُل شيء ينتقدهُ, لا يرى يدَ الله عزّ وجل تفعلُ ما تُريد، لا يرى حِكمة الله عزّ وجل، لكن الرِضا حال قلبي ليسَ عملاً إرادياً.
فالعلماء قالوا: من لم يقدر على الرِضا ظَفِرَ باليقين، لم يرض لكنه موقن أنَّ هذا العمل نتائجهُ لصالِحه، وإن لم يظفر باليقين فعليه بالصبر, إمّا أن ترضى، وإما أن توقن، وإما أن تصبر، إن ظَفِرتَ بالرِضا فهذه مرتبةٌ جيدة, وإن لم تظفر بها فعليكَ باليقين بأنَّ النتائج لِصالِحك لقول الله عزّ وجل:
﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية: 128]

وإن لم تظفر باليقين فعليكَ بالصبر:
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 127]

مرتبة التسليم :

الآن التسليم لله عزّ وجل , قال : هُناكَ تسليمان :
تسليمٌ لأمرِهِ التكليفي ، وتسليمٌ لأمرهِ التكويني .

1-تسليم لأمره التكليفي :

يعني طلّقتها المرة الأولى والثانية والثالثة , بانت مِنكَ بينونةً كُبرى ، فلا تَحِلُ لكَ حتى تَنكِحَ زوجاً غيرك , يا أخي أريد أن أُعيدها , معناها أنت لم تُسلّم أنَّ هذا التشريع من عِندِ خالِق الكون، أول مرة مُمكن لكَ أن تُعيدها, والمرة الثانية مُمكن, أما الثالثة غير معقول، معناها أنتَ لا تُريدُها, فلابُدَ من أن تُجرّب غيرك, فإذا أزعجت غيركَ, فالعِلةُ مِنها عندئذٍ تُطلق, فإذا انزعجت من غيركَ ما لعلة منها وإن رضيت بهِ فالعِلةُ مِنك, هكذا التشريع.
يا أخي, الصيام ثلاثين يوم بالصيف, هذه الطاقة العاملة تضعف، الإنسان يهبط مستوى نشاطهُ بالعمل, لماذا الصيام؟ أنتَ لا تعرفُ الله أبداً، ما دام هُناك اعتراض على أمره التشريعي، الحج: لماذا الطواف؟ لماذا السعي؟ لماذا الوقوف بعرفة؟ لماذا البلاد حارة لهذه الدرجة؟ يا أخي يجعلها كالبلاد المعتدلة؟ ما عرفتَ حِكمة الله عزّ وجل، كُلما اعترضتَ على أمرٍ تكليفي من عِبادةٍ أو معاملة أو خُلُقٍ فأنتَ لا تعرِفُ الله عزّ وجل، فعلامة المؤمن أن يُسلّم لأمر الله التكليفي.
لذلك: ربنا عزّ وجل قال:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 65]

تحكيمُ النبي عليه الصلاة والسلام هو تحكيمُ الشرع, وبعدَ موت النبي عليه الصلاة والسلام كيفَ تحكيمهُ؟ أن تعودَ إلى سُنّتهِ، إذا عُدتَ إلى رأيهِ في حياتهِ فرأيُهُ سُنّة، وإذا عُدتَ إلى سُنتهُ بعدَ مماتهِ فقد حكّمتهُ :

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾

الإنسان حينما يرضى بالتحكيم فقد وثقَ بالمُحكّم، إذا قالَ لكَ فلان: لا, أنا لا أقبله إن لم يكن واثِقاً بالمُحكّم, لا يقبل أن تقبلَ بالتحكيم, أن يُحكّمَ النبي عليه الصلاة والسلام, هذه مرتبة.
المرتبة الثانية :
﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ﴾

يعني معقول أنهُ لا يحكم لي؟ غير معقول, لا أرضى إذا لم يحكم لي مثلاً, أنتَ قَبِلت لكن مع القبول قلق، كيفما حكم فأنتَ راضٍ:
﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ﴾

وبعدَ أن يحكُم:
﴿ويُسلّموا تسليماً﴾

يوجد صحابي جليل احترق, لأنهُ لمّا النبي الكريم نهى عن قتل عمهُ العباس, قالَ في نفسهِ: يأمُرنا ألا نقتلَ عمهُ ونحنُ نقتلُ آباءنا وأخواننا, -فسّرَ التوجيه تفسيراً آخر, تفسيراً عصبياً, عمهُ لا نقتلهُ, أمّا نحن آباؤنا يقتلون لا بأس, هوَ عمهُ, كان قد أسلمَ من قبل غزوة بدر, والنبي الكريم إذا قال: إن عمي قد أسلم, فَقَدَ مهمتهُ الخطيرة في مكة, كان يُقدّمُ للنبي أخباراً دقيقةً عن ما تُجمِعُ عليه قريش، فلو أعلنَ أنَّ عمهُ قد أسلم انتهى دورهُ، ولو لم يأمر أصحابهُ ألا يقتلوه يقتلونه في الحال، ولو لم يشترك عمهُ في الحرب, لَشُكَ في ولائهِ لقُريش، إذا لم يشترك بالحرب عمه مُشكلة, وإذا قال النبي: أنَّ عمي أسلم مُشكلة، وإذا قال: اقتلوه مشكلة، أليسَ لكَ ثِقة بالنبي؛ أنهُ حكيم وليسَ مُتعصبّاً لا لأهلِهِ ولا لأعمامهِ؟.
هذا الصحابي قال-: أيأمُرنا ألا نقتلَ عمهُ ونحنُ نقتلُ آباءنا وأخواننا, فسّرها تفسيراً آخر قال: بقيت عشر سنوات وأنا أتصدق وأُصلي لعلَ اللهَ يغفِرُ لي.
هذا الظن السيء :
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

يجب أن تستسلم لأمر الله التشريعي، أمركَ بأوامر كثيرة وعليك الطاعة, نحن نقرأ القرآن: قُم واسجد، لم يعجبهُ، نحنُ نقرأ الآن جالسين, هكذا النبي فعل، كُلما مرّت آية فيها سجدة سجدَ للهِ عزّ وجل, ما دام في اعتراض وعدم قبول لأمر الله عزّ وجل التكليفي التشريعي, فهُناك خلل في الإيمان.
2-تسليم لأمره التكويني :

