
اهمية اخراج زكاة الفطر !!!
الشكر لله العليم الحكيم، العلي الهائل، خلق جميع الأشياء فقدره تقديرا، وأحكم شرائعه بفائق حكمته إخطارا للخلق وتبصيرا، أحمده على صفاته التامة، وأشكره على آلائه السابغة، وأشهد أن لا إله سوى الله وحده لا شريك له، له الملك وله الشكر وهو على جميع الأشياء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير، وسلم تسليما.
إخواني: إن شهركم الكريم قد عزم على الرحيل ولم يبق منه سوى الزمان اليسير، فمن كان منكم محسنا فليحمد الله على هذا وليسأله الموافقة، ومن كان منكم مهملا فليتب إلى الله وليعتذر من تقصيره، فالعذر قبل الوفاة مقبول.
إخواني: إن الله شرع لكم في اختتام شهركم ذلك أن تؤدوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد، وسنتكلم في ذلك المجلس عن حُكْمها وحكمتها وجنسها ومقدارها ووقت وجوبها ودفعها ومكانها.
فأما حكمها فإنها فريضة فرضها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وما فرضه النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر به فله حكم ما فرضه الله سبحانه وتعالى أو أمر به، أفاد الله سبحانه وتعالى: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [ النساء: 80 ]، وتحدث تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء: 115 ]، وتحدث تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [ الحشر: 7 ]. وهى فريضة على الهائل والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين، صرح عبد الله بن عمر رضي الله سبحانه وتعالى عنهما: « فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تتجاوز أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين » (1).
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن لكن يتطوع بها فلا بأس، فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله سبحانه وتعالى عنه يخرجها عن الحمل، ويجب إخراجها عن ذاته وايضاً عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إن لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلا، ولا تجب سوى على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد سوى أدنى من صاع أخرجه لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن: 16 ]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » (2).
وأما حكمتها فظاهرة للغاية، ففيها إحسان إلى المعدمين وكف لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به ويكون عيدا للجميع، وفيها الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة، وفيها تنظيف الصائم الأمر الذي يحصل في صيامه من ندرة ولغو وإثم، وفيها توضيح إمتنان نعمة الله بإتمام صوم شهر رمضان وقيامه وفعل ما تَيَسَّر من الأفعال الصالحة فيه.
وعن ابن عباس رضي الله سبحانه وتعالى عنهما صرح: « فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها عقب الصلاة فهي صدقة من الصدقات » (3).
وأما جنس اللازم في الفطرة فهو طعام الآدميين من تتجاوز أو بُرٍّ أو رز أو زبيب أو أقط أو غيرهما من طعام بني آدم، فعن ابن عمر رضي الله سبحانه وتعالى عنهما صرح: « فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تتجاوز أو صاعا من شعير » (4)، وقد كان الشعير يومذاك من طعامهم كما أفاد أبو سعيد الخدري رضي الله سبحانه وتعالى عنه: « كنا نُخْرِج يوم الفطر في فترة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام وقد كان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر » (5).
فلا يجزئ إخراج طعام البهائم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين لا للبهائم.
ولا يجزئ إخراجها من الثياب والفرش والأواني والأمتعة وغيرها الأمر الذي إلا طعام الآدميين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها من الغذاء فلا تتعدى ما عيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يجزئ إخراج مقدار الغذاء؛ لأن هذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استقر عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفاد: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ »، وفي حكاية: « من أجدد في أمرنا ذلك ما ليس منه فهو رد » (6)، ومعنى رَدّ: عائد، ولأن إخراج المقدار مخالف لعمل الصحابة رضي الله سبحانه وتعالى عنهم، حيث كانوا يخرجونها صاعا من طعام، وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » (7)، ولأن زكاة الفطر عبادة من جنس محدد فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس، كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عينها من أجناس غير مشابهة وأقيامها غير مشابهة كثيرا ما، فلو كانت المقدار معتبرة لكان اللازم صاعا من جنس وما يقابل ثمنه من الأجناس الأخرى، ولأن إخراج المقدار يُخْرِج الفطرة عن كونها منسك ظاهرة إلى كونها صدقة خفية، فإن إخراجها صاعا من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين معلومة للصغير والكبير يرون كَيْلها وتوزيعها ويتعارفونها بينهم بعكس ما لو كانت دراهم يُخْرِجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ.
وأما كمية الفطرة فهو صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصل وزنه بالمثاقيل أربعمائة وثمانين مثقالا من البر الجيد، وبالغرامات كيلوين اثنين وخُمُسَيْ عُشْر كيلو من البر الجيد، وهذا لأن زنة المثقال أربعة عقوبات مالية وربع، فيكون مِقدار أربعمائة وثمانين مثقالا ألفي غرام وأربعين غراما، فإذا أراد أن يعلم الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراما من البر ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم يكيل به.
