
اهمية العفة يوسف عليه السلام !!!
الشكر لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى ، وبعد ،،،
إن أنبياء الله جميعاً مضرب مثل للعفة والنزاهة ، ولا عجب إستيعاب حملة الرسالة وأمناء الوحي ، اصطفاهم الله واختارهم فظهرت فيهم حكمة الله ” الله أعلم حيث يجعل رسالته ” .
ولأن الأحداث تحتم الخطاب على العفة؛ لأنها في معقل التهمة تلك الأيام، وقد أوضحت عفة موسى _عليه السلام_ سابقاً ، أذكر هذه اللحظة عفة يوسف _عليه السلام_، وهذا بواسطة الآيات التي أوضحت قصته مع امرأة العزيز ، فأقول مستعينا بالله :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” وراودته التي هو في بيتها عن ذاته وغلقت الأبواب وقالت هيت لك أفاد معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ايضا لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الأبرار * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها عند الباب أفادت ما عقوبة من أراد بأهلك سوء لكن يسجن أو عذاب أليم * صرح هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ”
وأيضاً قوله _تعالى_ :
” وتحدث نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن ذاته إنا لنراها في ضلال موضح * فلما سمعت بمكرهن بعثت إليهن وأعتدت لهن متكأ وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما ذلك بشرا إن ذلك سوى ملك كريم * صرحت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن ذاته فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين* أفاد ربي السجن أحب إلي الأمر الذي يدعونني إليه وإلا إجراء عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين *
وأما أشكال عفة يوسف _عليه السلام_، فهي كالتالي :
1- لا بد أن نتصور الإغراءات التي حصلت ليوسف _عليه السلام_ حتى نعرف نطاق العفة التي تحلى بها ، وهو لها أهل :
الإغراء الأول : أن امرأة العزيز هي التي تقوم بالمراودة ، والعادة أن الرجل هو الذي يراود المرأة إلا أن ما وقع ليوسف _عليه السلام_ ضد هذا على الإطلاقً، فالمرأة هي التي تراوده، ولذلك الله نسب التصرف إليها، فقال _تعالى_ : ” وراودته ” (يقصد: هي) .
الإغراء الثاني : أنه كان _عليه السلام_ في بيتها صرح _تعالى_ : ” التي هو في بيتها ” فتعرف بوابات المنزل ومخارجه ، وإغلاقه وإحكامه .
الإغراء الثالث : كثرة مشاهدته لها ورؤيتها له ؛ لأنه في بيتها ولم يكن في حي آخر لا يراها أولاتراه إلى أن ينتهي التوقيت بينهما ، بل كان في بيتها تشاهده باستمرارًً، وذلك الأمر الذي يزيد يوسف بلوى فليس هناك ميدان لأجل أن تنساه أو أن يتخلف عن الحضور عن ناظرها ، فعلى ذلك يوسف يتعرض للبلاء كل يومً، بل في مختلف أحيانه من الدخول إلى وخروج، صرح
_تعالى_ : ” التي هو في بيتها ” .
الإغراء الرابع : أن لها عليه ولاية فهي سيدته ، امرأة سيد عزيز جمهورية مصر العربية ، بإمكانها إقالته أو قطع ماله الذي يأتيه أو طرده ، ومع هذا لم يعط يوسف _عليه السلام_ لنفسه التهاون .
الإغراء الخامس : أنها عازمة على مرادها منه ، حتى أنها هي التي بدأت بالمراودة، وهي التي قامت وأغلقت الأبواب، وهي التي دعته كما أفاد _تعالى_ : ” وغلقت الأبواب وقالت هيت لك ” .
الإغراء السادس : أنها أحكمت إقفال الباب كما صرح الله: ” وغلقت الأبواب ” بالتشديد فكأنها تعطيه الأمان بهذا ، ومن المعتاد أن يردع الفرد الذي يرغب في السقوط بالفاحشة سوى رهاب الدخول عليه وافتضاح كلفه ، فعرفت هذا وضمنتها بشكل فعلي وليس بالقول لاغير .
الإغراء السابع : كلمتها ” هيت لك ” بحد نفسها ملفتة للانتباه !!
الإغراء الثامن : أنها هي التي ركضت خلفه _غفر الله لها_ .
الإغراء التاسع : من شدة رغبتها أنها قدت قميصه أفاد _تعالى_ : ” وقدت قميصه ” ، فدل هذا على أن عرضها المراودة ليس عرضاً عادياً وانتهى بإعراض يوسف _عليه السلام_، بل استكمال ومحاولة حتى بلغ الوضع إلى تمزيق الثوب .
الإغراء العاشر : أنها لم تنفِ خطاب النسوة ، بل ارتفعت الفتنة فتنة ، أنها عرضته على نسوة أخر إضافة للإغراءات الماضية .
الإغراء الحادي عشر : اعترافها بملء لسانها مبالغة على فعلها، فقالت : “أنا راودته عن ذاته ” فاجتمع على يوسف _عليه السلام_ فعلها وقولها .
الإغراء الثاني عشر : أنها لم تيأس منه ، فحتى عقب رفضه الماضي _عليه السلام_ وبعد هروبه منها ما زالت مرتبطة به ، فجمعت النسوة وأرتهن إياه ، واعترفت بمراودتها إياه، ثم أفادت : ” ولئن لم يفعل ما آمره
ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ” فما زالت ذاتها مرتبطة به ، وذلك يزيد الابتلاء فتنة .
الإغراء الثالث عشر : ابتزازها له حتى يواقع الشهوة، فقالت : ” ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ” .
فسبحان من عصم يوسف _عليه السلام_ حتى تحت واقع الوعيد والسجن ، فلم يرخص لنفسه رخصة
المضطر ، ولا إكراه المكره .
الإغراء الرابع عشر : الغربة التي هو فيها ، ولا يوجد شك أن الغريب يمادي ذاته تصرف مالا يفعله المقيم؛ لعدم خوفه من اشتهار وافتضاح طالبه فهو غير معلوم ، ولا يخاف أيضا من الطرد والإبعاد، فالدار أصلاً ليست بداره ، تلك
كلها مقياسات العرف ، فإذا أتى الشرع اختتمت جميع المعايير غيره لمن كان في قلبه مثقال إيمان .
الإغراء الخامس عشر : منصبها الذي يحمي الخطئية لو حدثت فهي امرأة العزيز ، وقد غلقت الأبواب فمن الذي يمكنه أن يتجرأ بفتحها ، وإن فتحها ورأى ما رأى فمن الذي يمكنه أن يخبر بكل مار رأى ، لكنها والله عصمة الله .
الإغراء السادس عشر : جمالها ، وذلك مجرد استنباط؛ لأنها امرأة العزيز ، وما الظن بها غير الحُسن ؟!
الإغراء السابع عشر : عمره الملائم ، فليس صغيراً لا يعلم تلك الموضوعات وليس كبيراً قد تضاؤل ، بل في عنفوان شبابه قد تخطر الشهوة بمجرد الخاطر فكيف إذا حفته إغراءات .
الإغراء الثامن عشر : حتى خطاب النسوة في آخر المطاف هو مدعاة لتهييج الشهوة عندما قلن: ” حاشا لله ما ذلك بشراً إن ذلك سوى ملك كريم ” ، فإن لم يثر الشهوة فهو جالب للعجب بالنفس وهو مرض آخر .
فهذه ثمانية عشر إغراءً حصل ليوسف _عليه السلام_ وهو صامد مجاهد ذاته ، ويتذكر ربه فخاف حق الرهاب ذكرتها حتى يتبين لنا أن صبره عن مواقعة الخطئية كان باختياره لكنه ليس خياراً عادياً ، وحتى تبدو لنا واضحة عفة يوسف _عليه السلام_ .
2 ـ ذروة عفة يوسف _عليه السلام_ تجلت في هـروبه، فلم يكن مجرد رفض، بل هروب من نوع خاص سريع، ولذلك أفاد الله : ” واستبقا الباب ” فكان يهرب هروباً من هذه الدعوة المجرمة ، وفرق والله جذري بين من يهرب للفاحشة وبين من يهرب عنها .
3 ـ امرأة العزيز استخدمت جميع الطرق لكي يحصل مرادها :
التصرف ” وغلقت الأبواب ” .
القول ” هيت لك ” .
الترجي ” هيت لك ” .
المحادثات ” وراودته ” .
أخذ الضمانات له بالأمان ” وغلقت الأبواب ” بالتشديد الذي يدل على مبالغة في الحرص .
الوعيد ” ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الخاسرين ” .
ومع هذا عصم الله يوسف _عليه السلام_ من أن يحدث في أسفل أمر يخدش الحياء إضافةً إلى السقوط فيما ترغب في المرأة ، فهذه والله العفة التي افتقدها أهل تحرير المرأة اليوم والدعاة لها ، ولم يجدوا ريحها وإن ريحها لا يجده سوى المؤمن .
4 ـالصحيح في قوله _تعالى_: ” وهم بها ” أنه الهم الغريزي البشري من الرجال للنساء ، كما أفاد: ” زين للناس حب الشهوات من السيدات ” وذلك القول ليس اتهاما لمقام الأنبياء، بل بالعكس هو من باب الثناء أكثر قربا من الذم؛ لأننا إن قلنا بأن الأنبياء معصومون من هذا الهم فليس لهم إذن إطراء إن لم يحدث الواحد في مجاهدة الغريزة .
أما إن قلنا: هم كسائر الإنس في باب الشهوة ، بل إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أعطاه الله قوة مئة من الناس في الجماع ، ورأى مرة إمرأة فدعا قرينته وقضى حاجته منها ، فعلى ذلك القول يتضح كمال الأنبياء في مجاهدتهم لأنفسهم في شهواتهم ، وعفتهم عندما يغضون الطرف ويهربون عن مواقع الفتن كما هو حال يوسف _عليه السلام_ .
ثم ذلك صريح القرآن عن يوسف _عليه السلام_ ” وهم بها ” ولا لوم عليه طالما أن القضية فطرية بشرية ، وظهرت عفته _عليه السلام_ في قول الله عنه: ” لولا أن رأى برهان ربه ” فهنا يتنوع الناس عفة وفحشاً ، إيماناً وغفلة ، فكم من فرد عرف برهان ربه لكنه غلبت عليه شهوته ، أو غفل عن برهان ربه ، أو اتبع هواه .
5 ـ من عفته _عليه السلام_ أن أول كلمة قالها ، وتلفظ بها عقب المراودة والدعوة ، أن أفاد: ” معاذ الله ” .
6 ـ معنى ” معاذ الله ” بحد نفسها دليل على عفته _عليه السلام_ ، ففيها معنى ” الالتجاء إلى الله ـ الاعتصام به ـ الاستعاذة بربه ” .
7 ـ الاستعاذة من الفاحشة قالها يوسف _عليه السلام_: ” معاذ الله ” وقالتها مريم _عليها السلام_ ” أعوذ بالرحمن منك ” .
8 ـ قول يوسف _عليه السلام_: ” معاذ الله ” ليست بمنزلة رفض الفاحشة فحسب ، بل قطع حتى للتفكير وقبول المساومة عليها ، ففرق بين أن يقول الفرد: ” لا لا أفعل الفاحشة ” وبين أن يقول: ” أعوذ بالله منها “؛ لأن الاستعاذة تقتضي رفض حتى التفكير فيها .
9 ـ في قول يوسف _عليه السلام_ ” معاذ الله ” شرح لتعظيم حرمات الله ، وأن ينظر المؤمن للمحرم على أنه هائل ليس من السهولة فعله ، ومنزلة تعظيم حرمات الله من إجراءات القلوب .
10 ـ الفساد في المظاهر والاقترانات : خيانة للناس ، وخيانة لله .
وذلك على القولين في قوله _تعالى_: ” إنه ربي “، سواء قلنا: إن المرغوب به : السيد عزيز جمهورية مصر العربية فيكون خيانة للناس .
أو أن المرغوب به : الله _سبحانه_ فيكون الفساد خيانة لله .
11 ـ الفساد في المظاهر والاقترانات : بغي للناس ، وظلم للنفس .
وذلك على القولين في قوله _تعالى_: ” إنه لا يفلح الظالمون “، سواء قلنا: إن المرغوب به : الظالمون الذين يخونون المظاهر والاقترانات .
أو أن المرغوب به : الظالمون لأنفسهم بالوقوع بالزنا .
12 ـ من عفته _عليه السلام_ أن نبأ تعلق إمرأة العزيز به قد تشعبت وتوسّع حتى في وسط سيدات المدينة ” وصرح نسوة في المدينة ” ولاشك أن انتشار النبأ يمنح الفرد تبلد الحس ، ومع هذا لم يؤثر فيه .
13 ـ حتى نتصور عفة يوسف _عليه السلام_ لا بد أن نتصور الوضعية التي بلغت إليها امرأة العزيز، والتي وصفها الله بقوله: ” قد شغفها حبا “، والشغف، هو : الوصول إلى شغاف الفؤاد وهو منتهاه وغايته بحيث لم يترك حبه في قلبها أي مقر سوى دخله .