قال النوع الثاني : التسليمُ لأمر الله التكويني, يعني هذا الإنسان لم يأته أولاد, جاءتهُ زوجة سيئة جداً، هكذا شاء القدر, دخلهُ قليلٌ جداً، لهُ ابن فيهِ عاهةٌ منذُ الولادة، هكذا الله يُريد , ألستَ واثِقاً من حِكمته، من رحمته، من عِلمه، من عدالته؟ قال: هذا هو الرِضاءِ بالقضاءِ والقدر.
في نقطة مهمة جداً في القضاء والقدر: قضاء ليسَ لكَ أن ترفضهُ، وقضاء يجبُ أن ترفضهُ, كيف؟ .
ما كُلُ قضاءٍ وقدر يُستسلمُ لهُ، الابن ساخن, حرارته أربعون, قضاء وقدر, ألا تُعالجهُ؟ ليس قضاءً وقدراً، في قضاء يجبُ أن تستسلمَ لهُ, وفي قضاء ثانٍ يجبُ ألا تستسلمَ لهُ, يجبُ أن تبذِلَ جهدكَ في معالجته, ابنك ضعيف في الدراسة, اعتن بهِ، درّسهُ، اجعل لهُ برنامجاً مُكثّفاً.
لي أقرباء عندهم ابن, أربع سنوات أعاد الثانوية العامة, والدتهُ مصممة أن يكونَ طبيباً، أربع سنوات شهادة ثانوية, وسبع سنوات بالجامعة, وصار طبيباً, هذا نتيجة التصميم, هكذا تستسلم مباشرةً, ابني لا يصلح للعلم، ليس بوسعهِ الدراسة, تريث قليلاً, في قضاء يجب أن تستسلم لهُ، وفي قضاء يجب أن تُعالِجهُ.
لذلك قالوا: في قضاء وفي مقضيّ، القضاء من الله مباشرةً, أمّا المقضي عن طريق إنسان, أيام شخص يتجاوز حدوده, أتستسلم لهُ؟ أتُطمِّعهُ؟ لكن إذا وقفت في وجهه, ونيتُكَ أن توقِفهُ عِندَ حدهِ, وأن تردعهُ عن مثلِ هذا العمل, هذا عمل طيب, فما كُل قضاء يُستسلمُ لهُ.
بل إنَّ علماء العقيدة فرقّوا بينَ القضاء والمقضيّ، إنسان تجاوز الحد، هو حينما فعلَ هذا بأمر الله, لكن أنتَ عليكَ أن ترفضَ هذا العمل، أن تؤدبهُ، أن توقِفهُ عِندَ حدهِ، هُنا الفرق بين الفقيه وغير الفقيه, اتركهُ, هكذا يُريد, هكذا الله يُريد، لا, هذا موقف ضعيف.
إنسان مثلاً تجاوز حدهُ بالسرعة, فدهسَ طفلاً, أخي هكذا الله يُريد, لا, هذا يُعاقب الإنسان، يُعاقب ويدفع الدية جزاء تقصيره وجزاء تهوره وطيشه, أخي هذا قضاء وقدر ليسَ لهُ علاقة, هو حينما فعلَ هذا بقضاء الله وقدرهِ، لكن هذا لا يعني أن يُعفى من المسؤولية, وإلا أصبحنا في فوضى.
فلذلك: هُناكَ أحكامٌ يؤمرُ الإنسانُ أن يستسلمَ لها، وأحكام لا بدَ من أن تُعالِجها كما أنَّ الله عزّ وجل أمرَ بذلك.
في نقطة مهمة جداً :
أن الله عزّ وجل وجودهُ بيّن ظاهر, لا يحتاج إلى دليل، بالفِطرة تؤمن بوجودهُ، وكُلُ الكون يدلُّ عليه، أنتَ محتاجٌ لا إلى دليلٍ على وجود الله, ولكنكَ محتاجٌ إلى دليلٍ يوصِلُكَ إلى الله، يعني الله موجود, وأنت آمنت بوجودهُ، أمّا الدليل: كيفَ تَصِلُ إليه؟ كيفَ تبتغي مرضاتهِ؟ كيفَ تتصلُ بهِ؟ كيفَ تنعمُ بقُربِهِ؟ أنتَ بحاجة إلى دليل موصِل إلى الله لا إلى دليل يُثبت لكَ وجودهُ, إبليس قالَ له: ربي فبعزتِكَ, الشيطان الرجيم مؤمن بوجود الله, ومؤمن بعِزتِهِ.
فكل إنسان ظن نفسهُ أنهُ مؤمن بالله عزّ وجل, يعني مؤمن بوجودهُ, يعني أنا مؤمن, لا ليسَ هذا القصد، القصدُ: لا أن تؤمنَ بوجودهِ فحسب, بل أن تتجهَ إليه، بل أن تتصلَ بهِ، بل أن تَصلَ إليه.
كلمة فُلان وصلَ إلى الله, واللهِ لا أستطيع أن أُعبّرَ عنها, يعني إذا وصلَ إلى الله رآهُ في كُلِ شيء، فرآهُ فوقَ كُلِ شيء، رآهُ معَ كُلِ شيء، ما رأى في الأرض جهةً متصرفة إلا الله عزّ وجل, هذه الرؤيا, وإذا رأيتَ هذه الرؤيا, استقمتَ على أمرهِ, وعكفتَ على مرضاتهِ، وأقبلتَ عليه, وسَعِدتَ بِقُربهِ، فرقٌ كبير بينَ أن تؤمن بوجودهُ وبينَ أن تسعى إليه.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية: 110]

المشكلة: ليست أن تؤمن أو أن لا تؤمن بوجوده, هذه قضية مفروغ منها, لأنَّ ربنا ماذا قال؟ قال:

﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾

[سورة إبراهيم الآية: 10]

دعاكَ إلى عبادته، دعاكَ إلى طاعته، دعاكَ إلى شُكره، أمّا أنه دعاكَ إلى أن تؤمن بوجودهُ, هذه قضية مفروغ منها.

خطر ببالي مثل: شخص أمامك, وزنهُ 120 كيلو, طويل, ويلبس ثياباً جميلة، ومتعطّر, أخي أنتَ موجود, وقّع لي هُنا، هوَ أكبر من توقيعهُ، يعني وجودهُ أهم من توقيعهُ، توقيعهُ إذا غاب عنكَ.
قالَ: يا إمام متى كانَ الله؟ فقالَ لهُ: ومتى لم يكن؟ .
المشكلة ليست أن تؤمن بوجودهُ, المشكلة كيفَ تصل إليه؟ كيفَ تأنسُ بهِ؟ كيفَ تُقبِلُ عليه؟ كيفَ تتصلُ بهِ؟ كيفَ تسعدُ بِقُربِهِ؟ هُنا المشكلة:

﴿قل إنما أنا بشرٌ مثلُكم يوحى إليّ أنما إلهكم إلهٌ واحد فمن كانَ يرجو لقاءَ ربهِ فليعمل عملاً صالحاً﴾