وأما وقت ضرورة الفطرة فهو غروب الشمس ليلة العيد، فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا، وعلى ذلك فإذا وافته المنية قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب الفطرة، وإن توفي بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته، ولو وُلِدَ فرد في أعقاب الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته، إلا أن لا بأس بإخراجها كما في مرة سابقة، وإن وُلِدَ قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه.
وإنما كان وقت وجوبها غروب الشمس من ليلة العيد لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وهي مضافة إلى هذا فإنه يقال: زكاة الفطر من رمضان، فكان مناط الحكم هذا الوقت.
وأما زمن دفعها فله وقتان: وقت فضيلة ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة: فهو فجر العيد قبل الصلاة لحديث والدي سعيد الخدري رضي الله سبحانه وتعالى عنه أفاد: « كنا نُخْرِج في فترة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام » (8)، وعن ابن عمر رضي الله سبحانه وتعالى عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة » (9).
ولذلك كان من الأمثل تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة.
وأما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو 48 ساعةٍ، فعن مفيد صرح: كان ابن عمر يمنح عن الضئيل والكبير حتى إن كان يمنح عن بنِيَّ، وقد كان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يُعْطَوْن قبل الفطر بيوم أو 48 ساعةٍ (10).
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن شقيقَّرها عن صلاة العيد بدون عذر لم تُقْبَل منه لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد في وقت سابق من عصري ابن عباس رضي الله سبحانه وتعالى عنهما « أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها عقب الصلاة فهي صدقة من الصدقات»
أما إن أخرها لعذر فلا بأس، مثل أن يصادفه العيد في البَر ليس عنده ما يدفع منه أو ليس عنده من يدفع إليه، أو يجيء نبأ ثبوت العيد مفاجئا بحيث لا يستطيع من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمدا على فرد في إخراجها فينسى أن يُخْرِجها فلا بأس أن يخرجها ولو عقب العيد لأنه معذور في هذا.
والواجب أن تبلغ إلى مستحقها أو وكيله في زمانها قبل الصلاة، فلو نواها لشخص ولم يصادفه ولا وكيله وقت الإخراج فإنه يدفعها إلى مستحق آخر ولا يؤخرها عن زمانها.
وأما مقر دفعها فتدفع إلى مفلسين الموضع الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان محل معيشته أو غيره من بلاد المسلمين، لا سيما إن كان مكانا فاضلا كمكة والمدينة، أو كان فقراؤه أقوى عوز، فإن كان في بلد ليس فيها من يدفع إليه، أو كان لا يعلم المستحقين فيه وَكَّلَ من يدفعها عنه في موضع مستحِقٍّ.
والمستحقون لزكاة الفطر هم المفلسين، ومن عليهم ديون لا يمكنهم وفاءها فيُعْطَوْن منها بمقدار حاجتهم، ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير، ويجوز صرف علب من الفِطر إلى مسكين واحد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدَّر اللازم ولم يقدر من يُدْفَع إليه، وعلى ذلك لو جمع جماعة فطرهم في حاوية واحد عقب كيلها وصاروا يدفعون منه بدون كيل ثانٍ أجزأهم هذا، ولكن ينبغي إخبار الفقير بأنهم لا يعلمون حجم ما يدفعون إليه لئلا يغتر به فيدفعه عن ذاته وهو لا يدري عن كيله، ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من فرد أن يدفعها عن ذاته أو واحد من من أسرته إذا كالها أو أخبره دافعها أنها كاملة ووثق بقوله.
اللهم وفقنا للقيام بطاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا، وزَكِّ نفوسنا وأقوالنا وأفعالنا وطهِّرنا من سوء العقيدة والقول والعمل، إنك جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(1) متفق عليه. البخاري (١٤٤٠) ، مسلم الزكاة (٩٨٤).
(2) متفق عليه. البخاري (٦٨٥٨) ، مسلم (١٣٣٧).
(3) رواه أبو داود (١٦٠٩) ، (ابن ماجه (١٨٢٧) ، وأخرجه أيضاً الدارقطني والوالي وصححه.
(4) متفق عليه. البخاري (١٤٤٠)، مسلم (٩٨٤).
(5) رواه البخاري (١٤٤٠).
(6) رواه مسلم وأصله في الصحيحين.
(7) رواه أحمد (٤/١٢٦ )، والترمذي العلم (٢٦٧٦)، وابن ماجه المقدمة (٤٤). وتحدث الترمذي: حسن صحيح، وتحدث أبو نعيم: عصري جيد من صحيح عصري الشاميين.