فما الرأي بامرأة بلغت لهذه الوضعية ؟! وما العفة التي أمكن أن تقف في وجهها ؟!!
14 ـ من عفته قول الله: ” فاستعصم “، وهو اعتصام وتزايد لتزايد الألف والسين والتاء ، ويكفي أن المرأة هي التي وصفته بذلك ، مع أن المرتبط يشاهد غير صحيح حبيبه عين الصواب ، ويختلق أسباب أفعاله .
15 ـ ذروة العفة تبدو في قوله _تعالى_ عن يوسف: ” رب السجن أحب إلى الأمر الذي يدعونني إليه ” .
فما أعظم العفة التي تجعل السجن أفضل وأحب من السقوط في الفاحشة .
16 ـ من عفة يوسف أنه يعلم حقيقة السجن خاصة، وأنه جرب الجب قديماً ، فالسجن يتعلق به عدم السبات والتلذذ بالأكل ، ونقص السكون ، وكبت الحرية وضيق المقر .
ومع هذا صرح: ” السجن أحب إلي “، ويوسف _عليه السلام_ عاقل يعلم معاني الألفاظ .
17 ـ الذي يتضح ـ والله أعلم وأحكم ـ أن يوسف _عليه السلام_ تعرض لمراودة من غير امرأة العزيز، وهذا من النسوة القادم رأينه ، بدليل قوله: ” يدعونني إليه ” فاتضح أن الداعي أكثر من واحد ، ومع هذا استعف عن الجميع .
18 ـ سياق الآيات يدل على أن يوسف _عليه السلام_ تعرض لأكثر من مسعى كيد لإسقاطه في فخ الفاحشة ، بدليل قوله _تعالى_: ” وإلا فعل عني كيدهن ” فاتضح أن هناك كيد ومحاولات وخطط .
19 ـ من عفة يوسف _عليه السلام_ أنه وصف الذين يقعون في الفاحشة بالجهل، كما صرح: ” وأكن من الجاهلين “؛ لأنهم خانوا الله ، وخانوا الناس ، وظلموا أنفسهم ، وآثروا شهوة فائتة ، واتبعوا هوى أنفسهم .
20 ـ يوسف _عليه السلام_ يذكر في الآيات دواء الافتتان بالنساء ، ويتلخص هذا بما يلي :
أ ـ عدم تعريض النفس للفتنة ، كما صرح: ” رب السجن أحب إلي ” .
ب ـ الفرار من مواقع الفتن ، كما صرح: ” واستبقا الباب ” .
ج ـ الاستعانة بالله _سبحانه_ وعدم الثقة بالنفس كما صرح: ” وإلا فعل عني كيدهن أصب إليهن ” .
د ـ الحرص على الدعاء ، كما أفاد: ” فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ” .
هـ ـ عدم موافقة التنازلات في ذلك الميدان بأي حال من الأحوالً ، كما تحدثت امرأة العزيز عن يوسف _عليه السلام_: ” فاستعصم ” .
و ـ الاستعاذة بالله _سبحانه_ ، كما أفاد: ” معاذ الله ” .
ز ـ استحضار عظمة الله، كما أفاد: ” لولا أن رأى برهان ربه ” .
ح ـ تذكر أنه خيانة لأعراض الناس ، كما أفاد: ” إنه ربي أحسن مثواي ” على القول بأن المرغوب به السيد .
ط ـ تذكر خاتمة الفاحشة، وأنها تقديم لذة فانية زائلة تعقبها حسرة باقية ، وذلك هو الجهل ، كما صرح: ” وأكن من الجاهلين ” .
ي ـ لا مفر من الصبر على الإجابات التي من الممكن أن يكون فيها نوع مجهود وتحتاج لصبر ومصابرة ، حتى إذا كان السجن ، كما أفاد: ” رب السجن أحب إلي الأمر الذي يدعونني إليه ” .
فهذه إجابات واقعية عملية طبقها يوسف لإيجاد حل لمشكلة الافتتان بالنساء ، ودواء لمن ابتلي بمثل ما ابتلي به .
21 ـ من عفته _عليه السلام_ أنه لم يتكلم بأمر امرأة العزيز ولم يفضحها بين أهل السجن والعبيد والناس لا قبل السجن ولا في أثنائه ولا بعده ، بل كان لا يذكر أمرها سوى إذا استدعى الشأن إلى أوضح ، كما هو الوضع حينما أتهم فقال: ” هي راودتني عن نفسي ” ثم لم يذكر غير هذا .
بل حتى لما عاد إليه الرسول من العزيز لما عبر الرؤيا لم يقل: ” ما فكر امرأتك تراودني “، بل عمم فقال: ” ما شأن النسوة القادم قطعن أيديهن ” .
22 ـ من تمام عفته _عليه السلام_ أنه ورغم المساعي الكثيرة من امراة العزيز والنسوة سوى أنه لم يخنع ولا مرة واحدة ولم يتخلى ولم يستهتر ويستخف ، ولو بموعد عفيف مثلما يقال ، أو حتى نظرة بعين ، أو كلمة بلسان ، أو غير هذا الأمر الذي قد يهونه عدو الله إبليس .
23 ـ من عفته _عليه السلام_ أنه قطع العوامل التي تقود وتؤول لإجراء الفاحشة ، والتي تحرم من باب سد الذرائع ، فلم يفتح مع امرأة العزيز المحادثات أو النقاش أو حتى الحماية بالكلام عن ذاته ، ولم يسألها لماذا قلبت عليه القضية يوم أن أتى قرينها ؟
بل حتى ولم يذكرها يوعظها ، لعلمه أن تلك وسائل تقود لما بعدها من المحرمات ، وإن لم تحرم لذاتها .
فهذه خمسون نفع من عفة يوسف _عليه السلام_ في الآيات التي تكلمت عن ذلك المنحى لاغير ،
فصلى الله وسلم على يوسف _عليه السلام_ الذي رسم العفة بكاملها ، وأقبلت قصته لتصبح رداً على أهل إلتماس التحرير الذين يشجعون ما فر منه يوسف _عليه السلام_ ، ويميعون ويهمشون ما عظمه يوسف _عليه السلام_ ، فيعيدون مساعي امرأة العزيز ، وكيد النسوة .
والله أعلم وأحكم وصلى وسلم على نبينا .
الحمد لله على كل حال, الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا , الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, القائل : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
[ سورة المؤمنون : 1-5 ].
اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت نعوذ بك من شر أنفسنا ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه .
والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى وفي رواية ثانية : وَالْعِفَّةَ))[أخرجه الإمام مسلم برقم : 2721] .
ثمَّ أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس مع سلسلة إصلاح الأسرة ، تحت عنوان ((وقفات مع عفة النبي يوسف … !!! )) ، فبعد أن تكلمنا في اللقاء السابق عن (الإسلام والعفة في الأسرة والمجتمع ؟؟؟) نتكلم اليوم عن مثال صارخ عن العفة والعفاف والذي يضربه لنا النبي الكريم يوسف
ولنا معه وقفات لتكون مثالاً للشاب المسلم اليوم ؟؟؟؟
تمهيد :
الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة، ولا يلغي الوظائف التي ركبها الله في الإنسان، ولا يكبت الغرائز ولا يستقذرها، ولكنه يهذبها وينظمها ويسيرها في مسالك الطهر، ويرفعها من مستوى الحيوانية المحضة لتصبح محورًا تدور عليه الآداب النفسية والاجتماعية.
إنه يحارب الحياة البهيمية الساقطة التي لا تقيم بيتًا، ولا تبني أسرة، ولا تنشئ حياةً كريمةً ومجتمعًا طاهرًا.
إن الإسلام يقصد إلى حياة أسرية كريمة محترمة تشترك فيها الآمال والآلام، ويؤخذ بها حساب الحاضر والمستقبل. محضنٌ لذرية صالحةٍ ومنشأٌ لجيلٍ طاهرٍ، فيه الأبوان حارسان أمينان لا يفترقان.
هذا المجتمع الكريم النابت في تعاليم الإسلام يتميز بآدابه، ويلتزم بأحكامه، هذا المجتمع يجعل جريمة الزنا قصيةً في ركن لا يطالها إلا فئات شاذة لا يؤبه لها.
إن الذي يكبح هذه الجريمة، ويضيق دائرتها هو الإسلام بأحكامه وآدابه وعقائده بدءًا من الإيمان بالله وخشيته وتقواه وحسن مراقبته سبحانه، ثم تنقية المجتمع من بواعث الفتن، ومواطن الريب .
ففي المجتمع المسلم التزامٌ للملابس السابغة المحتشمة التي تكرم ابن آدم وتحميه ، مع أدب غض البصر، وكف العيون الخائنة من البحث عن العورات ، وتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة غير ذات المحرم طهارة لقلوبهم وقلوبهن. وقال : ((ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)) [صحيح أخرجه الإمام الترمذي،حديث (2165)، وقال : حديث حسن صحيح غريب. وصححه ابن حبان (4576) ، والحاكم (1/114-115)]،والمباعدة بين مجالس الرجال ومجالس النساء، حتى في المساجد ـ دور العبادة ـ فللرجال صفوفهم وللنساء صفوفهن ، ومنع الاختلاط المحرم في التعليم والعمل وكل مجال يقود إلى الفتنة،مع تيسير سبل الزواج ، والتزام الاستئذان والاستئناس حتى لا تقع العين على عورات النساء احتراماً لها ولكرامتها ،أو تلتقي العين بمفاتن المرأة حفاظاً عليها وعلى أعراض المسلمين .
وقد ضرب لنا الله مثالاً عن العفة والعفاف في القرآن الكريم وهو عفة يوسف عليه الصلاة والسلام وهو الذي أردت الحديث عنه في هذا اللقاء ………..!!!
ملخص قصة يوسف كاملة :
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
وقبل البدأ ؟؟؟
قبل أن نتحدث عن بعض الوقفات المستخلصة من قصة يوسف ، أود الإشارة لعدة أمور.
تختلف طريقة رواية قصة يوسف في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاء قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة.
قال تعالى في سورة يوسف : (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) .
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟
1 ـ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.
2 ــ وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.
3 ــ وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.
4 ــ وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ )) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
القصة القرآنية للمراودة في سورة يوسف :
(( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )) (23) ، ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها; لحبها الشديد له وحسن بهائه, وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف, وقالت: هلمَّ إليَّ, فقال: معاذ الله أعتصم به, وأستجير مِن الذي تدعينني إليه, من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله, إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله : (( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) (24)ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة, وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة, لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه, وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره, إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده : (( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (25) ، وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج, وأسرعت تحاول الإمساك به, وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته, ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع ، (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ))(26) ، قال يوسف: هي التي طلبت مني ذلك, فشهد صبي في المهد مِن أهلها فقال: إن كان قميصه شُقَّ من الأمام فصدقت في اتِّهامها له, وهو من الكاذبين ، (( وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ )) (27) ، وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها, وهو من الصادقين ، (( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ))(28) ، فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف, وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها النساء-, إنَّ مكركن عظيم ، (( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ)) (29)،قال عزيز “مصر”: يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فلا تذكره لأحد, واطلبي -أيتها المرأة- المغفرة لذنبك؛ إنك كنتِ من الآثمين في مراودة يوسف عن نفسه, وفي افترائك عليه ، (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (30) ،ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه), إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح ، (( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ))(31) ، فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّها, أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها, وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد, وما يأكلنه من الطعام, وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطِّعن الطعام, ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن, فلما رأينه أعظمنه وأجللنه, وأخَذَهن حسنه وجماله, فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول, وقلن متعجبات: معاذ الله, ما هذا من جنس البشر; لأن جماله غير معهود في البشر, ما هو إلا مَلَك كريم من الملائكة ، (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ))(32) ، قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن: فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به, ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب لي فامتنع وأبى, ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن, ولَيكونن من الأذلاء ، ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ )) (33) ، قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة, وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن, وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم ، (( فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))(34)، فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله. إن الله هو السميع لدعاء يوسف, ودعاء كل داع مِن خلقه, العليم بمطلبه وحاجته وما يصلحه, وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم ، (( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ )) (35) ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر; منعًا للفضيحة.
وقفات مع عفة النبي يوسف
هذا النموذج الرائع يضربه الله تعالى لنا حتى نتعظ ونعتبر وحتى يعلم الناس أجمعين أن العفة لا تكون هكذا بمجرد الخاطرة وإنما لابد لها من همة وإرادة . هذه القصة التي يضربها الله في سورة يوسف نقف فيها وقفات:
الأولى : الاستعانة بالله تعالى :
إن الاستعانة بالله واللجوء إليه والاستعاذة به والفرار إليه هو من أقوى الأسباب التي تنال بها العفة؛ يقول الله : (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا ولكن الله يزكي من يشاء)) من الذي يحفظك من الفتنة؟ من الذي يحفظك من الزنا؟ من الذي يغض بصرك حقٌا؟ من الذي يجعلك تغض بصرك؟ هو الله
رب العالمين, ولذلك فلا يغتر إنسان بنفسه, لا يغتر إنسان بثقته بل ينبغي عليه أن يتهم نفسه دومًا بقلة الهمة وبضعف الإرادة وأن يستعين بالله
لكي يصرفه عن السوء والفحشاء.