نحن في الحقيقة: كُل جهدنا، وكُل عملنا، وكُل مسعانا، وكل التدريس، والتوجيه، والبيان، والتحليل, والأدلة: كيفَ نَصِلُ إليه, وليسَ كيفَ نوقن بوجودهُ؟ هذه قضية مفروغ منها , الطالب مثلاً: يقينهُ بالفحص ثابت, أمّا المُشكلة كيفَ ينجح في هذا الفحص؟ محتار يا أخي, الفحص لا بدّ منهُ, فحص الشهادة الثانوية لا بدَ منهُ، لا أعتقد في المئة ألف طالب يُقدمون شهادة ثانوية كُل سنة, في طالب واحد يشُك أن الامتحان وقع, الشك في نجاحهُ أو عدم نجاحهُ ، أمّا الامتحان قائم, فهذه نقطة مهمة جداً.
أهلُ الكلام المتشدقون يأتونَ بِكُلِ شيء على وجود الله، أمّا أهلُ القُرب يبحثونَ عن دليل يُوصِلُ إلى الله, فرقٌ بينَ من يُقيم لكَ الدليل على وجودهُ, ومن يُقيم لكَ الدليل على الوصول إليه.
الحقيقة: هذا الدرس من مستوى غير دروس ترسيخ الإيمان، هذه الدروس أساسُها كيفَ نصل؟ كيفَ يكون القلب سليماً؟ كيفَ نُقبل؟ كيفَ نستسلم؟ كيفَ نفوّض؟ كيفَ نتوكل؟ كيفَ نثق؟ فنحنُ لا في مقولة نؤمن أو لا نؤمن، نحنُ في مقولةِ نصل, وكيفَ نصل؟ ومتى نصل؟ وإذا وصلنا ماذا نفعل بعدَ الوصول؟.
رجل دعاكَ إلى دارهِ, قُلتَ للرسول: لا آتي معكَ إلا إذا جئتَ بدليل على وجود من أرسلكَ, ودليل على أنهُ مُطاعٌ في أهلهِ, ودليل على أنهُ أهل لاستقبال الضيوف, يقول لكَ: لا تأت, في شخص وجودهُ فوق الشُبُهات، وكرمهُ فوق الشُبُهات، ودعاك فما عليكَ إلا أن تُلبّي الدعوة.
قال: المُتكلّم, المُتفلسف, يبحثُ في المكانِ والزمانِ, والجواهر والأعراض والأكوان، مهمتهُ مقصورةٌ عليها, لا يعدوها ليصلَ منها إلى المُكوّن وعبوديتهِ, أمّا السالِكُ إلى الله, في شخص آمن بوجود الله، في شخص سالك إلى الله.
لذلك العُلماء ثلاثة كما قال بعضُ العارفين :
عالِم بالشريعة .
أخي هذه حُكمها كذا، وهذه حُكمها كذا، وهذه مُباح، وهذه واجب، وهذه فرض، وهذه سُنّة … إلى آخرهِ. هذا عالِم بالشريعة، وفي عالِم أرقى ؛ عالِم بالطريقة ، عالِم الشريعة : إذا دخلَ الوقت توضأ , والوضوء لهُ فرائض , ولهُ سُنن , ولهُ مستحبات , ولهُ آداب , دخل الوقت ، استقبل القبلة ، طهّر بدنك ، طهّر ثوبك ، طهّر المكان ، كبّر تكبيرة الإحرام ، اقرأ دعاء الثناء ، الفاتحة , هذا عالِم الشريعة .
عالم بالطريقة .
عالِم الطريقة أرقى , يُعطيكَ أحكام الصلاة , ويقول لكَ : غُضَّ بصركَ عن محارم الله ، تقصّى أن يكونَ دخلُكَ حلالاً، لا تنقطع عن اللهِ بينَ الصلاتين، امضِ الوقتَ بالدعاء, فإذا أذّنَ الظُهر, رأيتَ نفسكَ أهلاً للصلاة, إذا كبّرتَ للإحرام, شعرتَ أن نفسكَ قد سرت إلى الله عزّ وجل, هذا عالِم الطريقة .
يعني يُبيّن لكَ الطريقة التي تقعُ فيها العِبادةُ على نحوٍ يُرضي الله، عالِم الشريعة يقول لكَ: الصيام: تركُ الطعام والشراب وسائر المُفطرات, من طلوع الفجر الصادق إلى غياب الشمس بنيّة, هذا تعريف الصيام, لكن عالِم الطريقة يقول لكَ: لا بدَ من قيام الليل، لا بدَ من الأذكار، لا بدَ من تلاوة القرآن، لا بدَ من الصدقات في رمضان، لا بدَ من الاعتكاف حتى يؤتي الصيام ثِمارهُ.
عالم بالحقيقة .
أمّا عالِم الحقيقة فوقَ عالِم الطريقة، عالِم الحقيقة: هو الذي يُسلِكُكَ إلى الله، وجودهُ مفروغ منهُ، وطاعتهُ بديهية، آمنتَ بوجودهِ, وبأسمائهِ, وبوحدانيتهِ, وبكمالهِ، وعرفتَ منهجهُ، وطبقّتَ منهجهُ، بقي عليك أن تسلُكَ إليه.
مثلاً: أنتَ شاهدت طبيباً, قال لكَ: هذا أستاذ في الجامعة, صباح الخير, لو سلّمتَ عليه مليون مرة, لا تعرف سِوى أنهُ طبيب في الجامعة أستاذ، أمّا لو جلستَ في إحدى محاضراتهِ, أول محاضرة وثاني محاضرة, فرق كبير بينَ من يُسلّمُ عليه من موظفين إداريين في الكليّة, وبينَ من يحضُر محاضراتهِ اليومية، هذا يُسلّمُ عليه ومعرفتهُ بهِ ثابتة لا تزيد، أمّا هذا الذي يحضر محاضراتهُ, كُلما ألقى محاضرةً جديدة كَبُرَ في نظرهِ, يا أخي هذا من فلتات الزمان, هذا عالِم كبير, هذا حُجّة, هذا لهُ سُمعة على مستوى العالم, هذا أحد ثلاثة في العالم, أمّا إذا لم تحضر ولا مُحاضرة لهُ, وكُلما شاهدتهُ سلّمتَ عليه بلفظ طبيب وأستاذ وصباح الخير وكيف الحال؟ لكن معرفتك بهِ ثابتة.
فالقضية لا أن تؤمن بوجود الله فقط, أن تَصِلَ إليه، أن تُنمّي معرِفتكَ بهِ، أن تزدادَ قُرباً منهُ، أن تذوقَ حلاوة قُربهِ، أن تسعى إلى بلوغِ مرضاتهِ, فالعالِمُ الذي يُسلِكُكَ إلى الله عزّ وجل هو عالِمُ الحقيقة، والذي يُعطيكَ القواعد كي تؤدي العبادات كما أراد الله هو عالِمُ الطريقة، والذي يعرِفُ أحكامَ الشريعة بدِقةٍ بالغة هو عالِمُ الشريعة, ولا يكونُ عالِم الطريقةِ عالِماً بالطريقةِ إلا إذا كانَ عالِماً بالشريعة، ولا يكونُ عالِم الحقيقةِ عالِماً بالحقيقةِ إلا إذا كانَ عالِماً بالطريقةِ وعالِماً بالشريعة.
الآن
الشريعة : الهيكل الإسمنتي للدين .
الطريقة : الكسوة .
الحقيقة : الأساس .
فأنتَ لو فرضنا : أطلعكَ على خرائط لبناء بناية , يقول لكَ : انظر حساب الإسمنت وتكعيب الإسمنت ، انظر حساب الحديد ، انظر للطابق الأرض ، ما هذه الخرائط ؟ شيء جميل , لكن أنتَ لا تملكُ بيتاً , يا ترى أيُهما أرقى ؛ أن تُقدّم لكَ خرائط بناء فخم أمّ يُقدم لكَ منزل فخم تسكُنهُ وقد بُنيَ على أُسس علمية ؟.
فلذلك : هُناك عالِم يُلقي درسهُ ، وهُناكَ مُربٍ ، العالِم ألقى الدرس وانتهى الأمر, الذي عرف والذي لم يعرف سواء، أمّا المُربي يتتبع تلاميذهُ, يحاول أن يُفهّم, مدى يقينهُ، مدى استقامتهُ، مدى فهمهُ، مدى استيعابهُ، المتابعة هيَ تربية وإلقاء الدرس تعليم.
الخلاصة . الموضوع الأخير قال :
التسليم الذي أساسهُ الثِقة بالله عزّ وجل هو : أن تتخلص من كُلِ شُبُهةٍ تُعارض الخبرَ الإلهي .
يعني الله أخبر أنَّ آدم أبو البشر, يا أخي والله شيء يُحير, علمونا أنَّ داروين يقول: إنَّ الإنسان أصلهُ قِرد, وقال: في مستحاثات, وفي حلقة مفقودة, فالله أخبرَ بوجود آدم, لا يوجد قرد, أنتَ تقول في قرد مثلاً, والله شيء يُحير, فمعناها: ما في تسليم لله عزّ وجل لم تُسلّم، أنتَ قرأت أنَّ الأرض كوكب في مراحل متأخرة جداً ابترد وصار أرضاً, أما ربنا قال:
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾

[سورة فُصلّت الآية: 11]

الأرض مخلوقة قبل السماء, هكذا ربنا عزّ وجل قال، إذا في عِندكَ شُبُهات تعترض بها على إخبار الله عزّ وجل, فالله عزّ وجل قال كلمة واحدة, قال:

﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾

[سورة الكهف الآية: 51]

إذا أحدنا لهُ ابن عمرهُ عشر سنوات, وكان قد اشترى محلاً تجارياً قبل ثلاثين سنة, جالس في مجلس, يقول: أنا والله المحل الفلاني أخذتهُ من فُلان, يقول الابن: بابا من فلان أخذتهُ, أنتَ كُنت وقتها، أنتَ عندما أخذتهُ أنا أين كُنت؟ فالذي يعترض الكون, كان أصلهُ كذا, يقول الله :

﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ ﴾

ما كانوا معي:
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ﴾

لم تكونوا أنتم وقتها، تتفلسفون على ماذا تتفلسفون؟ ليس أصل الإنسان قرداً، فلما يكون في عندك شُبُهات, هذه الشُبُهات تعترض بها على إخبار الله عزّ وجل, فهذا من عدم التسليم، وعدمُ التسليم من عدمِ الثِقة .
أو في عندك شهوة مُصرّ عليها, هذه الشهوة تُعارض بها أمراً إلهياً، قال لكَ الله: غُض بصركَ, يا أخي هذا الزمان صعب، أين نذهب بأعيننا؟ يُمثلّ لكَ تمثيلاً, أنكَ تمشي هكذا, تجد واحدة أمامك، على اليمين واحدة، على اليسار واحدة، إلى فوق, تجد في النافذة جالسة واحدة, أين أذهب بعيني؟ يعني مستحيل، يعني الله كلفكَ بشيء فوق طاقتكَ؟ الله قال:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية: 286]

فعدم الاستسلام سببهُ: إمّا شُبُهة تُعارِضُ إخبار الله عزّ وجل، وإمّا شهوة تُعارِضٌ أمره، وأنتَ بينَ شهوةٍ وشُبُهة، الشُبُهة تمنعُكَ من أن تستسلم, وعدم الاستسلام أساسهُ عدم الثِقة, والشهوة تمنعُكَ من أن تستسلم.
وعدم الاستسلام أساسهُ عدم الثِقة ، أو إرادة تُعارض الإخلاص , يعني : إلهي أنتَ مقصودي ورِضاكَ مطلوبي.
هوَ يُريد أن يعرف الناس, أنه قد حج حجي, واحد دخلَ للجامع, نوى على الحج, ومعهُ مبلغ من المال, يبحث عن شخص أمين, يُعطيه إياه كأمانة, فدخل للمسجد, وتفرّس بالناس, وجد واحداً في خشوع بصلاتهِ زائد, يُغمض عينيه, فقال: هذا بُغيتي, فلما جاء لِعِندهِ قال لهُ: أنا أريد أن أذهب للحج, ومعي مبلغ من المال, وأُريد أن أضعهُ عِندكَ أمانة, فقالَ لهُ: أنا أيضاً صائم سيدي, فقالَ له: لكن صيامكَ لم يُعجبن, فتجد شخصاً أحياناً ليسَ عِندهُ إخلاص لله عزّ وجل, يجعل الدين تجارة، يجعل الدين شيئاً رخيصاً، يبتغي بالدين عَرَضَ الدنيا, فالله عزّ وجل أمرهُ بالإخلاص, وهوَ يُريد الدنيا من خلال الدين, هذا إذاً لا يستسلم.

القلب السليم .
وفي إنسان, الله عزّ وجل يقول مثلاً:

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة هود الآية: 119]

يقول لكَ: لا, الله خلقنا لُيعذبنا، يا أخي, لا راحة في الدنيا، يعني الله كلامهُ غير صحيح, أنتَ لكَ رأي غير ما يقولهُ الله عزّ وجل، فإذا نجوتَ من شُبُهةٍ تُعارِضُ إخبارَ الله, أو من شهوةٍ تُعارِضُ أمرَ الله, أو من إرادةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ لله, أو من تفسيرٍ أو فلسفةٍ تُعارضُ ما جاءَ في كتاب الله, إذا نجوتَ من كُلِّ ذلك, فأنتَ ذو قلبٍ سليم, واسمع قولهُ تعالى:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[سورة الشعراء الآية: 88-89]

القلبُ السليم: خلا من شُبُهةٍ, وخلا من شهوةٍ, وخلا من إرادةٍ خِلاف الإخلاص لله, وخلا من عقيدةٍ, أو تفسيرٍ, أو رأيٍ خِلاف ما وردَ في كتاب الله, إذ نجوت من كُلِ أُؤلئك, فأنتَ ذو قلبٍ سليم, وأنتَ الناجي بفضل الله عزّ وجل.

العلماء قالوا: إنَّ التسليم يكادُ يرقى بالإنسان إلى مرتبة الصديقيّة، ومرتبةُ الصديقيّة أعلى مرتبةٍ بعدَ النبوة، النبوة, الصديقيّة:

﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 75]

سيدنا أبو بكر الصدّيق، أعلى مرتبة في الإيمان مرتبةُ الصديّقية, فإذا استسلمت إلى الله عزّ وجل، فوضت واستسلمت ووثقت، لا في شُبُهة, ولا في شهوة, ولا في إرادة غير مُخلِصة, ولا في تفسير خِلاف ما جاء في القرآن، نجا قلبُكَ من هذه الأمور الخمسة, فأنتَ في مرتبة التسليم, والتسليمُ أساسهُ الثِقة, والثِقةُ أساسُها معرفة الله, ومعرفةُ الله هيَ كُلُ شيء, ورضي الله عن سيدنا عليٍّ حينما قال: أصلُ الدينِ معرِفتهُ.
يعني: بينَ الذي يعرف والذي لا يعرف بونٌ شاسع.
مرة كنت حاضراً في مكان, توفي صاحب البيت, فذهبنا إلى مواساة أهله, دخلَ أخوه وسبَّ الدين, لماذا مات أخي؟ هذا لو كان يحضر مجالس عِلم, لو كان يعرف الله عزّ وجل، فيعرف الأجل، يعرف ما عِندَ الله بعدَ الموت, جاهل جهلاً فاضحاً وقذراً, جهلاً بشعاً, قال: لماذا مات أخي؟
واحد توفيت زوجتهُ, عمرها 60 سنة, ولها أُخت عمرها 90سنة, فقال: لو ماتت تلك, هذا جهل.
فلذلك: الإنسان كُلما نما عقلهُ ونما إيمانهُ, قلَّ كلامهُ، لَزِمَ الصمت, وسبّحَ الله وحَمِدَ اللهَ على كُلِ شيء.

 

الله هو اسم علم مفرد لا جمع له في اللغة العربية يدل على “المعبود” “الخالق” في الديانات التوحيدية الربوبية (والنظم العقائدية الأخرى). غالباً ما يوصف “الله” على أنه الخالق الكلي القدرة والمتحكم والمشرف على الكون، وهو ذو غيب منيع لا يدرك. وأرجع علماء الدين مجموعة متنوعة من السمات لمفاهيم مختلفة عن الله. الأكثر شيوعاً بينها هي المعرفة (العالِم بكل شيء)، والقدرة (القادر على كل شيء)، وفي بعض الديانات باللا محدودية (حاضر في كل مكان)، وفي ديانات أخرى التنزيه عن المكان، والكمال (الكمال لله)، وأزلية الوجود الأبدية الدائمة اللامنتهية.