(8) رواه البخاري (١٤٣٩).
(9) رواه البخاري (1438).
(10) رواه البخاري (1511).
الحَمدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أجمَعِينَ.
أمَّا بَعدُ:
فَهذِهِ رِسَالَةٌ مُختَصَرَةٌ فِي «أحكَامِ زَكَاةِ الفِطرِ» نُقَدِّمهَا لِلإخوَةِ رَجَاءَ تَعلُّمِهَا وَالاستِفَادَةِ مِنهَا، رَاجِينَ المَولَى – عز وجل – التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ بِالقَولِ وَالعَمَلِ؛ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ.
زَكَاةُ الفِطرِ:
هِي الَّتِي تَجِبُ بِالفِطْرِ مِن صِيَامِ رَمَضَان.
وَقَد شَرَعَ اللهُ تَعَالَى بِفَضلِهِ وَمَنِّه فِي آخِرِ شَهرِ رَمَضَانَ زَكَاةَ الفِطرِ؛ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ الرَّفَثِ وَاللَّغوِ فِي هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ، وَأضِيفَت إلَى الفِطْرِ؛ لأنَّهُ سَبَبُهَا كَما يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَعضُ رِوَايَاتِ البُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ: «فَرضَ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ».
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَر : (3/367): «أُضِيفَت الصَّدَقَةُ للفِطْرِ؛ لِكَونِهَا تَجِبُ بِالفِطْرِ مِن رَمَضَانَ».
حُكمُهَا:
وَالصَّحِيحُ: أنَّهَا فَرضٌ لِقَولِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – وَغَيرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ رَوَوا حَدِيثَ زَكَاةِ الفِطرِ: «فَرضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطْرِ».
وَمَعنَى فَرَضَ؛ أي: ألزَمَ وَأوجَبَ، وَنَقَلَ أهْلُ العِلمِ الإجمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
حِكْمَتُهَا وَمَشرُوعِيَّتُهَا:
مِن حِكمَتِهَا: الإحْسَانُ إلَى الفُقَرَاءِ، وَكَفُّهُم عَنِ السُّؤَالِ فِي أيَّامِ العِيدِ لِيُشَارِكُوا الأغنِيَاءَ فِي فَرَحِهِم وَسُرُورِهِم لِيَكُونَ عِيدًا لِلجَمِيعِ.
وَفِيهَا الاتِّصَافُ بِخُلقِ الكَرَمِ وَحُبِّ المُوَاسَاةِ، وَفِيهَا تَطهِيرُ الصَّائِمِ مِمَّا يَحصُلُ فِي صِيَامِهِ، مِن نَقصٍ وَلَغوٍ وَإثْمٍ، وَفِيهَا إظهَارُ شُكرِ نِعمَةِ اللهِ لإتْمَامِ صِيَامِ شَهرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ وَفِعلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الأعمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.
جَاءَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»([1]).
قَولُهُ: «طُهرَةً»: أي: تَطهِيرًا لِلنَّفسِ مِنَ الآثَامِ.
وَقَولُهُ: «اللَّغو»: مَا لَا يَنعَقِدُ عَلَيهِ القَلْبُ مِنَ القَوْلِ وَهُو مَا لَا خَيرَ فِيهِ مِنَ الكَلَامِ.
وَقَولُهُ: «وَالرَّفَثُ»: هُوَ كُلُّ مَا يُستَحَى مِن ذِكرِهِ مِنَ الكَلَامِ، وَهُو الفَاحِشُ مِنَ الكَلَامِ.
قَولُهُ: «وَطُعمَة»: بِضمِّ الطَّاءِ؛ وَهُوَ الطَّعَامُ الذِي يُؤكَلُ.
قَولُهُ: «مَن أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ»: أي قَبلَ صَلَاةِ العِيدِ.
قَولُهُ: «فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ»: المُرَادُ بِالزَّكَاةِ صَدَقَةُ الفِطرِ.
قَولُهُ: «صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»: يَعنِي التِي يٌتَصَدَّقُ بِهَا فِي سَائِرِ الأوقَاتِ.
عَلَى مَن تَجِبُ؟
عَلَى المُسلِمِ المُستَطِيعِ الذِي يَملِكُ مِقدَارَ الزَّكَاةِ زَائِدًا عَن حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أهلِهِ يَوْمًا وَلَيلَةً، وَإنْ لَم يَكُنْ عِندَهُ إلَّا مَا يَكفِي أهلَهُ فَقَطْ؛ فَلَيسَ عَلَيهِ شَيءٌ.