فهذا النبي الكريم يوسف لما طلبت منه امرأة العزيز وهمت به وهم بها إلتجأ إلى من؟ ما قال: ((قال معاذ الله)) أي استعيذ بالله منكِ ومن شرك, ((قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)).
الثانية: عدم الاغترار بالنفس والركون إليها :
إذ ينبغي على الإنسان ألا يعتمد على الثقة الزائدة بالنفس والاغترار بها , لما جاءت النسوة إلى امرأة العزيز ولُمنها على فعلتها قالت: ((ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )) اذا فعل يوسف ؟ التجأ إلى الله رب العالمين (( قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه)) أن أسجن وأن أحبس أن تقيد حريتي هذا أحب إلي من أن أقع في الفاحشة (( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)) إذا لم تصرف ربي أنت عني كيدهن سأصغي إليهن وستذهب قوتي وستخور عزيمتي وسأستمع إلى ما تقول فأسألك ربي أن تصرف عني كيدهن, فماذا كان الجواب؟ (( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم )) وهكذا فإن الإنسان إذا ألمّت به فتنة ينبغي أن يلجأ إلى الله
, ولا ينبغي أن يخوض هذه الفتنة بغير استعانة بالله.
انظر ماذا يقول ربنا في الذين اتقوا إذا جاءهم الشيطان وسول لهم سوء الأعمال, قال : (( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم،إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) الذين اتقوا إذا مرّ عليهم طيف أو خاطرة من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون, وكيف يكون التذكر؟ يكون بالاستعاذة من الشيطان وبالإستعانة بالله
.
الثالثة : الدخول على النساء :
إن التساهل من المسلمين في دخول الرجال والخدم في البيوت من أكثر أسباب وقوع الكثير من الحوادث التي تسببت في انتهاك الأعراض, قال الحافظ ابن كثير ـ تعالى ـ وهو يذكر لنا هذا العزيز الذي كان بالفعل ديوثًا, يقول الحافظ ابن كثير: كان زوجها ـ أي العزيز ـ لين العريكة وكان سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت أنها لا صبر له عنها, ولذلك تجرأت المرأة على أن تطلب هذا الطلب علانية بين النساء , تطلب من يوسف
أن يفعل فيها الفاحشة, ولذلك فإن الإنسان ينبغي عليه ألا يدخل الخدم على النساء, ليتقي الله
هذا الذي يركب ابنته مع السائق فيوصل السائق ابنته إلى الجامعة أو إلى المدرسة, ما هذا؟ أين الغيرة؟ أما تغار على عرضك أيها المسلم, لا ينبغي للمسلم أن يفعل هذا, لا ينبغي للرجل أن يترك خادمه يباشر النساء أو أن يدخل عليهن, يقول
: ((إياكم والدخول على النساء)) قال رجل: يا رسول الله, أرأيت الحمو؟ ـ أي قريب الزوج أيدخل على المرأة ـ قال: ((الحمو الموت)), أي: إذا أدخلت الحمو إلى بيتك كأنك أدخلت الموت على أهلك.
الرابعة: الصحبة السيئة :
في هذه القصة أن الصحبة السيئة من أسباب الوقوع في الفواحش, ألا ترى أن امرأة العزيز لما انتشرت هذه الفضيحة بين النساء ماذا فعلت النساء اللاتي كن حولها؟ شجعنها على ذلك وذهبن إلى يوسف يطلبن منه أن يرضخ لكلامها فقال يوسف : ((إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)) وقال يوسف: (( ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)) أي في اشتراكهن في هذه الجريمة.
الخامسة : الإشاعات :
فلولا الإشاعات لما علمت النسوة بأمر امرأة العزيز (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (30) ،ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه), إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح .
بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الحاكمة أو الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة: (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز ….. وما حدث من النسوة (( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ))
ومن أعظم الآداب في هذا الباب الكف عن إشاعة الفاحشة في المؤمنين ومحبة ذلك والرغبة فيه عياذًا بالله. إذا انتشر بين الأمة الحديث عن الفواحش ووقوعها فإن الخواطر تتذكرها ويخف على الأسماع وقعها، ومن ثم يدبُّ إلى النفوس التهاون بوقوعها ولا تلبث النفوس الضعيفة والخبيثة أن تُقدم على اقترافها ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة. وانظر إلى ما تفعله كثيرٌ من وسائل الإعلام في الناس والنفوس. (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيع الفاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) [النور:19].
السادسة : كتم صوت الحق بالسجن :
ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف): (( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)) وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.
إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.
خاتمة :
ألا فاتقوا الله رحمكم الله واستمسكوا بدينكم، والزموا آدابه وحدوده، عبوديةً خالصةً، وسلوكـًا لمسالك الطهر والعفة يصلح الفرد كما يصلح المجتمع، فتسعدوا في الدنيا، وتسلموا وتفوزوا في الآخرة وتفلحوا، ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والهدى فقد أمركم ربكم قائلاً عليمًا: (( إِنَّ اللَّهَ ملائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
كما أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذريته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
حسام الدين سليم الكيلاني
شبابنا هم أبناؤنا وإخواننا وأحبابنا، كلنا يعلم ما يعانونه في شبابهم من مشكلات تواجههم في حياتهم.. ولعل مشكلةَ تأجج الشهوة في تلك الحقبة من العمر وانتشار دواعيها مع قلة مصارفها الحلال هي واحدة من أكبر هذه المشكلات، بل وأهمها لدى إخواننا الشباب..
وإذا كانت العفة مطلبًا شرعيًا واجتماعيًا ـ صيانة للدين وحفاظًا على المجتمع بحفظ أهم طبقة فيه ـ فلا يخفى صعوبة هذا المطلب في مثل زماننا، زمان الفضائيات والدشوش والكليبات والشبكات العنكبوتية والتي تتكاتف جميعًا لعولمة النمط الثقافي والاجتماعي الأمريكي خاصة والغربي عامة بما فيه من إباحية جنسية، وهدم للمنظومة الأخلاقية، ومغايرة للمفاهيم الإسلامية والشرقية.
وكل هذا يجب أن لا يحملنا على اليأس والاستسلام والرضا بالواقع، بل على العكس ينبغي أن يحث الهمم ويهيج على العمل لدرء الفتن وصيانة الشباب.
ويبقى الأمل في نفوسنا وحسن ظننا بشبابنا بابًا ندخل منه لدعوتهم لمجابهة الشهوات وعدم الرضوخ لها والوقوع في أسرها.
قصة يوسف
إننا حين نتحدث عن مواجهة الشهوة لا نتحدث عن أمر معجز يستحيل الحصول عليه، وإنما مطلب واقعي ممكن، وإن كان صعبًا. وقد قص علينا القرآن قصة من قصص الشباب مع الشهوة ليتخذ شبابنا منها قدوة وأسوة ودرسًا عمليًا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرف على الأسباب المعينة على الخلاص من ورطاتها.
إن الواقع الذي عاشه يوسف عليه السلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسباب الفاحشة ودواعيها :
فالشباب والقوة والشهوة متوفرة؛ فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو عزب، ولا مصرف له حلال، وقد بذلت له ولم يسع إليها..
والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز ومثله لا يتزوج إلا بأجمل النساء.
ولا خوف من العقوبة؛ فالمرأة هي الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، فكفته مؤنة التلميح أو التصريح بالرغبة.
وقد أغلقت الأبواب عليهما ليكونا في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف من الفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لا يعرفه أحد؛ فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها، فيخاف إن لم يجبها أن يطوله أذاها.
وقد عانى عظم الفتنة وشدة الإغراء.. فالمرأة لا شك قد أعدت للأمر عدته وبيتته بليل وخططت له، فدخلت وأغلقت الأبواب كل الأبواب، وبدأت في المراودة، ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت كل فتنة، فما ملك إلا الهرب، وأنقذه هذه المرة وجود سيده لدى الباب رغم أن ردة فعله كانت مخيبة للآمال.
تكرر الإغراء
لقد تكرر الموقف لا شك مرات، وقد هددته وتوعدته وخوفته بالسجن، ورأى جرأتها على زوجها وقدرتها على تنفيذ أمرها، وإصرارها على تحصيل مبتغاها في قضاء وطرها، والإعلان بذلك أمام النسوة في وقاحة وعدم حياء أو خوف، مع أمنها مكر زوجها؛ فهو كأكثر رجال هذه الطبقة لا يمثل الطهر والشرف كبير قيمة لديهم وهذا ظاهر من موقفه: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}[يوسف:29].
لقد أعلنتها صريحة: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمروه ليسجننَّ وليكونًا من الصاغرين}[يوسف:32]. فما وجد الصدّيق بعد كل هذا إلا أن يعتصم بالله، وأن يقدم رضًا الله على هوى النفس، بل ويرضى بالسجن (وأرجو أن نلاحظ ذلك) ترك اللذة والشهوة، وآثر عليها السجن بما فيه، وهو لا يدري متى سيخرج منه، ولعله لا يخرج أبدًا، لكنه كان أحب إليه من رغبة الشباب ولذة الحرام، فأطلقها صريحة: {رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنَّ أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين}[يوسف:33].
إننا يا شباب نحتاج إلى استحضار هذا الموقف وأشباهه لنتخذه أنموذجًا يحتذى، ومثلاً يقتدى، ونتشبث بما تشبث به يوسف لننجو من أغلال الشهوة وذل المعصية.
قوارب النجاة:
لقد تمسك الصادق العفيف “يوسف” بأمور كانت سببًا بعد توفيق الله وحفظه في عصمته وصيانته، ولو تمسك بها كل واحد منا لبلغ بأمر الله بر الأمان كما بلغه يوسف:
أولها: خوف الله ومراقبته
لقد كان في خلوة لا يراه من البشر أحد، والضغوط كلها عليه، ومداخل الشيطان كثيره، فما بحث عن تبريرات، ولا استسلم لوخز الشهوات واستحضر في ذلك الموقف العظيم خوفه من الله تعالى ومراقبته له، وتعظيمه لحق الله تعالى فقال لما راودته بملء فيه: {معاذ الله}، {إنه لا يفلح الظالمون}.
وما أجمل هذا الخوف وما أجل عاقبته التي أخبر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: “…ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله…”.
ثانيها: توفيق الله وحفظه لعبده:
فلما رأى الله تعالى منه صدقه وصبره صرف عنه السوء وصرفه هو عن السوء صيانة له وتكريما وجزاء على عفته: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].
ثالثها: فراره عن أسباب المعصية:
فلما رأى منها ما رأى، وخاف على نفسه فر منها وهرب إلى الباب يريد الخروج، وهي تمسك بتلابيبه وهو يشد نفسه وينازعها حتى قدت قميصه من شدة جذبها له وشدة هربه منها.
وهذا الفرار هو أعظم أسباب النجاة، فالفرار من الأسواق المختلطة، والفرار من المتنزهات، والفرار من الخلوة بالأجنبيات، وصيانة النظر عن رؤية المحرمات والعورات، والبعد عن مواقع الشهوة والعري في النت والفضائيات، كلها من أسباب الفرار بالدين من الفتن .. وخلاصتها غض الأبصار عن الوقوع في حمى الأخطار.
كل الحوادث مبدأهـــا من النظــر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القــــــوس والوتر
يســــر مقلته ما ضــــــر مهجته *** لا مرحـــــبا بسرور جاء بالضرر
ومن صدق الفرار أن يفر الواحد منا من قرناء السوء الذين يذكرونه بالمعاصي، ويحدثونه عنها وعن سبلها ووسائلها وكيفية الوصول إليها، بل ويمدونه بها وييسرونها عليه،، فهؤلاء معرفتهم في الدنيا عار وفي الآخرة خزي وبوار .
ومن أراد السلامة فليلزم أهل التقى ومواطن الخير وأصحاب العبادة كما قال العالم لقاتل المائة نفس: “ودع أرضك هذه فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم”.
رابعها: الدعاء والالتجاء إلى الله:
فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها كيف يشاء، فهو سبحانه القادر أن يثبت قلبك ويصرف همم أهل السوء عنك، والتوفيق كله بيده، والخذلان أن يكلك إلى نفسك. وقد علم يوسف ذلك؛ فالتجأ إلى الحصن الحصين والركن الركين: {وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهنَّ إنه هو السميع العليم}[يوسف:33، 34]. فإذا أردت العصمة فاعتصم بربك: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}[آل عمران:101].