كما يوصف الله عند البعض بأنه فرد لا يماثله شيء، ومصدر كل التزام أخلاقي، وأعظم مما يمكن تصوره. وهذه الصفات مدعومة بشكل عام وبدرجات متفاوتة من قبل الفلاسفة وعلماء الدين اليهود والمسيحيين وبعض المسلمين، بما في ذلك موسى بن ميمون[1] وأغسطينوس[1] والغزالي.[2] ويؤمن المسلمون بأن الله هو واجد الوجود أي الخالق وليس بمخلوق، وهو محدِث وليس بحادث، كما ورد في القرآن (ليس كمثله شيء) أي أن الله ليس له ند،[3] وليس هناك من يشابهه ولا يماثله.

وضع فلاسفة بارزون في القرون الوسطى ثم العصور الحديثة العديد من الحجج لوجود الله. ومن ناحية أخرى أقام فلاسفة آخرون حججا تنكر وجوده.

محتويات
1 أصل الكلمة
2 أسماء الله في الديانات الإبراهيمية
2.1 اليهودية
2.2 المندائية
2.3 المسيحية
2.4 الإسلام
3 أسماء الله في الديانات الأخرى
3.1 الزرادشتية
3.2 الإلهية
4 مراجع
أصل الكلمة

كلمة «الله» تعلو محراب مدرسة الناصر محمد بن قلاوون[؟] بالقاهرة
جذر الكلمة إيل في الكنعانية أو الاها ܐܰܠܳܗܳܐ بالسريانية وאֱלָהָא بالآرامية. وذكرت بالتوراة بالجمع “ألوهيم”. وكانت أحد أصنام العرب تسمى “اللات” من نفس الجذر. أما لفظ اسم (الله) العربية فقد استعملها العرب قبل الإسلام. وبالعربية دمجت “ال” التعريف مع كلمة “إله” لتدل على الله الإله الأحد.[4] واستعملها اتباع كل الديانات الإبراهيمية العرب مثل المسلمين واليهود الشرقيين ومسيحيي الكنائس الكاثوليكية الشرقية.[5][6][7] وجاء في مختار الصحاح:[8] “الله وأصله “إلاه” على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود”.

أسماء الله في الديانات الإبراهيمية
اليهودية
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الله في اليهودية
استعمل اليهود كلمة “إيل” للدلالة على الله وما زالت مستعملة في الأسماء مثل “إسماعيل” بمعنى (سمع الله)، وإسرائيل بمعنى (مختار الله). كما شاع استعمال تعبير يهوه للإشارة إلى الله القومي للإسرائيليين. وكلمة يهوه في العبرية (יהוה) تعني “يا هُوَ” ويستعملونها بدلا من الاسم الحقيقي الذي، بالنسبة لمعتقداتهم، لا يعلم به أحد. وقد استعمل في التوراة أسماء أخرى للدلالة على الإله الأوحد مثل: “أدوناي” (أي الرب) وكلمة “ها شـِم” השם (أي الاسم) وإيل عليون (أي الإله الأعلى) وإيل شدَأي (أي الله القدير) ورب الصابؤوت (أي رب الجنود) و”كادوش” (أي القدوس). كما استعملت كلمة أيلوهيم (אלוהים وهي جمع “ايلوه”) وهي من نفس جذر الله.

المندائية
يعتقد المندائيون بإله واحد يسمى “هيي قدمايي” (أي الحي الأزلي) وقد خلق الأكوان والكائنات ومنهم “الملكي” (أي الملائكة) والأثيري وهم كائنات نورانيين ليس لهم مقابل في بقية الديانات. والملكي والاثري كائنات خلقت لعبادة وتبجيل “هيي قدمايي” وتنفيذ أوامره في الخلق وتوزيع المهام من الأرزاق والأعمار والأولاد والخير كله، ولا يأمر بشر أبدا ولا ينتقم ولا يقبض، إنما الشر كله من “الروهة” الشريرة. وهو بذلك قريب الشبه بجوبتير عند الإغريق. [بحاجة لمصدر]

المسيحية
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الله في المسيحية
بحسب قانون الإيمان المسيحي الذي أقره مجمع نيقية، يعرف الله بأنه واحد، وهو كلي القدرة ضابط الكل الذي هو أصل كل شيء، لا بداية له ولا نهاية زمانياً ومكانياً، وهو خالق السماوات والأرض وخالق كل نفس. والله حسب العقيدة المسيحية ظاهر في ثلاثة أقانيم، أو صور، كلها مشتركة في الطبيعة الإلهية الواحدة، موجودة منذ الأزل وإلى الأبد، وتشترك في كل الصفات الإلهية، وهذه الأقانيم تتمثل في “الآب” الذي لم يره أحد قط ولا يستطيع إنسان أن ينظره، و”الكلمة”، وهو الله المتجسد من أجل رسالة الفداء التي يؤمن بها المسيحيون والموجود منذ البدء والذي به خلق كل شيء كما يبدأ نص إنجيل يوحنا، و”روح القدس”، وهو المعزي الذي وعد يسوع أنه سيرسله للمؤمنين به بعد صعوده حسب الإيمان المسيحي، وهو روح الله الذي يسكن في داخل المسيحي المؤمن، مبكتًا إياه على ذنوبه، ومعطيه القوة للتغلب على الطبيعة البشرية المحبة للشهوات الجسدية. يؤمن المسيحيون بالله، لكن نظرتهم له تختلف عن الإسلام إذ يؤمنون أن الله واحد في ثلاثة أقانيم. الثالوث الأقدس هو مصطلح مسيحي يشير للأقانيم الثلاثة: الآب والابن والروح القدس وكلهم عبارة عن ثلاث خواص أساسية (أقانيم) لإله واحد ورب واحد، ويظهر ذلك جلياُ في الكتاب المقدس في سفر التكوين،[9] وأيضًا في إنجيل يوحنا،[10] ورسائل القديسين.[11] ومن صفات الله في المسيحية: محب وحكيم وقدوس وعادل ورحيم ورؤوف والرّب، مع ملاحظة أن الأسماء المستخدمة في الديانة اليهودية لها اعتبار في التقليد المسيحي.

الإسلام

لفظ الجلالة “الله” على نصب تذكاري لشهداء حرب أكتوبر في مدينة دسوق المصرية
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الله (إسلام)
الله في الإسلام هو الإله الواحد الأحد وهو وصف لغوي للذات الإلهية. وله أسماء تسمى أسماء الله الحسنى وهي أكثر من أن تعد أو تحصى، ومنها تسعة وتسعون اسمًا لم يخصص محمد بن عبد الله، وذكرت متفرقة في القرآن عن طريق الوحي فجميع هذه الأسماء ورد في القرآن وإن ذكرت في والسنة النبوية، وإنما وردت على سبيل التأكيد لما ذكرت في الكتاب. ومعنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق سوى الله. ومن أسمائه: الكريم، الحكيم، اللطيف، الخبير، العدل[؟]، الحليم، الرحمن، الرحيم، الرؤوف، الملك، السلام، المهيمن، الودود، وهو غني.