قال صديق حسن خان في ((الروضة الندية)) (1/519): «فَإِذَا مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ أَخْرَجَ الفِطْرَةَ إِن بَلَغَ الزَّائِدُ قَدْرَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ تَحْرِيمُ السُّؤَالِ عَلَى مَن مَلَكَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ».
عَمَّن تُؤدَّى الزَّكَاةُ؟
وَيُؤدِّي الرَّجُلُ الزَّكَاةَ عَنهُ وَعَمَّن تَكفَّلَ بِنَفَقَتِهِ وَلَابُدَّ لَهُ مِن أنْ يُنفِقَ عَلَيهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: «أمَرَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِصَدَقَةِ الفِطرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالحُرِّ وَالعَبدِ مِمَّن تَمُونُونَ»([2]).
وَلَا يَجبُ فِي جَنِينِ الحَامِلِ؛ لأنَّهُ لَيسَ مِن أهْلِ رَمَضَانَ حَقِيقَةً،
وَلَا يَجِبُ فِي الخَادِمِ؛ لأنَّهُ لَيسَ مِمَّنْ تَكَفَّلَ المُزَكِّي نَفَقَتَهُ أوْ مَعِيشَتَهُ.
تَنبِيهٌ:
وَيَتَعَلَّقُ وجُوبُ الزَّكَاةِ بِوَقتِ غُروبِ الشَّمسِ فِي آخِرِ يَومٍ مِن رَمَضَانَ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: «أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَرَضَ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ»([3]).
وَيَتَحَقَّقُ رَمَضَانُ بِدُخُولِ الشَّهرِ إلَى غُروبِ الشَّمسِ لَيلَةَ العِيدِ، فَمَنْ رُزِقَ بِوَلَدٍ أوْ تَزَوَّجَ أوْ أسْلَمَ قَبلَ الغُروبِ؛ فَإنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَأمَّا مَن رُزِقَ بِوَلَدٍ أوْ تَزَوَّجَ أوْ أسْلَمَ بَعْدَ الغُروبِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ.
مَتَى تُدْفَعُ الزَّكَاةُ أوْ تُرسَلُ؟
وَقْتُ الجَوَازِ: قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أوْ يَومَينِ، فَقَدْ جَاءَ عَنِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: «أنَّهُمْ كَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أوْ يَومَينِ»([4]).
وَقْتُ الفَضِيلَةِ:
فِي صَبَاحِ العِيدِ قَبلَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ جَاءَ عَنِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: «أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ أنْ تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»([5]).
وَقَولُهُ: «وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»؛ يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُبَادَرَةَ بِهَا هِيَ المَأمُورُ بِهَا، وَلِهَذَا يُسَنُّ تَأخِيرُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الفِطرِ لِيَتَّسِعَ الوَقْتُ عَلَى مَنْ أرَادَ إخْرَاجَهَا، كَمَا يُسَنُّ تَعجِيلُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الأضْحَى لِيَذهَبَ النَّاسُ لِذَبحِ أضَاحِيهِم وَيَأكُلُوا مِنهَا.
تَنبِيهٌ:
أمَّا مَن أخْرَجَهَا بَعدَ صَلَاةِ العِيدِ؛ فَإنَّ الفَرِيضَةَ قَدْ فَاتَتْهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.
عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَنْ أدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»([6]).
مِقدَارُ الزَّكَاةِ:
وَيُحسَبُ مِقدَارُ الزَّكَاةِ بِالكَيلِ لَا بِالوَزنِ، وَتُكَالُ بِالصَّاعِ وَهُوَ صَاعُ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – لِحَدِيثِ أبِي سَعيدٍ الخُدرِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: «كُنَّا نُعطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – صَاعًا مِنْ طَعَامٍ …»([7]).
وَالوَزنُ يَختَلِفُ بِاختِلَافِ مَا يُملَأ بِهِ الصَّاعُ، فَإذَا أرَادَ المُزَكِّي الإخرَاجَ بِالوَزنِ فَلَابُدَّ مِنَ التَّأكُّدِ أنَّهُ يُعَادِلُ مِلءَ الصَّاعِ مِنَ النَّوعِ المُخرَجِ مِنهُ.
الأصنَافُ التِي تُؤدَّى مِنهَا الزَّكَاةُ:
الجِنسُ الذِي تُخرَجُ مِنهُ زَكَاةُ الفِطرِ هُوَ طَعَامُ الآدَمِيِّينَ، مِن تَمرٍ، أو بُرٍّ، أو رُزٍّ، أو غَيرِهَا مِن طَعَامِ بَنِي آدَمَ.