خامسها: تهويل خطر المعصية:
فقد رأى الكريم أن الفاحشة أمر عظيم وخطب جليل، وتجرؤ على حدود الله خطير، وتفكر في عقوبة الآخرة، فهانت عليه عقوبة الدنيا، فاختار السجن ومرارته على أن يلغ في عرض لا يحل له، أو أن يقضي وطرًا في غير محله: {قال رب السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه}[يوسف:33].
سادسها: الاعتصام بالإيمان:
فالإيمان يصون أهله ويحمي أصحابه، ومن حفظ الله تعالى حفظه الله في دينه ودنياه وأهله وأخراه، وما عصم يوسف عليه السلام إلا الإيمان بربه وصدقه معه وإخلاصه له، وقد سجل الله له ذلك فقال: {إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].
الزواج أو الصوم:
لقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكلة الشهوة عمليًا بدعوة القادرين على سرعة إعفاف النفس، وكذلك الآباء على سرعة تزويج أبنائهم لرفع الحرج عنهم ودفع القلق وجلب الاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن دعت الظروف وامتنعت القدرة فاللجوء إلى الصوم، فإنه يقطع الشهوة ويحطم جموح النفس: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.
تذكر عاقبة العفة:
وهو معين للشاب على هجر الفاحشة ومقاومة الشهوة الجامحة أن يتذكر عاقبة العفة الدنيوية والأخروية. فأهل العفة هم أهل ثناء الله وفلاح الآخرة: {قد أفلح من تزكى}[الأعلى:14]. {والذين هم لفروجهم حافظون…. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}[المؤمنون:5].
وأهل العفة هم أهل المغفرة والأجر العظيم: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}[الأحزاب:35].
وأهل العفة هم أهل الجنة: “من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة”.
ثم تذكر الإحساس بلذة الانتصار على النفس والشيطان، والتخلص من رقة المعصية ومذلة الذنب وكسرة النفس والقلب، وخوف عقوبة الآخرة.
وللأسرة دور أيضًا:
إننا ونحن ندعو شبابنا للعفة ومقاومة الشهوة لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وولاة أمور، بل الواجب على الوالدين تيسير أسباب العفة للأبناء، ودفع غوائل الشهوة عنهم. فغرس الإيمان في القلوب بحسن التربية والتنشئة، وسد ذرائع الشهوة بإخراج آلات اللهو والإغراء من البيوت، والعلاقة الأخوية ورابطة الصداقة مع أبنائنا التي تحمي من قرناء السوء، وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيب والاندفاع، مع فتح باب المصارحة لإيجاد أيسر الحلول من أقرب الطرق.. كلها معينات للأبناء، ولا تنسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”.
نسأل الله أن يصرف عن شباب المسلمين كل مكروه وسوء. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
يوسف عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، وصفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السّلام، وردت قصته في القرآن الكريم في سورة يوسف، وهي من السور القرآنية ذات المدلولات العجيبة والغزيرة بالعظات والعبر، والزاخرة بالوقائع الفريدة، فهي تقصّ قصة النبي يوسف -عليه السلام- وما واجهه من ابتلاءات، وصعوبات، ووقائع، ومحن.[١][٢] قصة يوسف عليه السلام مرحلة الطفولة نشأ يوسف في بيت أبيه يعقوب -عليهما الصلاة والسلام- مع إخوته الإحدى عشر، وكما يبدو من وقائع القصة أنّ أباه كان يحبه حبّاً جماً، وفي أحد الأيام قصّ يوسف -عليه السلام- رؤيا رآها في منامه على أبيه، مفادها أنّه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعلِم يعقوب -عليه السلام- أنّ يوسف سيكون له شأن عظيم في المستقبل، وحذّره من أن يقصّ رؤياه لإخوته خوفاً من حسدهم ومكرهم، قال الله تعالى: (إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ*قالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطانَ لِلإِنسانِ عَدُوٌّ مُبينٌ)،[٣] ولكن يقع ما كان يحذّره يعقوب -عليه السلام- وتبدأ نار الحسد والمكر تشتعل في صدور إخوة يوسف، ثمّ يجتمعون ليمكروا به ويقودهم حسدهم ليُفكّروا في قتله، إلّا أنّ أحدهم اقترح عدم قتله وإلقائه في إحدى الآبار ليأخده قوم آخرون، وبهذا يكونوا قد حققوا مرادهم بتغييب يوسف -عليه السلام- عن أبيه، فمضوا في المؤامرة ثمّ عادوا في الليل إلى أبيهم في وقت متأخر من الليل ليكون ذلك دليلاً على صدقهم وكانوا يبكون وقالوا بأنّ الذئب أكله، ولكنّ أباهم علم أنّهم دبروا أمراً، وصارحهم بذلك وقال لهم كما ذُكر في القرآن الكريم: (بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ)،[٤] وبعد ذلك مرّت قافلة من جانب البئر فأرسلوا أحدهم ليأتي لهم بالماء، فينبهر برؤية يوسف -عليه السلام- مُتعلّقاً بالدلو، وقال يا بشرى هذا غلام، وتمّ بيعه بدراهم معدودة وأصبح عبداً عند وزير ملك مصر الذي استوصى به خيراً بقوله لامرأته بأن تكرم مثواه، وتنتهي طفولة يوسف بالانتقال من الحب والعطف في كنف أبيه إلى أن أصبح مملوكاً في بيت عزيز مصر.[٢] مرحلة الشباب شبّ يوسف -عليه السلام- في قصر عزيز مصر وآتاه الله جمال الخِلقة، والخُلق، والعلم، والحكمة، فأصبح محطّ أنظار زوجة العزيز التي فُتنت بجماله، فبدأت تُمهّد لأمر خطير وفتنة عظيمة، فشغفها حباً وأغلقت الأبواب وصارحته بأنّها تريد منه فعل الفاحشة معها، فتفاجئ يوسف -عليه السلام- وقال لها معاذ الله، ثمّ ولّى هارباً منها فأمسكت بقميصه من الخلف فتمزق، وإذ بالعزيز يقف وراء الباب، واتهمت يوسف -عليه السلام- بالاعتداء عليها لتبرأ نفسها، وطلبت من زوجها أن يعاقبه بالسجن أو أي عقوبة أخرى، وسرعان ما أنكر يوسف ذلك وقال بأنّها هي التي راودته عن نفسه، وبعد أن رأى العزيز أنّ قميص يوسف تمزّق من الخلف علم أنّ زوجته هي المُذنبة، ثمّ انتشرت القصة بين نساء الملأ وعلمت بذلك امرأة العزيز، فوضعت خطة تدلّ على مكرها ودهائها، فدعت نساء الملأ إلى جلسة وأعطت كلّ واحدة منهنّ طبقاً وسكّيناً حادة لتقّطعها، وأمرت يوسف -عليه السلام- بالدخول إلى النسوة، فسرق أبصارهنّ وعقولهنّ وجرحن أيديهنّ وهنّ لا يشعرن، فتتفاقم فتنة يوسف -عليه السلام- بعد انضمام نساء الملأ لامرأة العزيز في مراودته عن نفسه، ثمّ هدّدته امرأة العزيز بالسجن والذلّ إن لم يفعل ما طلبنه منه، ففضّل يوسف السجن على الفاحشة، ولجأ إلى ربه ليبعده عن الفتنة، وشاء الله أن يدخل السجن.[٥][٦] قصة يوسف في السجن دخل يوسف عليه السلام السجن ليكون بمثابة الحصن له من الفتنة، ودخل معه السجن فتيان، وسرعان ما كسب ثقتهما بحسن خلقه وعلمه في تفسير الأحلام، وذات يوم قصّ الفتيان رؤى على يوسف، فانتهز يوسف الفرصة لدعوتهما إلى الله تعالى، وبعد انتهائه من ذلك بدأ بتأويل الرؤى، وكان تأويل أحدها أنّ صاحب الرؤية سيصبح ساقي الخمر الخاص بالملك، والآخر سيُصلب، فتحقّقت الرؤيا وخرج أحدهما وأصبح ساقي الخمرللملك وطلب منه يوسف -عليه السلام- أن يذكر قصته للملك، ولكنّه نسي ذلك، وبعد فترة رأى الملك رؤيا وقصّها على الملأ فعجزوا عن تفسيرها، ولكنّ يوسف عليه السلام فسّرها، فما كان من الملك إلّا أن أُعجب به لما سمع عنه من جمال خُلق، وعلمٍ واسع.[٥] مرحلة التمكين خرج يوسف -عليه السلام- من السجن عزيزاً لمصر، وأميناً على خزائنها، ودارت الأزمان والظروف ليقود الله إخوة يوسف إليه، فدخلوا عليه ليطلبوا منه طعاماً فعرفهم وهم له مُنكرون، وما لبث يوسف -عليه السلام- حتى بدأ بالتفكير بخطة لجمع شمله بأبيه وأخيه من جديد، فمنع عنهم الطعام حتى يُحضروا أخاهم، فعادوا الى أبيهم ليطلبوا منه أن يرسل معهم أخاهم، فيجيبهم بالقول: (هَل آمَنُكُم عَلَيهِ إِلّا كَما أَمِنتُكُم عَلى أَخيهِ مِن قَبلُ فَاللَّهُ خَيرٌ حافِظًا وَهُوَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ)،[٧] وبعد عدة محاولات أرسله معهم بعد أن أخذ عليهم موثقاً من الله، ثمّ دخلوا على يوسف -عليه السلام- فأخبر أخاه أنّه يوسف كي لا يخاف أو يحزن ممّا سيحصل معهم، ثمّ جعل مكيال الملك الذهبي في رحل أخيه، وطلب من الحرس أن يُظهروا ضياع المكيال وسرقته، وبعد التفتيش المخطط له استخرجوا المكيال من رحل أخيه، وبهذه الخطة استطاع يوسف أن يأخذ أخاه منهم، ثمّ عاد إخوته إلى أبيهم وأخبروه بما حصل، فحزن حزناً شديداً على يوسف وأخيه وفقد بصره، ثمّ عاد إخوة يوسف إليه وقد مسهم الضرّ والفقر وطلبوا منه أنّ يفرج عن أخيهم، فيرقّ يوسف لحالهم ويقول لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف، ويصارحهم بأنّه هو يوسف، فقالوا له والله لقد آثرك الله علينا ثمّ يندمون ويعترفون بخطأهم، فيقبل الكريم اعتذارهم، ثمّ ذهب يعقوب -عليه السلام- وأبناؤه إلى مصر، وسجد له إخوته سجود شكر لا سجود عبادة.[٥] المراجع ↑ “تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير”، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2018. ^ أ ب “قصة يوسف عليه السلام (1)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2018. بتصرّف. ↑ سورة يوسف، آية: 4-5. ↑ سورة يوسف، آية: 18. ^ أ ب ت “قصة يوسف عليه السلام في القرآن”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2018. بتصرّف. ↑ “يوسف عليه السلام _ الجزء الثاني”، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2018. بتصرّف. ↑ سورة يوسف، آية: 64.
دولة إسرائيل
Emblem of Israel.svg
جغرافيا˂
تاريخ˂
الصراع العربي الإسرائيلي˂
قانونسياسة
˂
علاقات خارجية˂
قوات الأمن الإسرائيلية˂
اقتصاد˂
التركيبة السكانيةثقافة
˂
بوابةتصنيف
مشروع ويكي
عنت
جزء من سلسلة حول
تاريخ اليهود في المشرق
The Western Wall, Jerusalem
تاريخ مملكتي إسرائيل ويهوذا القديمتين
ما قبل التاريخ كنعانيون بنو إسرائيل مملكة إسرائيل الموحدة مملكة إسرائيل (الشمالية) مملكة يهوذا الأسر البابلي
الهيكل الثاني (530 ق م – 70م )
يهود مديناتأ سورية الجوفاء السلالة الحشمونية سلالة هيروديون المملكة الهيرودية الحكم الرباعي الهيرودي يهودا (مقاطعة رومانية)
عصور وسطى (70–1517)
سوريا فلسطين الأبرشية المشرقية الأولى الثانية ثورة اليهود ضد هرقل بلاد الشام جند فلسطين جند الأردن مملكة بيت المقدس الدولة الأيوبية الدولة المملوكية
عصور حديثة (1517–1948)
الدولة العثمانية · نظام الملل إيالة دمشق متصرفية القدس يشوب قديم صهيونية إدارة أراضي العدو المحتلة الانتداب البريطاني على فلسطين
دولة إسرائيل (1948–الآن)
وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل خط زمني السنوات الصراع العربي الإسرائيلي هجرة اليهود من الدول العربية والإسلامية عملية بساط الريح عملية البساط السحري عملية علي بابا عملية موسى عملية سبأ عملية عزرة ونحمية عملية سوزانا وفضيحة لافون
تاريخ يهود الشرق حسب المنطقة
المشرق فلسطين العراق سوريا لبنان الأردن الكويت مصر يهود السودان شبه الجزيرة العربية البحرين نجران الأحساء اليمن حضرموت حبان وسط آسيا إيران يهود الجبل أفغانستان شمال أفريقيا تونس الجزائر المغرب ليبيا
تاريخ أرض الميعاد حسب الموضوع
اليهودية القدس صهيونية الحكام اليهود العسكري الجنسية نشأة دولة
مواضيع ذات علاقة
تاريخ يهودي تقويم عبري عمارة متاحف يهود عرب يهود مزراحيون يهود سفارديون فلاشا لغات ولهجات عبرية آرامية آرامية يهودية أو آرامية تلمودية) آرامية جديدة عربية يهودية لهجة يهودية ليبية يهودية عراقية مغربية يهودية لهجة يهودية تونسية مصرية يهودية جزائرية يهودية كوشية لغة كايلا قوارا كايلينيا إسبانية يهودية
Portal icon
بوابة إسرائيل
عنت
اللغة العبرية (بالعبرية: עברית عِڤْرِيتْ /ʕiv’ʁit/) هي لغة سامية من مجموعة اللغات الشمالية الغربية من الفرع الكنعاني، تنتمي إلى مجموعة اللغات الأفريقية الآسيوية. حاليا تنتشر اللغة العبرية الحديثة كلغة حديث وأدب وتعاملات رسمية، ويتحدث بها أكثر من سبعة ملايين شخص موزعين في حدود إسرائيل والأراضي الفلسطينية. اللغة العبرية الحديثة منبثقة من اللغة العبرية الكلاسيكية التي لم تعد مستخدمة كلغة حديث أو كلغة تعاملات رسمية إنما تستخدم كلغة دينية يستعملها المتدينون اليهود في تعاملاتهم الدينية، وهي بدورها (اللغة العبرية الكلاسيكية) نشأت من محاولة إحياء للّغة العبرية القديمة التي ماتت في القرن الخامس قبل الميلاد. اللغة العبرية القديمة هي العبرية التي كتب فيها العهد القديم، وتشبه إلى حد كبير لغات قديمة أخرى مثل اللغة الفينيقية والعمونية والمؤابية؛ ولهذا يعتبر علماء اللغات كل هذه اللغات الأخيرة لهجات للّغة الكنعانية.