الله: اسم مشتق من أله يأله إلهة, فأصل الاسم الإله فحذفت الهمزة وأدغمت اللام الأولى في الثانية وجوبا فقيل: الله, ومن أقوى الأدلة عليه قوله تعالى: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] مع قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف: 84] ومعناه: ذو الألوهية التي لا تنبغي إلا له, ومعنى أله يأله إلهة عبد يعبد عبادة، فالله المألوه أي المعبود ولهذا الاسم خصائص لا يحصيها إلا الله عز وجل, وقيل إنه هو الاسم الأعظم.

ولفظ “الله” هو عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وهو الإله الحق لجميع المخلوقات ولا معبود بحق إلا هو. ويؤمن المسلمون بأن الله واحد، أحد، فرد، صمد، ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد ولا والد ولا وزير له ولا مشير له، ولا عديد ولا نديد ولا قسيم. وهو الإله الحق وكل ما يُدعى من دونه فهو باطل. فالمسلمون لا يعبدون إلا الله، وتوحيد الله بالعبادة هي جوهر العقيدة في الدين الإسلامي.

فالله هو خالق السماوات والأرض وهو الخالق المحيي والمميت، حي لا يموت، فهو كما أخبر عن نفسه في القرآن: Ra bracket.png قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ Aya-1.png اللَّهُ الصَّمَدُ Aya-2.png لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ Aya-3.png وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ Aya-4.png La bracket.png[12] (سورة الإخلاص).

ولله في الإسلام أسماء حسنى وهي أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد لله وصفات كمال لله ونعوت جلال لله، وأفعال حكمة ورحمة ومصلحة وعدل من الله،[13] يُدعى الله بها، وتقتضي المدح والثناء بنفسها،[14] سمى الله بها نفسه في كتبه أو على لسان أحد من رسله أو استأثر الله بها في علم الغيب عنده،[15], لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد.[16] وهي حسنى يراد منها قصر كمال الحسن في أسماء الله،[17] لا يعلمها كاملةً وافيةً إلا الله.

وهي أصل من أصول التوحيد[؟] في العقيدة الإسلامية لذلك فهي رُوح الإيمان ورَوْحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه وقوي يقينه.[18] والعلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم عند المسلمين، وأجلها على الإطلاق لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله.[19]

وقد ورد في القرآن: Ra bracket.png اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى Aya-8.png La bracket.png[20] (سورة طه، الآية 8) وحث عليها النبي محمد فقال: ” إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة “.[21]

أسماء الله في الديانات الأخرى
الزرادشتية
الزرادشتية أو المجوسية فيعتقدون بعبادة الله وحده لا شريك له ويسمى في ديانتهم أهورامزدا؛ حيث يعتبرونه إله الكون الذي يذكر بالنور، ولا يذكر بالظلام وجالب للحظ والخير والمحبة، وكل الصفات الجيدة، والذي يخالفه دائما الشيطان أهريمن؛ ممثل الشر والظلام، وجالب للفقر والكوارث والآلام، وغيرها من الخصال القبيحة حسب معتقدهم. [بحاجة لمصدر]

الإلهية
أتباع هذه الفلسفة يؤمنون بوجود إله لكنهم لا يؤمنون بالأديان ويعتبرونها تقلل قيمة الإله لذا يفضل أن يتوحد البشر تحت عقيدة واحدة هي التوحيد بالإله المتعارف علية باسم الله وأن يرسخوا قيم التسامح والمبادئ الاخلاقية في السلوك اليومي لبني البشر. [بحاجة لمصدر]

مفهوم الله في الأديان
الإسلام البهائية البوذية المسيحية الهندوسية الجاينية اليهودية سيخية الزرداشتية
عنت
الله في الإسلام هو عَلم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وهو اسم الذَّات العليَّة، خالق الأكوان والوجود، وهو الإله الحق لجميع المخلوقات ولا معبود بحق إلا هو. ويؤمن المسلمون بأن الله واحد، أحد، صمد، ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد ولا والد ولا وزير له ولا مشير له، ولا عديد ولا نديد ولا قسيم.

يُلحق المُسلمون بشكلٍ دائم عبارة «عَزَّ وجَلّ» بعد ذِكر اسم الله لِما له من العزة والجلال والعظمة، فله العزة الكاملة والجلال المُطلق والعظَمة الخالية من النقص، ويُلحق المُسلمون كذلك عبارة «سُبحانه وتعالى» بعد ذِكر اسم الله أيضاً لكونه مُنزّه عن العيب والنقص، والأوهام الفاسدة، والظنون الكاذبة، وتنزيهه عن كل سوء،[1] والمُتعالي بنفسه عن الخَلْق فرفع وارتفع.[2] وكذلك تُلحق عبارة «جل جلاله» والتي تعني تجلّت عظمته وكبريائه وملكوته عن كُل شيء.

توحيد الله بالعبادة هو جوهر العقيدة في الدين الإسلامي. ولله أسماء عدّة تُدعى أسماء الله الحسنى، حيث يؤمن المسلمون أن من يُحصي 99 منها يدخل الجنة[3]. روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

محتويات
1 تعريفه وصفاته عند المسلمين
1.1 وصف الله في القرآن ووصف قدراته وأسمائه وبديع صنعه
1.2 مأثورات في صفاته
2 لفظ (الله) في اللغة العربية
3 ترجمة لفظ الجلالة
4 خواص اسم الله
5 الإيمان بالله في الإسلام
5.1 الحب في الله والبغض في الله
5.2 العلماء بالله عند المسلمين
6 مراجع
6.1 مصادر إضافية
7 وصلات خارجية
تعريفه وصفاته عند المسلمين
IslamSymbolAllahComp.PNG
جُزءٌ من سلسلة حول
الله
مفاهيم عامَّة˂
مفاهيم محدّدة˂
في دياناتٍ مُعيَّنة˂
صفات˂
التعابيرالممارسات
˂
مواضيع مرتبطة˂
عنت
يُؤمن المُسلمون بأن الله هو خالق الحياة والكون والمخلوقات وكُل ما هو موجود، ومُدبر جميع الأمور ومُقدر كُل ما يسري ويجري بقدرِه، وله جميع صفات الكمال المُطلق المُنزه عن النقصان فليس كمثله شيء، فلا تُشبّه صفاته بصفات المخلوقات، فهو أول بلا ابتداء ودائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يُريد، لا تبلغه الأوهام ولا تُدركه الأفهام وهو حيٌ قيّوم لا ينام ولا يغفل عن نظره شيء. فهو موجود لا مادي ولا تنطبق عليّه قوانين المادة، ولا يحتاج لزمان ومكان لوجوده، ولا تتغير صفته ولا تنقسم ولا تتجزئ ولا تزيد ولا تنقص.[4] فهو الذي يُنّعم ويُعذّب ويُسعد ويشقي، وكُل المخلوقات تُرد إليه وتقف بيّن يديه وتُحشر له، وهو صاحب الحساب وهو الحكم الفصّل فلا جنةّ َإلا برحمته ولا عذاب إلا بعدله.