فَتُخرَجُ مِن غَالِبِ قُوتِ البَلَدِ الذِي يَستَعمِلُهُ النَّاسُ وَيَنتَفِعُونَ بِهِ، سَوَاءً كَانَ قَمْحًا أو رُزًّا أو تَمْرًا عَدَسًا أو غَيرَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: تَسمِيَةُ مَا يُخرِجُونَهُ فِي عَهدِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – طَعَامًا فِي عِدَّةِ أحَادِيثَ، فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: «أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَرَضَ زَكَاةَ الفِطرِ صَاعًا مِن تَمرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أو عَبدٍ ذَكَرٍ أو أُنثَى مِنَ المُسلِمِينَ -وَكَانَ الشَّعِيرُ يَومَ ذَاكَ مِن طَعَامِهِم-»([8]).
وَعَنْ أبِي سَعيدٍ الخُدُرِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: «كُنَّا نُخرِجُ فِي عَهدِ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَومَ الفِطرِ صَاعًا مِن طَعَامٍ. وَقَالَ أبُو سَعيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأقِطُ وَالتَّمرُ»([9]).
هَلْ يَجُوزُ إخرَاجُهَا مَالاً؟
وَأمَّا إخرَاجُهَا مَالًا فَلَا يَجُوزُ مُطلَقًا؛ لأنَّ الشَّارِعَ فَرَضَهَا طَعَامًا لَا مَالًا، وَحَدَّدَ جِنسَهَا وَهُوَ الطَّعَامُ فَلَا يَجُوزُ الإخرَاجُ مِن غَيرِهِ، وَلأنَّهُ أرَادَهَا ظَاهِرَةً لَا خَفِيَّةً، فَهِيَ مِنَ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَلأنَّ الصَّحَابَةَ أخرَجُوهَا طَعَامًا؛ وَنَحنُ نَتَّبِعُ وَلَا نَبتَدِعُ.
ثُمَّ إخرَاجُ زَكَاةِ الفِطرِ بِالطَّعَامِ يَنضَبِطُ بِهَذَا الصَّاعِ، أمَّا إخرَاجُهَا نُقُودًا فَلَا يَنضَبِطُ، فَعَلَى سِعرِ أيِّ شَيءٍ يَخرُجُ؟
وَقَدْ تَظْهَرُ فَوَائِدُ لإخرَاجِهَا قُوتًا كَمَا فِي حَالَاتِ الاحتِكَارِ وَارتِفَاعِ الأسعَارِ وَالحُرُوبِ وَالغَلَاءِ.
وَلَو قَالَ قَائِلٌ: النُّقُودُ أنفَعُ لِلفَقِيرِ وَيَشتَرِي بِهَا مَا يَشَاءُ وَقَد يَحتَاجُ شَيئًا آخَرَ غَيرَ الطَّعَامِ، ثُمَّ قَدْ يَبِيعُ الفَقِيرُ الطَّعَامَ وَيَخسَرُ فِيهِ!
فَالجَوَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ: أنَّ هُنَاكَ مَصَادِرَ أخْرَى لِسَدِّ احتِيَاجَاتِ الفُقَرَاءِ فِي المَسْكَنِ وَالمَلْبَسِ وَغَيرِهَا، وَذَلِكَ مِن زَكَاةِ المَالِ وَالصَّدَقَاتِ العَامَّةِ وَالهِبَاتِ وَغَيرِهَا فَلنَضَعِ الأمُورَ فِي نِصَابِهَا الشَّرعِيِّ، وَنَلتَزِمُ بِمَا حَدَّدَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ قَدْ فَرَضَهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ: طُعمَةٌ لِلمَسَاكِينِ.
وَنَحنُ لَو أعطَينَا الفَقِيرَ طَعَامًا مِن قُوتِ البَلَدِ؛ فَإنَّهُ سَيَأكُلُ مِنهُ وَيَستَفِيدُ عَاجِلًا أوْ آجِلًا؛ لأنَّ هَذَا مِمَّا يَستَعمِلُهُ أصْلًا، وَبِنَاءً عَلَيهِ فَلَا يَجُوزُ إعطَاؤُهَا مَالًا لِسَدَادِ دَينِ شَخصٍ، أوْ أُجرَةِ عَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ لِمَرِيضٍ، أو تَسدِيدِ قِسطِ دِرَاسَةٍ عَن طَالبٍ مُحتَاجٍ، وَنَحوِ ذَلِكَ، فَلِهَذَا مَصَادِرُ أُخرَى كَمَا تَقَدَّمَ.
لِمَنْ تُعطَى؟
وَالمُستَحِقُّونَ لِزَكَاةِ الفِطرِ هُمُ الفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ، أوْ مِمَّنْ لَا تَكفِيهِم رَوَاتِبُهُم إلَى آخِرِ الشَّهرِ فَيَكُونُونَ مَسَاكِينَ مُحتَاجِينَ فَيُعطَونَ مِنهَا بِقَدرِ حَاجَتِهِم، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ»([10]).