أخذت اللغة العبرية العديد من الأسماء، وهي: لغة كنعان (و هو اسم وارد في التوراة)، واللغة اليهودية (كونها لغة مهمة في الديانة اليهودية)، واللغة المقدسة (بسبب نزول التوراة بها)، لكن أشهر الأسماء لها هو اللغة العبرية (حيث سميت بهذا الاسم نسبة إلى العبرانيين الذين حملوا اللغة من بعد الكنعانيين).
محتويات
1 تاريخ اللغة العبرية
1.1 ما قبل الميلاد
1.1.1 مرحلة العبرية القديمة الخالصة
1.1.2 مرحلة تدهور اللغة العبرية
1.1.3 مرحلة العبرية التلمودية
1.2 ما بعد الميلاد
1.2.1 العصر المسورتي الطبري
1.2.2 العصر الذهبي
1.2.3 فترة الهسكلاة
1.2.4 العصر الحديث
2 التأثيرات التي لقيتها العبرية الحديثة
2.1 الكلمات
2.2 اللفظ
2.3 بجد كفت
3 الكتابة العبرية
3.1 الأبجدية
3.2 الحركات
4 انظر أيضًا
5 مزيد من القراءة
6 المصادر
7 وصلات خارجية
تاريخ اللغة العبرية
Crystal Clear app kdict.png انظر أيضًا: تاريخ اللغة العبرية
ما قبل الميلاد
مرحلة العبرية القديمة الخالصة
بدأت هذه المرحلة في القرن العاشر قبل الميلاد تقريبا، فكانت اللغة العبرية هي اللغة الشائعة في المناطق الجبلية في فلسطين، وكانت عبرية هذا العصر تتسم بالنقاء والبعد عن أي تأثيرات أجنبية، ودون بها معظم أسفار العهد القديم والأعمال الأدبية الأخرى، وعدد من النقوش الأثرية على الصخور والأحجار والعملات.
مرحلة تدهور اللغة العبرية
تبدأ هذه المرحلة في القرن الخامس قبل الميلاد حيث بدأت اللغة العبرية تنقرض رويدا رويدا، وأخذت اللغة الآرامية تحل محلها شيئاً فشيئا كلغة تخاطب وأدب، لكنها ظلت تستعمل كلغة دينية فقط، وذلك على الرغم من محاولات الحاخامات الحفاظ على اللغة العبرية، ولكنهم فشلوا في مواجهة الصراع القائم آنذاك بين العبرية والآرامية.
مرحلة العبرية التلمودية
بعد أن أصبحت الآرامية هي اللغة الرسمية في البلاد، وجه الزعماء الدينيون جهودهم نحو شرح وتفسير العهد القديم باللغة الآرامية لكي يفهم اليهود أصول وطقوس الدين اليهودي، فكتبوا المشناه والجمارا ثم التلمود. وكانت لغة هذه الكتب مختلفة تماما في روحها وألفاظها وتراكيبها عن عبرية العهد القديم، فظهر فيها التأثر الشديد باللغة الآرامية، كما احتوت أيضا على بعض الألفاظ من اللغات الأخرى.
ما بعد الميلاد
العصر المسورتي الطبري
Crystal Clear app kdict.png انظر أيضًا: لغة عبرية طبرية
مع امتداد المناطق التي سيطر عليها العرب إلى فلسطين، تمتع اليهود ببعض الرفاهية الفكرية والتي أنتجت الكتاب المسورتيين (بالعبرية: מְסוֹרה) والذين وضعوا أساس عملية التشكيل أو التنقيط (بالعبرية: נִיקוּד) والذي استمر حتى اليوم كنظام التنقيط العبري الرسمي وقد تم إنتاجه في المدرسة الطبرية.
العصر الذهبي
عرف اليهود عصراً ذهبياً كثير الإنتاج الأدبي أثناء حياتهم في الأندلس العربية، وقد ساعد جو التسامح والتعايش الأندلسي على ازدهار الإنتاج الأدبي واللغوي العبري وظهور شخصيات ما زالت تحتل مكان الصدارة حتى اليوم في الكتابات الدينية اليهودية واللغوية العبرية كالحاخام موسى بن ميمون وسعديا الفيومي. يعرف اليهود تلك الفترة باسم العصر الذهبي (بالعبرية: תוֹר הֵזֵּהָב) وتعرف الإنتاجات الأدبية لهذا العصر بـ’الأدب العبري الوسيط’، وكانت هذه آخر العصور المزدهرة للغة العبرية والتي انتهت بسقوط الأندلس.
فترة الهسكلاة
تعتبر فترة الثمانينات من القرن الثامن عشر بداية عصر جديد في تاريخ الأدب العلماني للغة العبرية. أدباء ذلك الوقت هم من المتنورون (المسكيليم) والتي بدأت حركتهم في وسط أوروبا خصوصا في ألمانيا (1780-1820) وانتقلت بعدها إلى المجر والتشيك وإيطاليا وغيرها من البلدان (1820-1850) ووصلت إلى ذروة تطورها في شرق أوروبا وروسيا وبولندا (1850-1881).
عمل المسكيليم في عصرهم بشكل مباشر وغير مباشر من أجل إحياء اللغة العبرية وتحويلها إلى لغة حديث بين الناس، وكان الأوائل يميلون إلى توسيع اللغة العبرية وتجهيز كل روافد اللغة من أجل الاستخدام في الكتابة، بينما مال المتأخرون إلى خلق لغة مركبة تختلط بروافد اللغة المختلفة. مع كل الإسهامات التي ساهم فيها المسكيليم من أجل توسيع الثروة اللغوية العبرية وإحيائها، ومع نضال بعضهم من أجل تحويل لغة المشناه وباقي روافد اللغة العبرية إلى مصادر شرعية لتطور اللغة، ومع الطموح والرغبة في فرض اللغة العبرية على الجماهير، لم ينجح المثقفون في وضع أسس لتحويل اللغة العبرية من لغة كتابة وإنتاج إلى لغة حديث.
العصر الحديث
Crystal Clear app kdict.png انظر أيضًا: إحياء اللغة العبرية
مع بدء الاستيطان اليهودي لفلسطين، استمر اللغويون العبريون في محاولاتهم لإخراج اللغة العبرية من الكتب والصحف إلى الشارع واستعملوا الكثير من التعديلات والتطويرات من أجل تليينها على الألسن وتسهيلها حتى نجحوا في إخراج ما يعرف اليوم بـ’اللغة العبرية الحديثة’.[1] تأسس المجمع اللغوي العبري عام 1889 بواسطة مجموعة من المثقفين في القدس على رأسهم إليعيزر بن يهودا، وضع المجمع أمامه هدفين أساسيين:
تحديد مصطلحات في المهن التعليمية المختلفة في المدارس وفي المجالات العلمية والحياة العملية.
وطريقة النطق الصحيحة والكتابة والمشكلات النحوية.
اليوم، تعتبر اللغة العبرية اللغة الرسمية الأولى لدولة إسرائيل، وأصبحت تستخدم في شتى مجالات الحياة، مع أنها مختلفة عن اللغة العبرية التوراتية القديمة.
بسبب وضع العبرية الخاص كلغة حديثة نسبياً، لا يوجد هناك فارق كبير بين اللغة الأدبية ولغة الشارع.
التأثيرات التي لقيتها العبرية الحديثة
الكلمات
دخلت على اللغة العبرية الحديثة الكثير من الكلمات التي يعود أصلها إلى اللغة العربية والآرامية، واليديشية، والإنجليزية، بالإضافة إلى لغات أخرى كالألمانية والروسية والفرنسية.
اللفظ
اختلف لفظ الحروف الصامتة والصائتة عن العبرية الكلاسيكية، وقد اعتمد لفظ اللهجة السفاردية كأساس للفظ اللغة العبرية الحديثة ومنها على النحو الآتي:
حرف (ח) ينطق /ح/ بالعبرية الكلاسيكية، لكنه أصبح ينطق /خ/ بالعبرية الحديثة.
حرف (ע) ينطق /ع/ بالعبرية الكلاسيكية، لكنه أصبح ينطق /آ/همزة/ بالعبرية الحديثة.
حروف الإطباق (ט, צ, ק) خفف لفظها وأصبحت مشابهة للفظ الحروف (תּ, ס, כּ). وحرف (צ/ص) يُلفظ “تس/تز” كما في كلمة ארץ (أرص = أرض) حيث تلفظ (أرتز).
أصبح نطق حرف (ו) من /w/ إلى /v/.
تحول نطق حرف (ר) من /r/ إلى (غ) مثل بسيدر أصبحت هكذا بسيدغ
بجد كفت
اختفت قاعدة بجد كفت (وهي لفظ الحروف بطريقتين الأولى شديدة والثانية خفيفة) من الحروف (ג, ד, ת) باللغة العبرية الحديثة، ولكنها بقيت في الحروف (ב, כ, פ).
الكتابة العبرية
Crystal Clear app kdict.png انظر أيضًا: كتابة عبرية
الأبجدية
احتوت اللغة العبرية على 22 حرفا صامتا مرتبة على شكل (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت)، اشتقت قديما من الخط الآرامي، وتسمى الكتابة بها بالخط المربع، وقد ظهر حديثا بما يسمى خط اليد الذي يستخدم في الكتابة العادية المستخدمة باليد، وتستخدم بعض الحروف اللينة (א, ה, ו, י) كمد للحركات في آخر الكلمة أو في وسطها.
الحركات
خريطة تظهر مخارج الحركات في اللغة العبرية الحديثة.
احتوت اللغة العبرية الكلاسيكية بشكل عام 5 حركات أو أكثر، أما العبرية الحديثة فقد احتوت على 5 حركات قصيرة و 5 طويلة بالإضافة للسكون التام والسكون المتحرك.
يوسف ((بالعبرية: יוֹסֵף)، الاسم المعتاد يوسف النطق في اللغة العبرية الطبرية Yôsēp̄؛في العبرية تعني “دعه يزيد”و تنطق يوساف “yo-safe”[1] (بالعربية: يوسف) ، Yūsuf) شخصية مهمة في الكتاب المقدس وفي القرآن، إذ يربط قصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب في كنعان (فلسطين) بالقصة اللاحقة لتحرير بني إسرائيل من العبودية في مصر.
«حكايات النبي يوسف» – باللغة الجاوية.
فرعون يرحب بيوسف وأخوته، بريشة جيمس تيسو (حوالي عام 1900).
يروي سفر التكوين كيف كان يوسف الابن الحادي عشر من أبناء يعقوب الاثنى عشر، وبكر راحيل.[2] ألقى أخوة يوسف الغيورون إياه في بئر لكنه صار بعد ذلك أكثر الرجال نفوذًا في مصر إلى جانب ملك مصر. والجدير بالذكر ان يوسف جاء مصر قبل غزو الهكسوس لمصر السفلى لذلك اطلق على حاكم مصر في عهد يوسف بالملك يبنما اطلق على حاكم مصر في عهد موسى فرعون وهو (اسم علم) وليس لقب الحاكم المصرى حيث ان فرعون لم يكن مصريا ولكن كان طاغية من طغاة الهكسوس وعندما حلَّت المجاعة على البلاد، جلب يوسف بني إسرائيل إلى مصر حيث استقروا في أرض جوشين.