يؤمن المسلمون أن الله مستوٍ على عرشه فوق السماوات فلا شيء يعلوه وهو فوق كُل شيء وتحته كُل شيء.[5] فهو الغنيّ بذاته عن جميع المخلوقات، فلم يسبق وجوده وجود، والمخلوقات كُلها بقبضته لا تنفك عن محض علمه وتقديره وتدبيره، يُميت ويُحييّ ويمنع ويعطي، يعلم الغيّب الكبير المُتعال، فيعلم مثاقيل الجبال وعدد حبات الرمال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وما تساقط من ورق الأشجار، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو سبب وجود كُل عدم وسبب عدم كُلِ ما كان موجود، الغنى والفقر، والشفاء والمرض، والنجاة والهلاك، والحياة والممات والبلاء والنِعم كُلها بأمره، فلا نافع ولا ضار سواه، ولا مانع ولا مُعطى إلا هو، له الاسم الأعظم الذي تُكشف به الكُربات وتستنزل به البركات وتُجاب به الدعوات.

كما يؤمن المسلمون بأن الله حيٌ لا يموت، فلم يسبق وجوده عدم ولا يلحق بقاءه فناء، وله وحده البقاء والدوام، فلا أول قبلَه ولا آخر بعده، وهو الظاهر الذي لا شيء فوقه والباطن الذي لا شيء دونه، الباقي في أزل الأزل إلى أبد الأبد، وكل شيء فانٍ ومُنتهٍ ومآله إلى العدم إلا ذاته. تفرّد بالأَحَدِيّة بلا انتهاء، وتسربل بالصمديّة بلا فناء، مُتصف بالجود والكرم قبل وجود الوجود، مُنزه في وحدانيّته عن الآباء والأبناء والجدود والأحفاد، مُقدَّس في ذاته عن الصاحبة والمصحوب والوالد والمولود.

وهو الذات الذي اصطَفَى مِن عبادِهِ ليُتمم رسالة توحيده وعبادته، فهو الوحيد المُستحق للعبادة والذلة والخضوع والانفراد بالكمال والتنزيه عن كًل لَغْطٍ وسوء، فلا شريك له في العبادة والمُلك، فله النفس وإليه المرجع والمآب والمآل والمُنتهى والمُشتكى والتحاكم والتخاصم، فهو الذي لا غنى لشيءٍ عنه، ولا بُد لكل شيءٍ منه، وهو الذي رِزْقُ كُل شيء عليه، ومصير كُل شيءٍ إليه، وملُكيّة كل شيء له، وحُبِ كُل شيءٍ فيه.

يُقر المسلمون بإن لله صفاتاً قد وصفها نفسه ولا تتشابه ولا تُقارن بتلك الصفات الموجودة في الخلائق، ومثال ذلك الرحمة والعدل والعظمة، فهو الرحيم التي تتسع رحمته السماوات والأرض وما بينهما، وهو أرحم بالعباد من الأم بولدها، فيغفر الزلات ويعفو عن الخطيئات ويمحو السيئات ولا يملُ من تكرار التوبة ويغفر ذنوباً كالجبال ولا يُبالي. وهو شديد العقاب لا يظلم ولا يأكل حق مخلوقٍ ولا كائن، فُكل حقوق العباد تُرفع إليه ولا تُرد إلا به، وهو العظيم الذي ليس كعظمته شيء، فلا تُدرك عظمته العقول والأبصار، وهو العدل الذي حرّم الظلم على نفسه وعباده، فلا يُعذب أحداً إلا بذنب ولا ينقص أحدا من حسناته ولا يعطي أحداً من سيئات غيره ولا يكلف نفساً إلا ما تقدر عليه ولا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.

لا يفوت على بصره وسمعه وعِلمه شيء، فيسمع دبيب النمل ويسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخافي كما يعلم الظاهر. ويبصر حركات المخلوقات في البر والبحر وتحت ظلام الليالي السود، لا تدركه الأبصار ولا الأسماع وهو الواحد المعبود. وهو العليم بكل شيء، بما كان وبما يكون وبما لم يكن، يعلم السر وأخفى، لا يشغله شيء عن شيء، ولا صوت عن صوت، ولا خلق عن خلق، السر والعلن عنده سواء. والله جميل الذات، وجميل الصفات، وجميل الأفعال، وجميل الأسماء. وله نورٌ لو رُفع عنه الحجاب لأحرقت سَبَحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولنور وجهه اشرقت الظلمات.

كما يرى المسلمون -باستثناء بعض الطوائف منهم- بأن رؤية الله لا تكون إلا في الجنة، وهي أعظم نعمةٍ ينعم بها الإنسان على الإطلاق، وهو أفضل النعيم وأجلّ التكريم. وثُبت في السنة النبوية بأن الله يضحك ولكن ليس كضحك المخلوق، ويغضب ولكن ليس كغضب المخلوق، ويفرح في توبة المؤمن ولكن ليس كفرح المخلوق، وله من الصفات الفعليّة التي هيّ ليست كصفات البشر والمخلوقات.

وصف الله في القرآن ووصف قدراته وأسمائه وبديع صنعه
ورد ذكر لفظ (الله) في القرآن 2724 مرة منها:

Ra bracket.png قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ Aya-1.png اللَّهُ الصَّمَدُ Aya-2.png لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ Aya-3.png وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ Aya-4.png La bracket.png.[6] (سورة الإخلاص).
Ra bracket.png اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ Aya-255.png La bracket.png[7] (سورة البقرة، الآية 255).
Ra bracket.png اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ Aya-35.png La bracket.png[8] (سورة النور، الآية 35).
Ra bracket.png هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ Aya-22.png هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ Aya-23.png هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ Aya-24.png La bracket.png.[9] (سورة الحشر).
مأثورات في صفاته

لفظ الجلاله الله مكتوبة على جدار الجامع القديم[؟] في أدرنة، تركيا
« هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الملك[؟] القدوس السلام[؟] المؤمن[؟] المهيمن العزيز[؟] الجبار[؟] المتكبر[؟] الذي خلق[؟] السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه حي له الحياة قدير له صفة القدرة مريد له صفة الإرادة كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه يرى من فوق سبع سماوات ويسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في غياهب الظلمات لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض والسماوات ترفع إليه الحاجات وتصعد إليه الكلمات الطيبات وينزل من عنده الأمر بتدبير المخلوقات له القوة كلها والعز كله والجمال كله والعلم كله والكمال كله وهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم موصوف بكل جمال منزه عن كل نقص وعيب لا تضرب له الأمثال ولا يشبه بالمخلوقات فعال لما يريد لوجهه سبحات الجلال وهو الجميل الذي له كل الجمال إحدى يديه للجود والفضل والأخرى للقسط والعدل يقبض سماواته السبع بإحدى يديه والأرضين السبع باليد الأخرى ثم يهزهن ثم يقول أنا الملك[؟] لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قريب مجيد رحيم ودود لطيف خبير » – [10]

“الله” في اللغات الآسيوية المختلفة.
«الحمد لله الأول الآخر[؟]، الباطن[؟] الظاهر[؟]، الذي هو بكل شيء عليم، الأول فليس قبله شيء، الآخر[؟] فليس بعده شيء، الظاهر[؟] فليس فوقه شيء، الباطن[؟] فليس دونه شيء، الأزلي القديم الذي لم يزل موجودًا بصفات الكمال، ولا يزال دائمًا مستمرًا باقيًا سرمديًا بلا انقضاء ولا انفصال ولا زوال. يعلم دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وعدد الرمال. وهو العلي الكبير[؟] المتعال، العلي العظيم[؟] الذي خلق[؟] كل شيء فقدره تقديرًا.» – [11]
«استواء يليق بجلال الله ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها كما يلزم من سائر الأجسام.» – [12]
«هو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين وقيُّوم السماوات والأرضين الملك[؟] الحق[؟] المبين الموصوف بالكمال كله المنزّه عن كل عيب ونقص وعن كل تمثيل وتشبيه في كماله » – [13]
لفظ (الله) في اللغة العربية
الله: اسم الجلاله كما في الديفيهي.