قَالَ شَيخُ الإسْلَامِ : فِي ((الاختِيَارَات)) (ص102): «وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الفِطْرِ إِلَّا لِمَن يَسْتَحِقُّ الكَفَّارَةُ، وَهُو مَن يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ لَا فِي الرِّقَابِ وَالمُؤَلَّفَةِ وَغَيرِ ذَلِكَ».
وَقَالَ الألبَانِيُّ : فِي ((تَمَام المِنَّة)) رَدًّا عَلَى سَيِّد سَابِق – رحمه الله – فِي قَوْلِهِ: «تُوَزَّعُ عَلَى الأصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ المَذْكُورَةِ فِي آيَةِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء﴾ [التوبة:60]… ».
«لَيْسَ فِي السُّنَّةِ العَمَلِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا التَّوزِيع، بَل قَوْلُهُ – صلى الله عليه وسلم – فِي حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: «… وَطُعْمَةً للمَسَاكِينِ»؛ يُفِيدُ حَصْرَهَا بِالمَسَاكِينِ.
والآيَةُ إِنَّمَا هِي فِي صَدَقَاتِ الأموَالِ لَا صَدَقَةِ الفِطْرِ، بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا، وَهُو قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ﴾ [التوبة:58].
وَهَذَا هُو اختِيَارُ شَيخِ الإسْلَامِ ابن تَيميَّة : وَلَهُ فِي ذَلِكَ فَتْوَى مُفِيدَة (2/81-84) مِن ((الفَتَاوَى))، وَبِهِ قَالَ الشَّوْكَانِي فِي ((السَّيلِ الجَرَّار))
(2/86-87)، وَلِذَلِكَ قَالَ ابنُ القَيِّم فِي ((الزَّاد)): «وَكَانَ مِن هَدْيه – صلى الله عليه وسلم – تَخْصِيصُ المَسَاكِينِ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ …».
إخْرَاجُ زَكَاةِ الفِطرِ وَتَوزِيعُهَا:
وَالأفضَلُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الفِطرِ؛ أنْ يَتَوَلَّى المُزَكِّي تَفرِيقَهَا وَتَوزِيعَهَا بِنَفسِهِ؛ فَإنَّ فِيهَا تَرقِيقًا لِلقَلبِ وَتَقرُّبًا لِلفُقَرَاءِ، وَيَجُوزُ أنْ يُوكِّلَ مَن يَثِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَإنْ طَرحَهَا عِندَ مَن تُجمَعُ عِندَهُ الزَّكَاةُ أجزَأهُ -إنَّ شَاءَ اللهُ-.
مَكَانُ الإخْرَاجِ:
وَأمَّا مَكَانُ الإخْرَاجِ، فَالأوْلَى دَفعُهَا لِفُقَرَاءِ البَلَدِ سَوَاء مَحَلَّ إقَامَتِهِ أوْ غَيرِهِ، وَإنْ كَانَ البَلَدُ لَا يُوجَدُ فِيهِ مُحتَاجٌ أوْ لَا يُعرَفُ مُستَحِقِّينَ لِذَلِكَ؛ فَإنَّهُ يُوكِّلُ مَن يَدفَعُهَا عَنهُ بِالخَارِجِ.
نَسألُ اللهَ أنْ يَتَقبَّلَ مِنَّا وَمِنكُم أجمَعِينَ، وَأنْ يُلحِقَنَا بِالصَّالِحِينَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى النَّبيِّ الأمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أجمَعِينَ.
وَكَتَبَ
أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد سَعِيد رَسْلان
([1]) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
([2]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/161)، والدارقطني في سننه (2/141)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (835).
([3]) أخرجه مسلم (984).
([4]) أخرجه البخاري (1511).
([5]) أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984).
([6]) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
([7]) أخرجه البخاري (1508)، ومسلم (985).
([8]) أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984).
([9]) أخرجه البخاري (1510).
([10]) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد كثر السؤال عن إخراج الأرز في زكاة الفطر وعن إخراج النقود بدلاً من الطعام.
والجواب: قد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أعني صلاة العيد.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعطيها في زمن النبي ﷺ صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب[1].
وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في الحديث بأنه البر، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أياً كان، سواء كان براً أو ذرة أو دخناً أو غير ذلك. وهذا هو الصواب؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. ولاشك أن الأرز قوت في المملكة وطعام طيب ونفيس، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه، وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر.
والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي ﷺ، وهو ربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، كما في القاموس وغيره، وهو بالوزن ما يقارب ثلاثة كيلو غرام.
فإذا أخرج المسلم صاعاً من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك، وإن كان من غير الأصناف المذكورة في هذا الحديث في أصح قولي العلماء. ولا بأس أن يخرج مقداره بالوزن وهو ثلاثة كيلو تقريباً.
والواجب إخراج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين. أما الحمل فلا يجب إخراجها عنه إجماعاً، ولكن يستحب؛ لفعل عثمان رضي الله عنه.
والواجب أيضاً إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين؛ لأن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين، وكان أصحاب رسول الله ﷺ يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين.
ومصرفها الفقراء والمساكين. وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات[2].
ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، وبذلك قال جمهور الأمة.
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزير بن عبدالله ابن باز
رواه البخاري في (الزكاة) باب صدقة الفطر برقم 1506، ومسلم في (الزكاة 9 باب زكاة الفطر على المسلمين برقم 985.
رواه أبو داود في (الزكاة) باب زكاة الفطر برقم (1609)، وابن ماجه في (الزكاة) باب صدقة الفطر برقم (1827).
زكـاة الفطر
1- حكمها: هي فرض على كل مسلم ومسلمة لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان) [رواه الجماعة].
2- حكمتها: لها حكمتان:
الأولى: تطهير الصائم من اللغو والرفث الذي وقع منه في أثناء شهر رمضان.
الثانية: إطعام المساكين ومواساتهم في العيد.
ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) [رواه أبو داود].
3- على من تجب؟
تجب بضابطين: الأول: كل مسلم ومسلمة صغير أو كبير، حر أو عبد.
الثاني: ملك ما يزيد عن حاجته وحاجة من يعوله في يوم العيد.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير .. على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) [رواه الجماعة].
ويستحب أن تخرج عن الجنين كما قال أبو قلابة: (كانت تعجبهم صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحمل في بطن أمه) [رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح].
4- لمن تعطى؟
الصحيح أن زكاة الفطر لا تعطى إلا للفقراء والمساكين، وهم من لا يملكون كفايتهم في يوم العيد، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم: (طعمة للمساكين) [رواه أبو داود]، أما بقية الأصناف الستة فلا يعطون من صدقة الفطر إلا إذا كانوا فقراء أو مساكين فقط.
5- مقدارها:
صاع عن كل مسلم. والصاع = 2.176 كيلو جرام.
6- أصنافها: غالب طعام البلد.
فقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) [متفق عليه]. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) [متفق عليه]. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه: (وطعمة للمساكين) [رواه أبو داود]. فهذه الأحاديث تدل على وجوب الصاع من طعام البلد كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان طعامنا يومئذٍ الشعير والزبيب والتمر والأقط) [صحيح البخاري].
7- وقت إخراجها:
الراجح أنه يستحب إخراجها يوم العيد قبل صلاة العيد، وله أن يعطيها للساعي قبل ذلك بيوم أو يومين، ولا يشرع تأخيرها بعد الصلاة، ولا تجزئ عنه، وأدلة ذلك ما يأتي:
1. أما إخراجها يوم العيد فلحديث ابن عمر رضي الله عنه: (وأمر بها أن تخرج قبل الصلاة) [متفق عليه]، ولأنها من شعائر يوم العيد، والمقصود بها تطهير الصائم بعد شهره، وإسعاد الفقراء في عيدهم.
2. وأما جواز إعطائها للساعي قبل ذلك بيوم أو يومين فلحديث ابن عمر رضي الله عنه: (كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) [صحيح البخاري]، وجاء عن نافع أن هذا الإعطاء كان للعامل. [موطأ مالك وصحيح ابن خزيمة].
3. وأما عدم إجزائها بعد صلاة العيد فلحديث ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) [رواه أبو داود] أي: لا تقبل كزكاة.
والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد
الذي يأكله الناس في الغالب (رويترز)
شارك
iconعد إلى الأعلى
iconتكبير الخط
iconتصغير الخط
iconإرسال إلى صديق
iconطباعة
القسم:مفاهيم ومصطلحات المناطق: العالم الإسلامي, العالم
التصنيف:
دين
تعرّف زكاة الفطر شرعا بأنها: “صدقة تجب عند الفطر من رمضان بانقضائه”، ويجب إخراجها للفقراء قبل خروج الناس إلى صلاة عيد الفطر، فإن تأخرت عن ذلك فهي صدقة من الصدقات العادية، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين.
حُكمها وحِكمتها
الحكم الشرعي في زكاة الفطر أنها واجبة على كل مسلم إذا فَضُل قوته عن حاجته وحاجة عياله يوم العيد وليلته، ويلزمه دفعها عن نفسه وعمن يعوله ممن تلزمه نفقته شرعا، ويستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم وكبيرهم وصغيرهم.