محتويات
1 الموروث الثقافي الإسلامي
2 الموروث الثقافي المسيحي
3 مصادر
3.1 مراجع إضافية
4 وصلات خارجية
الموروث الثقافي الإسلامي
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: يوسف في الإسلام
صورة ليوسف مع والده يعقوب وإخوته في مصر من كتاب “زبدة التواريخ” (Zubdat-al Tawarikh) الموجود في متحف الفنون التركية والإسلامية بإسطنبول، والمُهدَى إلى السلطان مراد الثالث عام 1583.
يعتبر المسلمون يوسف نبيًا ورسول إلى اهل مصر ،[3] وخُصِصت سورة كاملة لسرد قصته.[4] وهي الحالة الوحيدة في القرآن التي تُخصَص فيها سورة كاملة لسرد قصة نبي. وتوصَف هذه السورة بأنها “أفضل القصص”.[5] تذكر القصة أن يوسف كان أجمل البشر ، مما جذب امرأة عزيز مصر لإغوائه. وورد عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم أنه قال: (“أوتي يوسف شطر الحسن”).[6] وهناك اختلاف واحد واضح بين رواية القرآن ورواية الكتاب المقدس، ففي القرآن لم يحدد اسم الملك بينما ذُكر الفرعون في الكتاب المقدس. وللقصة نفس الأحداث العامة كما سردها الكتاب المقدس، لكن مع اختلافات محددة.[7] ففي القرآن، طلب الأخوة من يعقوب أن يدع يوسف يذهب معهم.[8] والحفرة التي أُلقي فيها يوسف كانت بئرًا،[9] واتخذت القافلة المارة يوسف عبدًا.[10]
في الكتاب المقدس، يكشف يوسف عن هويته لإخوته قبل عودتهم لأبيهم في المرة الثانية عقب شراء الحبوب.[11] وينطبق الشيء نفسه في الرواية الإسلامية، لكنهم يُجبَرون على العودة إلى يعقوب دون بنيامين، ويبكي الأب الأعمى.[11] ويظل هكذا إلى أن يعود الأبناء من مصر، جالبين معهم ملابس يوسف التي عالجت عينيه بمجرد أن وضعها على وجهه.[12]
يذكر التفسير أيضًا أن زليخة، زوجة بوتيفار التي حاولت إغواء يوسف عندما كان خادمًا في منزلها، قد تزوجته لاحقًا عندما علا شأنه ليصبح حاكم مصر. وقد وُصِف حبهما بالشديد والعميق في الأدب والقصائد الشرقية.
الموروث الثقافي المسيحي
يُحتفَل بذكرى يوسف كواحدٍ من الأجداد المقدسين في تقويم القديسين في الكنيسة الأرمنية الرسولية يوم 26 يوليو. وفي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الكاثوليكية الشرقية التي تتبع المذهب البيزنطي، يُعرَف باسم “يوسف ذو الجمال الآسر”، إشارة ليس فقط إلى مظهره الخارجي، لكن الأهم من ذلك جمال حياته الروحية. ويحيون ذكراه يوم أحد الأجداد المقدسين (قبل أسبوعين من عيد الميلاد)، ويوم الاثنين المقدس العظيم (اثنين الأسبوع المُقدَس). وفي الأيقونات، يصوَّر يوسف أحيانًا مرتديًا النميس، وهو غطاء رأس الوزير المصري قديمًا. تحيي الكنيسة اللوثرية عقب مجمع ميزوري الكنسي ذكراه في 31 مارس.
مصادر
Strong’s Hebrew dictionary – by James Strong – page 281
JewishEncyclopedia.com – JOSEPH نسخة محفوظة 11 أكتوبر 2011 على موقع واي باك مشين.
القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية 84.
القرآن الكريم، سورة يوسف.
Quran sura xii verse 3
Tottli 2002, p. 120
Quran sura xii
Quran sura xii verse 12
Quran sura xii verse19
القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 19.
Differences of Tradition نسخة محفوظة 11 أكتوبر 2011 على موقع واي باك مشين.
القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 96.
1- رُؤْيا عَجِيبَة إلى أعلى
كانَ يوسف وَلَداً صغيرا ، وَكانَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ أخا. وَكان يوسفُ غُلاما جَمِيلاً، وَكَانَ يُوْسُف غُلاَماً ذَكياً. وَكَان أبُوه يَعقُوبُ يُحِبهُ أَكْثَرَ من جميع اخوته.
ذات ليلَةٍ رأى يوسف رؤيَا عَجيبَةً.
رَأى أَحدَ عَشَرَ كَوْكبًا وَرأى الشَمْسَ وَالقمَرَ كُلٌّ يَسْجُد لهُ.
تَعَجًّبَ يُوسف الصغِيرُ كَثِيراً ! وَمَا فَهِمَ هذِهِ الرؤْيا كَيْف تَسْجُد الكَوَاكِب والشَّمس والقَمَرَ لِرَجُل؟ ذَهَبَ يوسف الصَّغِير إِلى أبيهِ يعقُوبَ . وحكى له هذه الرؤيَا العَجِيبَة.
{ يا أَبَتِ إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كوكبا وَالشمْس وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ ليِ ساَجِدِينَ }.
وكانَ أبُوهُ يَعْقوب نَبِيًّا.
فَرِح يعْقُوب بهذهَ الرُّؤيَا كَثِيراً.
وَقَالَ بارَك الله لَك يَا يوسُف، فَسَيَكون لَك شأن . هذهِ الرؤيا بشارةٌ بِعِلْم ونبوة.
و قَد أنْعَمَ الله عَلَى جَدَّك إِسْحاقَ وَقَدْ أَنعَمَ الله على جدِّكَ إبرَاهِيمَ.
وَإِنه يُنْعِمُ عَليكَ وينْعِمُ على آل يَعْقُوبَ.
وَكانَ يَعْقوبُ شَيْخاً كَبِيراً ، وَكَانَ يَعْرِفُ طَباَئِعَ النَّاسِ. وَكانَ يَعْرفُ كَيْفَ يَغلِبُ الشَيْطَان، وَكَيفَ يَلْعَبُ الشيطان بالإِنْسَانِ.
فَقَالَ يَا وَلَدي، لاَ تُخبر ْبهذِهِ الرُّؤْيَا أَحَداً مِنْ اخوتك فإِنَّهم يحسدونَكَ وَيَكُونُونَ لَكَ عَدوَّا.
2- حسد الإِخوة إلى أعلى
وَكَانَ يُوْسُف له أخ آخر من أمه اسمه بنيامين . وَكَانَ يَعْقُوْبُ يُحِبُّهما حُبًّا شَدِيدا ، وكان لا يحب مثلها أحدا .
وكَانَ الإِخوة يحسدونَ يوسف وَبِنيامينَ وَيغْضَبون كانوا يَقُولون: لِماذَا يُحِبُّ أبونَا يوسفَ وَبِنياَمِينَ أَكثرَ؟.
وَلمِاَذَا يُحِبُّ أَبُونا يُوسفَ بنيامين وَهُما صَغِيرَان ضَعِيفَان!.
لمَاذَا لاَ يُحِبنا مِثْلَ يُوسُفَ بنيامين نَخنُ شباب أَقوِياءُ، هذَا أمْر عَجيب!.
وَكَانَ يوسُفُ وَلَدا صَغِيراً، فَحَكَى الرُؤيا لاخوته وَغَضِبَ الاخوةجِدًّا لَمَّا سمِعُوا الرَؤيا وَأشتدَّ حَسدهم.
وَاجتَمَعَ الاخوة يَوْماً وَقَالُوا اقْتُلوا يوسف أو اطرحوا أرضا بعيدة .
حينئذ يكون أبوكم لكم خالصا ،ويكون حبه لكم خالصا .
قَال أحَدهم : لا بَلْ ألقوه في بِئرٍ في طريق يأخذْهُ بَعض المُسَافِرين.
وَوافَقَ عليِهِ جَمِيعُ الاخوة.
3- وفد إلى يعقوب إلى أعلى
وَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلىَ هذا الرأي جَاؤوا إلى يَعْقوب. وَكَانَ يعقوبُ يخَافُ علَى يُوسُفَ كَثِيرا، وَكَانَ يعرف أنَّ الاخوة يحْسدونه وَلاَ يُحبونهُ.
وَكَانَ يَعْقُوبُ لاَ يُرْسلُ يُوسفَ معَ الاخوة. وَكَانَ يُوسُفُ يَلْعَب مِعً أَخيهِ وَلاَ يَذهَبُ بَعِيداً، وكَان الاخوة يَعْرِفُونَ ذلِكَ، وَلكنهمْ عَزَمُوا عَلَى الشرِّ.
قَالُوا يَا أبَانَا لِماذَا لا ترسل مَعَنا يوسف؟ ماذَا تَخَاف!.
هُوَ أخونَا العَزِيزُ، وَأخُوْنا الصَّغيرُ ،وَنَحن أبنَاء أبًّ. والاخوة دَائماً يلعَبُون جَمِيعاً، فلماذا لاَ نَذهَبُ نَخنُ وَنَلْعب جَمِيعا؟
{ أرسله معنا غداً يرْتع وَيَلْعَب وَإنَّا لَهُ لَحافِظون}.وَكَان يَعْقُوبُ شيخا كَبِيرا، وَكَان يَعقُوب عَاقِلا حلِيما. وكان يَعقُوب لاَ يحبّ أَنْ يَبْعُدَ مِنهُ يوسفُ.وَكَانَ يَخاف عَلَى يوسُفَ كثيرْاً.
{أخاف أن يأكله الذئب وأنتمَ عَنهُ غافِلون }.
قالوا: أبَداً كيف يَأكُله الذِئب و نحن حَاضِونَ؟ وَكيفَ يَأكُلُه، وَنحن شبان أَقوِيَاء؟
وَأذنَ يَعْقوبُ ليُوسُفَ.
4- إلى الغاية إلى أعلى
وفَرح الاخوة كَثيرا لما أذن يَعقُوبُ ليوسفَ. وَذهَبوا إِلى غَابَة وَألقوا يوسفَ في بِئر في الغَابَةِ وَلَمْ يَرحموا يُوسفَ الصَّغيرِ ،وَلمْ يَرْحٌموا يَعْقوبَ الشَيخ الكبِيرَ.
وَكَانَ يُوسفُ وَلَداً صَغِيراً، وَكَانَ قَلبهُ صَغِيرا. وكانَتِ البِئرُ عَمِيقة، وَكَانَ البئر مظلمة وَكَانَ يوسف وَحِيداً.
وَلكن اللهَ بَشَّرَ يوسف وقال له : لا تخزن ولا تخف .إن الله معك ،وسيكون لك شأن .
سيحضر إليك الاخوة وتخبرهم بما فعلوه .
ولما فرغوا من شأنهم وألقوا يوسف في البئر اجتمعوا وقالوا : ماذا نقول لأبينا؟
قال بعضهم : كان أبونا يَقولُ أخافُ أن يأكلَهُ الذئب فَنَقُولُه صدقتَ يَا أبانَا قَد أَكَلَه الذئب ,وافق الاخوة على ذلك, و قالوا نعم نقول له أكله الذئب.
قال بعض الإخوان : ولكن ما آية ذلك ؟
قالوا :آية ذلك الدمُّ .
وأخَذَ الاخوة كَبْشاً وذبحوه .
وَأخذُوا قَميص يوسفَ وصَبَغوه .
وفَرح الاخوة جدًا : وقالوا الآن يصَدِّق أبُونَا.
5- أمام يعقوب إلى أعلى
{وجاءوا أباهم عِشَاءً تبْكونً }
{قالوا يا أبانا إنَّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب }.
{ وجاءوا على قميصه بدم كذب } وقالوا هذا دم يوسف !
وَكانَ أبو هم يعقوب نَبيًّا، وَكَانَ شيخا كَبِيراً.وَكَانَ أعقَل مِنْ أولادهِ.
وكَانَ يَعْقُوب يعرف أن الذئب إذا أكل إنسانا جرحه وشق قميصه .
وكَانَ قميص يوسف سَالِمًا. وكانَ مَصْبوغاً في الدّم فَعَرَفَ يَعقوب أنه دَم كَذب وأن قصةَ الذَئبِ قصةٌ مَوضوعَة .
فقَال لأَولاَده: بَلْ هذِهِ قِصَة وَضَعْتَمُوها {فَصبْرٌ جميل } وَحَزِنَ يَعْقوب عَلَى يوسف حزنا شَديداً ولكنه صَبر صَبْرا جَميلاً.
6- يوسف في البئر إلى أعلى
ورَجع الاخوة إلى البيت، وتركوا يوسف في البئر وأكل الاخوة الطعام ، وناموا على الفراش . ويوسف في البئر ، ولا فراش ولا طعام . ونسي الإخوان يوسف ، وناموا .