غالبا ما تورد عبارة “لفظة الجلالة” في الأدبيات العربية عند ذكر كلمة “الله” كلفظة لغوية أو نحوية للتفريق بينها وبين غيرها من الكلمات. ولم يَرد ما يُفيد أن أحدا أطلق هذا الاسم على نفسه سواء قبل الإسلام أو بعده، بالرغم من وجود من ادّعوا الإلوهية إلا أنهم لم يسمّوا أنفسهم بهذا الاسم [14]. جاء في القرآن Ra bracket.png رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا Aya-65.png La bracket.png[15] (سورة مريم، الآية 65).
وهذا من بيان قدرة الله على خلقه حيث لم يصرف قلب أو عقل أحد من مخلوقاته إلى أن يُسمَّي أو يتسمى باسمه العظيم.

الله هو لفظ الجلالة الأعظم . وأهل اللغة يقولون هو من ألِه أي عَبَد. وفي اللغة الإله هو المعبود ، من العبادة. فهي في الأصل مشتقة من كلمة “الإله” أي المعبود فحُذفت الهمزة التي في وسط الكلمة فصار عندنا “الـله” . والذي يرجح ذلك هو استعمالات كلمة “الله”. حيث أن استعمالاتها تدل على أنها من الأعلام غير الممنوعة من الصرف والتي لا تقبل التنوين وهذه من خصائص الأسماء التي تعرف بالألف واللام. فالأسماء إذا لم تكن ممنوعة من الصرف تُنوّن (عليٌ، محمداً) وتُجر بالكسرة (بمحمدٍ)، أما إذا كانت ممنوعة من الصرف فتُجر بالفتحة (عند إلياسَ، مع عيسىَ، لإبراهيمَ). إذا تأملنا كلمة الله فهي تُجر بالكسرة (باللهِ وعند اللهِ). لكنها لا تُنوّن إطلاقا على غرار الأسماء المُعرّفة بالألف واللام، فأنت لا تقول “البيتٌ” إلا إذا حذفت الألف واللام فتقول “بيتٌ” والذي لا يُنوّن وهو غير ممنوع من الصرف لا يقبل إلا أن يكون إسما معرفا بـالألف واللام مثل “البيت”. يمكن استنتاج أن كلمة “الله” معرفة بـالألف واللام جُعلت علما على اسم الإله الحق تسري عليها أحكام الأسماء المعرفة بـالألف واللام ثم أصبحت اللام لازمة لتدل على أن الإله الحق واحد هو الله الذي يستحق اسم المعبود Ra bracket.png قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ Aya-1.png اللَّهُ الصَّمَدُ Aya-2.png لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ Aya-3.png وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ Aya-4.png La bracket.png (سورة الإخلاص).

ترجمة لفظ الجلالة
لم يتوافق مترجمو القرآن على ترجمة لفظ “الله” إلى الإنجليزية، فمنهم مَنْ ترجمه إلى “God” كما في ترجمة قرآن الدراسة لأنهم رأوا أنّ هذه الترجمة جائزة[16] لمن لا يعلم العربية، ولأنّها أقرب إلى أن يفهما الإنجليزي الذي لا يفقه لفظ الجلالة[17]، ومن المترجمين مَنْ اجتنب “God” وكتب “Allah” كما في ترجمة محمد مارمادوك بكتال لأنهم رأوا[18] أنّ لفظ “God” لا يثير في ذهن القارئ الإنجليزي ما يثيره لفظ الجلالة الذي لا يطابق “God” كلَّ المطابقة لعدة أسباب، منها:

لفظ “God” مفرد، يُثنّى و يُجمع إذا إضيف له “S”، ولفظ الجلالة واحد ليس له مثنى ولا جمع، فالله واحد لا شريك له، فيجب اجتناب اللبس.
وهو لفظ له صيغة مؤنث فيقال Goddes ، ولفظ الجلالة ليس له مؤنث.
وهو لفظ يُمزج به ألفاظ أخرى كقولهم “Godmother”.
خواص اسم الله
من خواص اسم الله أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يُضاف إليه فلا يصح أن يُقال من أسماء الجبار الله أو من أسماء الرحيم الله بل يقال من أسماء الله الرحيم العزيز الجبار وهكذا. فاسم الله هو الاسم الأول الأصل وغيره من الأسماء الحُسنى تُضاف إليه وتُنسب إليه.
من خواص اسم الجلالة (الله) التي يتميز بها عن بقية الأسماء في النداء والدعاء، حيث أننا إذا أردنا أن ندعو باسم الرحمن أو الرحيم أو السميع يجب أن نحذف الألف واللام فنقول يارحمن يارحيم ياسميع ولا يصح أبدا في اللغة أن نقول يا الرحمن ويا الرحيم ويا السميع ويٌنكر ذلك قواعد اللغة حيث يجب حذف الألف واللام عند وجود النداء إلا في لفظ الجلالة (الله) فنقول يا الله فتبقى الألف واللام لأنها من أصل الاسم كما ورد سابقاً حيث أن كلمة الله هي عَلَم.
من خواص اسم الجلالة (الله) أنه لا يُذكر منفرداً بل يُذكر في جملة تامّة المعنى. كما أن أعظم جملة ذُكر فيها اسم الله هي ” لا إله إلا الله “.
من خواص اسم الجلالة (الله) تغير القلوب عند سماعها بحسب حال الأشخاص وأحوالهم مع ربهم وخالقهم وبيّن الله هذا في كتابه الكريم حيث قال الله تعالى : Ra bracket.png وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ Aya-45.png La bracket.png[19] (سورة الزمر، الآية 45). وقال الله: Ra bracket.png اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ Aya-23.png La bracket.png[20] (سورة الزمر، الآية 23)
الإيمان بالله في الإسلام

لفظ الجلاله الله منحوت على الحجر في باكستان.
معرفة الله هي أصل الدين وركن التوحيد وأول الواجبات الشرعية في الإسلام فمن لم يؤمن بالله ليس في ملة الإسلام مطلقا.

الحب في الله والبغض في الله
«لا يَحِقُّ العَبدُ حَقَّ صَريحِ الإِيمانِ حَتّى يُحِبَّ ِللهِ تَعالى ويُبغِضَ ِللهِ ، فَإِذا أحَبَّ ِللهِ تَبارَكَ وتَعالى وأبغَضَ ِللهِ تَبارَكَ وتَعالى فَقَدِ استَحَقَّ الوَلاءَ مِنَ اللهِ» – حديث نبوي[21]
العلماء بالله عند المسلمين
عالم بالله ليس عالماً بأمر الله : هو العالم بالله نفسه وبصفات الله وأسماء الله الحسنى ويوصف هذا العلم بـعلم الايمان لأن من يتعلمه يكون أكثر خشية لله فإذا علم العالم أن الله قدير خاف من قدرة الله.
عالم بأمر الله ليس عالماً بالله : هو العالم بالأحكام الشرعية والحلال والحرام والفقه في الدين وقليل المعرفة بأسماء الله وصفاته.
عالم بالله وعالم بأمر الله : هو العالم بالله وأسمائه وصفاته والعالم بأحكام الشريعة والفقه والحلال والحرام.

Leave A Comment