وما نام يوسف ، وما نسي أحداً .
وبقي يعقوب يذكر يوسف ، وبقي يوسف يذكر يعقوب .
وكان يوسف في البئر ، وكانت البئر عميقة .وكانت البئر في الغابة ، وكانت الغابة موحشة .وكان ذلك في الليل ، وكان الليل مظلمة.
7- من البئر إلى القصر إلى أعلى
وكانت جماعة تسافر في هذه الغابة .وعطشوا في الطريق ، وبحثوا عن بئر .ورأوا بئرا ، فأرسلوا إليها رجلا ليأتي لهم بالماء .
جاء الرجل إلى البئر ، وأدلى دلوه .
ونزع الدلو ، فإذا الدلو ثقيلة !
وأخرجها فإذا في الدلو غلام !
دهش الرجل ونادى .
{ يا بشرى هذا غلام }.
وَفَرِح الناسُ جدا وَأخْفَوْه.
وَوَصَلوا إلَى مِصْرَ، وَقاموا في السوق وَنَادَوا : منْ يَشترِي هذا الغلامَ؟ مَن يشتري هذا الغلامَ؟
اِشتَرَى العَزِيزُ يوسُفَ بِدَرَاهِمَ مَعْدودَةٍ .وَبَاعَهُ التُّجارُ وَمَا عَرَفُوا يوسف.
وَذَهَبَ بِهِ الْعَزِيزُ إٍلى قَصْرِهِ، وَقالَ لإمرَأَتِهِ أَكرمي يُوسُفَ، إِنَهَ وَلَد رشيد .
8- الوفاء و الأمانة إلى أعلى
وَراودت امرأةُ العَزِيزِ يوسف عَلَى الخيانة. ولكن يوسف أبى ، وقال : كلا !
أَنَا لا أَخُون سَيِّدي، انَّه أَحْسَنَ إليَّ وَأَكرمَني. إِنِّي أَخَافُ اللهَ.
وَغَضِبَتْ امرَأَةُ العَزيزِ وشَكَت إلى زَوْجِهَا. وَعَرفَ العَزِيز أَنَّ المَرْأة كَاذِبَة.
وَعَرف أن يوسُفَ أَمِينٌ .
فقَال لِزَوْجِهِ {إِنكِ كُنْت مِنَ الخاطِئِينَ}
وعُرِف يُوسفُ في مصْرَ بجَمَالِهِ، وَإِذا رآه أحد قالَ {مَا هذَا بَشَرا، إِنْ هذَا إلاَّ مَلَكٌ كريمٌ }. وًأشتدَّ غَضب المرأَةِ وَقَالَتْ لِيوسُفَ :
إذن تذهب إلى السجن!
قالَ يوسف {السجنُ أحَب إلَيَ }.
وبعدَ أيام رأى العزيز أن يُرْسِلَ يُوسُفُ إِلَى السِجْنِ .
وكان العزيز يعرف أن يوسف بريءٌ.
وَدَخَلَ يُوْسُفُ السِّجْنَ .
9- مَوْعِظَةُ السِّجْن إلى أعلى
وَدخَلَ يُوسف السِّجنَ، وعَرَفَ أهْل السجْنِ جَمِيعاً أن يوسُف شاب كَرِيم.
وأنّ يُوسف عِندَه عِلْمٌ عَظِيم.
وَأنَّ يوسُفَ فيِ صدرِهِ قلب رَحيم.
وَأَحب أهْلُ السِّجْنِ يُوسفَ وَأَكرَموهُ.
وَفَرِح النًاسُ بيوسفَ وَعَظَّموهُ.
ودخَلَ مَعَهُ السًجنَ رَجُلاَنِ وَقَصَّا عليه رؤياهما { وَقَالَ أَحَدُهما إِنِّي أَرَانِي أَعْصر خمرا }.
{وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه }.
وسألا يوسفَ عَن التأوِيل.
وَكانَ يُوْسُف عالِماً بتأويل الرُّؤْيَا.
وَكَانَ يوسفُ نَبيّا مِنَ الأنْبِيَاءِ.
وَكَانَ الناسُ في زمَانِهِ يَعبدونَ غَير الله.
ووضَعوا أَرْبَاباً كَثِيرَةً مِن عِنْد أنفُسِهِم.
وقالوا هذا ربُّ البر، وَهذَا ربُّ البَحرِ، وَهذَا رَبُّ الرزْقِ، وَهذَا رَبُّ المَطَر.
وكَانَ يوسُفُ يَرَى كُلَّ ذلكَ وَيضحَكُ.
وَكَانَ يوسفُ يَعْلَم كلَّ ذلك وَيبكي.
وَكَانَ يوسفُ يريد أَن يَدعوهُمْ إِلَى الله.
وقَد أرَادَ الله أنْ يَكُون ذلك في السجنِ .
ألا يستحق أهل السجن الموعظة؟
ألا يستحق أهل السجن الرحمة ؟
أليس أهل السجن عباد الله؟
أليس أهل السجن بني آدم ؟
كَانَ يُوسف في السِجْن وَلكنه كانَ حرًا جَرِيئا.
كان يوسُف فَقِيرا وَلكِنّهُ كانَ جَوَادًا سَخِيًا.
إنَّ الأنْبِيَاء يَجْهَرُونَ بِالحَقِّ في كُل مَكان.
إن الأنبِياء يجودُونَ بِالخَيرِ في كل زمان.
10- حكمة يوسف إلى أعلى
قَالَ يُوسفُ في نَفسِهِ:
إنَّ الحَاجةَ سَاقت الرَّجُلَين إليَّ.
وَإنَّ صَاحب يلين ويخضع .
وإن صاحب الحاجة يطيع ويسمع.
فلو قلت لهما شيئا لسمعا وسمع أهل السجن ولكن يوسف لم يستعجل .
بل قال لهما :
أنا أخبركما بتـأويل الرؤيا قبل أن يأتيكما طعامكما .فجلسا واطمأنا
ثمَّ قال لهما يوسف :
أنا عَالِمٌ بتَأوِيل الرُّؤْيَا، {ذلِكُما مِمَّا علّمَني ربي }ففرح واطمأنا .
وهنا وَجَدَ يُوسُف الفرْصةَ فبَدأ مَوْعِظَته.
11- موعظة التوحيد إلى أعلى
قَال يوسف{ ذلكما مما علمني ربي } .
ولكن الله لا يؤتي علمه كل أحد .
إن الله لا يؤتي علمه المشرك .
هل تعرفان لماذا علمني ربي ؟
لأنَي تَرَكت طريق أهل الشرك.
{وَأتَبّعْت مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهيمَ وَإسْحاقَ ويعقوب }.
{مَا كانَ لنا أنْ نُشْرِكَ بِاللهِ من شَيءٍ }.
قال يوسف :
وَهذَا التَّوْحِيدُ لَيسَ لنَا فَقَطْ.
بَل هُوَ لِلناسِ جَمِيعاً.
{ذلك من فضل الله عَلَيْنَا وَعَلى الناسِ وَلكن أَكثرَ الناس لا يشكرون }.
وهُنَا وَقَف يوسُفُ وسألهما .
تَقُولُون ربُّ البَر وَرب الْبَحْرِ وَرَب الرزْقِ وَرَبُّ المَطَرِ.
ونحن نقول ربُّ العاَلمينَ.
{ءارباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.
أين رب البر ورب البحر ورب الرزق ورب المطر ؟
{ أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات} .
انظروا إلى الأرض وإلى السماء وانظروا إلى الإنسان .
{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } .
وكيف رب البر ورب البحر ورب الرزق ورب المطر ؟
{ أسماء سميتموها أنتم وآبائكم }.
الحكم لله ، والملك لله ، الأرض لله ، الأمر لله .
{ألا تعبدوا إلا إياه}.
{ ذلك الدين القيم }.
{و لكن أكثر الناس لا يعلمون }.
12- تأويل الرؤيا إلى أعلى
ولما فرغ يوسف من موعظته أخبرهما بِتأوِيلِ الرؤيا،قال : { أما أحدكما فيسقي ربه خمرا }.
{وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه }.
وَقَالَ لِلأول { اذكرني عند ربك }.
وَخرَجَ الرجلاَنِ، فَكَانَ الأَوّل ساقيا للمَالِكَ وصُلِبَ الآخَرُ.
وَنَسِيَ الساقي أَن يَذْكرَ يُوسُفَ عِندَ المَلِكِ.
وَأَقَامَ يُوسُف فيِ السجْن سِنِينَ.
13- رؤيا الملك إلى أعلى
وَرَأَى مَلِك مِصر رؤيَا عجِيبَة.
رأى في المنام سبع بقرات سمان .
ويأكل هذه البقرات سبع بقرات عجاف.
ورأى الملك سبع سنبلات خضر وسبع سنبلات يابسات.
تَعَجَّبَ الملكُ من هذه الرؤيا العجيبة وسأل جلساءه عن التأويل .
قَالُوا : هذَا ليس بِشَيْء، النَّائمُ يَرَى أَشياء كثيرَةً لا حقيقة لَهَا.
ولكن قال السَّاقي: لا, بل أخبركم بتأويلهذِهِ الرُّؤيَا.
وذَهَبَ الساقي إلَى السِّجْن وسأل يوسفَ عَنْ تأوِيلَ رؤيَا الملِكَ.
كان يوسُف جَوَاداً كَريماً مُشْفِقًا عَلى خَلق الله فأخبره بالتأويل .
وَكان يوسف جَوَادًا كَرِيما لاَ يَعْرِفُ البخل .
فأخبر يوسف بِالتأوِيلِ وَدل عَلَى التدبيرِ.
قَال تزْرَعون سبع سِينَ، واتركوا ما حصدتم في سنبله إلا قليلا مما تأكلونَ.
وَيَكُونُ بعدَ ذلكَ قَحْط عَام تَأكلون فِيهِ مَا خَزَنْتم إِلا قَلِيلاً.
وَيَطُول هذا الْقَحْطُ إلى سبع سنين .
وبَعْدَ ذلك يأتي النصر ويخصب الناس .
وذهب الساقي وأخبر الملك بتأويل رؤياه .
14- الملك يرسل إلى يوسف إلى أعلى
وَلَمّا سَمعَ الملِكُ هذَا التأويلَ والتدبير فَرِحَ جدا، وَقالَ: مَنْ صَاحِبُ هذا التأويل؟
وَقالَ الملك: من هذا الرجل الكريم الذي نصح لنا ودل على التدبير؟
قال الساقي : هذا يوسف الصديق وهو الذي أخبر أني سأكون ساقيا لسيدي الملك.
واشتاق الملك إلى لقاء يوسف ، وأرسل إلى يوسف وقال الملك { ائتوني به أستخلصه لنفسي }.
15 – يوسف يسأل التفتيش إلى أعلى
ولَمَّا جَاءَ الرسُول إلى يوسف وقال له إن الملك يدعوك !
ما رضي يوسف أن يخرج من السجن هكذا . ويقول الناس هذا يوسف ! هذا كان أمس في السجن ،إنه خان العزيز.
إن يوسف كان كبير النفس أبيا، إن يوسف كان كبير العقل ذكيا .
ولو كان أحد مكان يوسف في السجن وجاءه رسول الملك .
وقال له رسول الملك إن الملك يدعوك وينتظرك لأسرع هذا الرجل إلى باب السجن وخرج .
ولكن يوسف لم يسرع .
ولكن يوسف لم يستعجل .
بل قال لرسول الملك : أنا أريد التفتيش أنا أريد البحث عن قضيتي .
وسأل الملك عن يوسف وعلم الملك وعلم الناس ِ أنَّ يُوسُفَ بَرِيء.
وَخَرج يُوسفُ بَريئاً وأَكْرَمَه الملك.
16- على خزائن الأرض إلى أعلى
وكان يوسف يعلم أن الأمانة قليلة في الناس .
وكان يوسف يعلم أن الخيانة كثيرة في الناس .
وكان يوسف يرى أن الناس يخونون في أموال الله.
وكان يرى أن في الأرض خزائن كثيرة ولكنها ضائعة.
إنها ضائعة لأن الأمراء (1) لا يخافون الله فيها . فتأكل كلابهم ولا يجد الناس ما يأكلون. وتلبس بيوتهم ولا يجد الناس ما يلبسون .
وَلا ينفع الناس بخزائن الأرض إلا من كان حفيظا عليما .
ومَنْ كانَ حفيظا وما كان عليما لا يعلم أين خزائن الأرض وكيف ينتفع بها .
ومن كان عليما وما كان حفيظا يأكل منها ويخون فيها .
وكان يوسف حفيظا عليما .
وَكَانَ يوسُف لا يريد أَنْ يترك الأمراء يأكلون أموال الناس .
وَكَانَ يُوسُفُ لاَ يَقْدِر أن يرى الناس يجوعون ويموتون .
وكانَ يوسفُ لاَ يَسْتَحي مِنَ الحق .
فَقَالَ لِلْمَلِك.
{اِجْعَلْني عَلَى خَزَائِنِ الأرضِ إني حَفِيظ عَلِيم}.
وهكذا كان يوسف أمينا لخزائن مصر.
واستراح الناس جدا وحمدوا الله .
17- جاء إخوة يوسف إلى أعلى
وَكَانَ في مِصْرَ والشام مَجَاعَة كما أخبر يوسف . وسمع أهل الشام وسمع يعقوب أن في مصر رجلا رحيما . وأن في مصر جوادا كريما ، وهو على خزائن الأرض .
وكان الناس يذهبون إليه ويأخذون الطعام (2) وأرسل يعقوب أبناءه إلى مصر بالمال ليأتوا بالطعام .
وبقي بنيامين عند والده لأن يعقوب كان يحبه جدا وما كان يريد أن يبعد عنه وكان يعقوب يخاف عليه كما كان يخاف على يوسف.
وتوجه إخوة يوسف إلى يوسف وهم لا يعرفون أنه أخوهم يوسف .
وهم لا يعرفون أنه يوسف الذي كان في البئر .
وهم يظنون أنه قد مات .
وكيف لا يموت وقد كان في البئر .
كان في البئر وكانت البئر عميقة .
وكانت البئر في الغابة وكانت الغابة موحشة .
وكان ذلك في الليل ، وكان الليل مظلما .
{ وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون }.
كانوا منكرين ليوسف لا يعرفونه ،ولكن ما أنكرهم يوسف بل عرفهم .
عرف يوسف أن هؤلاء هم الذين ألقوه في البئر . وأن هؤلاء هم الذين كانوا يريدون قتله ولكن الله حفظه .
ولكن يوسف لم يقل لهم شيئا ولم يفضحهم .
18- بين يوسف وإخوته إلى أعلى
وكلمهم يوسف وقال لهم :
من أين أنتم ؟
قالوا : من كنعان !
قَالَ: من أبوكم ؟
قَالوا: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ( عليهم الصلوات والسلام )
قال : هَل لَكَمْ أَخ آخَرُ؟
قَالوا: نعم لنا أخ اسمه بنيامين !
قالَ: لَماذا ما جَاءَ مَعَكُم؟
قالوا : لأن والدنا لا يتركه ولا يحب أن يبعد عنه.
قال :لأي شيء لا يتركه هل هو ولد صغير جدا ؟
قالوا : لا : ولكن كان له أخ اسمه يوسف ، ذهب معنا مرة ، وذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب .
وضحك يوسف في نفسه ولكن لم يقل شيئا واشتاق يوسف إلى أخيه بنيامين .
وأراد الله أن يمتحن يعقوب مرة ثانية .
فأمر لهم يوسف بالطعام .
وقال لهم : { ائتوني بأخ لكم من أبيكم }.
ولا تجدون طعاما إذا لم تأتوا به .
وأمر يوسف بمالهم فوضع في متاعهم .
19- بين يعقوب وأبنائه إلى أعلى
وَرجَعُوا إِلى أبِيهِمْ وَأخبروهُ بِالخبرِ وَقالُوا لَه: أَرسلْ معنا أخاَنَا، وَإلا لاَ نَجِد خَيرا عنْدَ العَزيز.
وطلبوا من يعقوب بنيامين وَقَالُوا: {إنَّا لَه لَحَافِظُون}. قال يعقوب : { هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل }.
هل نسيتم قصة يوسف . أتحفظون بنيامين كما حفظتم يوسف .
{ فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين}.
ووجدوا مالهم في متاعهم فقالوا لأبيهم : إن العزيز رجل كريم ، قد رد مالنا ولم يأخذ منا ثمنا.
أرسل معنا بنيامين نأخذ حقه أيضا .
قال لهم يعقوب لن أرسله معكم حتى تعاهدوا اللهَ أنَكُم تَرجعُونَ بِهِ إلا أن تغلبوا على أمركم .
وَعَاهَدوا الله وَقَال يَعْقوبُ: {اللهُ عَلى مَا نَقُولُ وكيل}.
وَقالهَ يَعقُوبُ لبنيه :{ يَا بَنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة }.
20 – بنيامين عند يوسف إلى أعلى
ودخل الإخوة من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ووصلوا إلى يوسف .
وَلمَّا رأى يوسف بنيامين فرح جدا وأنزله في بيته .
وقال يوسف لبنيامين { إني أنا أخوك} واطمأن بنيامين . ولقي يوسف بنيامين بعد زمن طويل. فذكر أمه وأباه وذكر بيته وذكر صغره .
وأراد يوسف أن يبقى عنده بنيامين يراه كل يوم ويكلمه ويسأله عن بيته .
ولكن كيف السبيل إلى ذلك ، و بنيامين راجع غدا إلى كنعان ؟
وكيف السبيل إلى ذلك و الإخوة عاهدوا الله على أن يرجعوا به معهم ؟
وكيف يمكن ليوسف أن يحبس بنيامين عنده كنعانيا بغير سبب , إن هذا لظلم عظيم. ؟
ولكن يوسف كان ذكيًّا عاقلا .
كان عند يوسف إناء ثمين ، وكان يشرب فيه . ووضع هذا الإناء في متاع بنيامين وأذن مؤذن إنكم لسارقون .
والتفت الإخوة ، وقالوا ماذا تفقدون ؟
قالوا نفقد صواع ” إناء” الملك ، ولمن جاء به حمل بعير .
{ قالوا تا الله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين }!
{ قالوا فما جزاءه إن كنتم كاذبين }؟
{ قالوا جزاءه من وجد في رحله فهو جزاءه كذلك نجزي الظالمين }!
وخرج الإناء من متاع بنيامين فخجل الإخوة ولكن قالوا من غير خجل :
إن يسرق ” بنيامين” فقد سرق أخٌ له ” يوسف ” من قبل . وسمع
يوسف هذا البهتان فسكت ولم يغضب وكان يوسف كريما حليما .
{قَالُوا يَا أيها العَزِيزُ إن لَه أَبًا شَيْخاً كَبيراً فَخْذ أَحَدَنَا مَكانَهُ إناَّ نراكَ منَ المحسنين }.
{قال معاد الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذا لظالمون }.
و هكذا بقي بنيامين عند يوسف و فرح الإخوان جميعا.
إن يوسف كان وحيدا مند زمن طويل لا يرى أحد من أهله.
و قد ساق الله إليه بنيامين أفلا يحبسه عنده يراه و يكلمه. و هل من الظلم أن يقيم أخ عند أخيه. أبدا؟
21 – إلى يعقوب إلى أعلى
و تحيرى الإخوة كيف يرجعون إلى أبيهم؟!
و فكل الإخوة ماذا يقولون لأبيهم؟!
إنهم فجعوه أمس في يوسف, أفيفجعونه اليوم في بنيامين!
أما كبيرهم فأبى أن يرجع إلى يعقوب و قال لإخوته:
{ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق و ما شهدنا إلا بما علمنا و ما كنا للغيب حافظين }.
و لما سمع يعقوب القصة علم أن لله يدا في ذلك. و أن الله ممتحه.
أمس فجع في يوسف و اليوم يفجع في بنيامين إن الله لا يجمع عليه مصيبتين, إن الله لا يفجعه في ابنين.
إن الله لا يفجعه في ابنين كيوسف و بنيامين.
إن لله في ذلك يدا خفية.
إن لله في ذلك حكمة مخفية.
إن الله لم يزل يمتحن عباده ثم يسرهم و ينعم عليهم.
ثم إن الابن الكبير بقي في مصر أيضا وأبى أن يرجع إلى كنعان .
أفيفجع في الثالث أيضا وقد فجع من قبل في اثنين . إن هذا لا يكون .
وهنا اطمأن يعقوب وقال :
{ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم }
22- يظهر السر إلى أعلى
ولكن يعقوب كان بشرا في صدره قلب بشر لا قطعة حجر .
فذكر يوسف وتجدد حزنه وقال : { يا أسفى على يوسف }.
ولامه أبناءه وقالوا إنك لا تزال تذكر يوسف حتى تهلك.
قال يعقوب : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون }.
وكان يعقوب يعلم أن اليأس كفر، وكان يعقوب له رجاء كبير في الله .
وأرسل يعقوب أبناءه إلى مصر ليبحثوا عن يوسف بنيامين ويجتهدوا في ذلك .
ومنعهم يعقوب من أن يقنطوا من رحمة الله، وذهب الإخوة إلى مصر مرة ثالثة .
ودخلوا على يوسف وشكوا إليه فقرهم ومصيبتهم وسألوه الفضل .
وهنا هاج الحزن والحب في يوسف ولم يملك نفسه .
أبناء أبي وأبناء الأنبياء يشكون فقرهم ومصيبتهم إلى ملك من الملوك.
إلى متى أخفي الأمر عنهم وإلى متى أرى حالهم وإلى متى لا أرى أبي ؟
لم يملك يوسف وقال لهم .
{هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون }. وَكاَنَ الإخوة يعلمون أن هذا السر لا يعلمه إلا يوسف ونحن .
فعلموا أنه يوسف .
سبحان الله ! هل يوسف حي ،أما مات في البئر . يا سلام ! هل يوسف هو عزيز مصر ؟
هُوَ الذي كان يَأمُرُ لَنَا بالطعام؟
وما بقي عندهم شك أن الذي يكلمهم هو يوسف بن يعقوب !
{قالوا أءنك لأنت يوسف}.
قَال: {أنَا يوسُفُ وَهذَا أخي ، قَدْ منَّ الله علينا إنَّهُ منْ يَتَّق وَيَصبر فَإنَّ اللهَ لا يضيع أَجر المحْسِنين}.
{ قالوا تا الله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين}. وما لامهم يوسف على فعلتهم ، بل قال : {يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرحَمُ الراحمين} .
23- يوسف يرسل إلى يعقوب إلى أعلى
واشتاق يوسف إلى لقاء يعقوب ،وكيف لا يشتاق إليه وقد طال الفراق .
و لماذا يصبر الآن وقد ظهر السر .
وكيف يطيب له الشراب والطعام وأبوه لا يطيب له شراب ولا طعام ولا منام .
قد انكشف السر ، وقد ظهر السر ، وقد أراد الله أن تقر عين يعقوب
وكان يعقوب قد عمي من كثرة البكاء والخزن
فقال يوسف :
{اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ، وأتوني بأهلكم أجمعين}.
24- يعقوب عند يوسف إلى أعلى
ولما سار الرجال بقميص يوسف إلى كنعان ، أحس يعقوب رائحة يوسف، وقال : { إني لأجد رائحة يوسف}.
{قَالُوا تا الله إِنَّكَ لَفي ضَلاَلِكَ القدِيمِ}.
وَلكِنْ كَانَ يَعقوبُ صَادقاَ، {فَلَما أَنْ جَاءَ الْبَشِير ألقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارتَدَّ بَصِيرا، قَالَ ألَم أقلْ لكَمْ إني أعْلَمُ مِن اللهِ مَالاَ تَعْلَمون}.
{قَالُوا يَا أبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنوبَنَا إنَّا كُنَّا خاطِئِين}.
{قَالَ سَوف أستَغفِر لَكُم ربي إنه هو الغفور الرَحِيمُ}.
ولما وصل يعقوب إلى مصر استقبله يوسف ولا تسأل عن فرحهما وسرورهما .
وكان يوما مشهودا في مصر وكان يوما مباركا . ورفع يوسف أبويه على العرش ووقعوا كلهم سجدا ليوسف .
وقال يوسف : { هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا }.
{إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين }.
وحمد يوسف الله حمدا طيبا كثيرا .
وشكر يوسف على ذلك شكرا عظيما .
وبقي يعقوب وآل يعقوب في مصر زمنا طويلا . ومَات يَعْقوب وَزَوْجهُ في مصر.
25 – حسن العاقبة إلى أعلى
ولم يشغل يوسف هذا الملك العظيم عن الله ولم يغيره .
وكان يوسف يذكر الله ويعبده ويخافه .
وكان يوسف يحكم بحكم الله وينفذ أوامر الله.
وكان يوسف لا يرى الملك كثيرا ولا يعده شيئا كبيرا وكان يوسف لا يحب أن يموت موت ملك و يحشر مع الملوك.
بل كان يوسف يحب أن يموت موت عبد ويحشر مع الصالحين .
وكان دعاء يوسف :
{ربِّ قَد آتَيْتني مِن الملكِ وَعَلّمتَني مِن تأوِيل الأحاديث، فَاطِرالسماواتِ وَالأرْض أنْتَ وَلِي في الدنيَا وَالآخِرَةِ تَوفني مُسْلِماً و ألحقني بالصَّالحِينَ}.
و توفَّاهُ الله مُسْلِما وَألحقَهُ بِآبَائِهِ إِبراهيمَ وإسحاق ويعقوبَ صَلَّى الله عَليهِم وَعلى نَبِينَا و سلم.