ودليل وجوب زكاة الفطر الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين” (رواه البخاري ومسلم).
وأما الحكمة من وجوب زكاة الفطر فتتجلى في عدة أمور، من أهمها:
1- أنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “طـُهرة للصائم من اللغو والرفث”، أي أنها تمحو ما قد يرتكبه المسلم في رمضان من منهيات شرعية في صيامه.
2- أنها “طـُعمة للمساكين” كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا، فهي تغني الفقراء يوم العيد عن السؤال وتوسع عليهم في الرزق، ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع.
3- شكر المسلم لنعم الله تعالى الكثيرة عليه وعلى الصائمين، والتي منها نعمة بلوغ رمضان وإكمال صيامه.
وقتها ومقدارها
يجب إخراج زكاة الفطر من لحظة غروب الشمس في آخر يوم من رمضان وحتى خروج الناس إلى صلاة عيد الفطر صباح اليوم التالي، فإن تأخرت عن ذلك فهي صدقة من الصدقات العادية. ويجوز تقديم إخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين.
وتـُخرج زكاة الفطر من قوت بلد مُخرِجها الذي يأكله الناس في الغالب، ومقدارها ثلاثة كيلوغرامات تقريبا من أحد أصناف هذا القوت (قمح، شعير، أرز.. إلخ).
ويجوز إخراج قيمة زكاة الفطر نقدا بدل الطعام إن كان ذلك أرفق بدافعها أو بالفقير المستفيد منها. ولا يجوز دفعها إلا للفقراء والمحتاجين.
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد .
فهذا عرض مختصر لأحكام زكاة الفطر وعيد الفطر ، مقروناً بالدليل ، تحرياً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم و اتباعاً لسنته .
• حكمها : زكاة الفطر فريضة على كل مسلم ؛ الكبير والصغير ، والذكر و الأنثى ، و الحر والعبد ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ؛ على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين . و أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ” أخرجه البخاري .
• فتجب على المسلم إذا كان يجد ما يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته ، فيخرجها عن نفسه ، وعمن تلزمه مؤنته من المسلمين كالزوجة والولد. و الأولى أن يخرجوها عن أنفسهم إن استطاعوا ؛ لأنهم هم المخاطبون بها . أما الحمل في البطن فلا يجب إخراج زكاة الفطر عنه ؛ لعدم الدليل . وما روي عن عثمان رضي الله عنه ، وأنه ” كان يعطي صدقة الفطر عن الحَبَل ” فإسناده ضعيف . ( انظر الإرواء 3/330 ) .
• حكم إخراج قيمتها : لا يجزئ إخراج قيمتها ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن الأصل في العبادات هو التوقيف ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدٍ من أصحابه أنه أخرج قيمتها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” أخرجه مسلم .
• حكمة زكاة الفطر : ما جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين . من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ” أخرجه أبوداود وابن ماجة بسند حسن .
• جنس الواجب فيها : طعام الآدميين ؛ من تمر أو بُر أو أرز أو غيرها من طعام بني آدم . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : ” كنا نخرج يوم الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا الشعير والزبيب و الأقط والتمر ” أخرجه البخاري .
• وقت إخراجها : قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة يفعلون ؛ فعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع : ” و كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ” أخرجه البخاري ، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال : ” فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين “.
و آخر وقت إخراجها صلاة العيد ، كما سبق في حديث ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم .
• مقدارها : صاع عن كل مسلم لحديث ابن عمر السابق .
والصاع المقصود هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ضابط ما يكال ، بمكيال أهل المدينة كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة ” أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح . والصاع من المكيال ، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد وقفت على مدٍ معدول بمد زيد بن ثابت رضي الله عنه عند أحد طلاب العلم الفضلاء ، بسنده إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه فأخذت المد و عدلته بالوزن لأطعمة مختلفة ، و من المعلوم أن الصاع أربعة أمداد فخرجت بالنتائج الآتية :
أولاً : أن الصاع لا يمكن أن يعدل بالوزن ؛ لأن الصاع يختلف وزنه باختلاف ما يوضع فيه ، فصاع القمح يختلف وزنه عن صاع الأرز ، وصاع الأرز يختلف عن صاع التمر ، والتمر كذلك يتفاوت باختلاف أنواعه ، فوزن ( الخضري ) يختلف عن ( السكري ) ، و المكنوز يختلف عن المجفف حتى في النوع الواحد ، وهكذا.
ولذلك فإن أدق طريقة لضبط مقدار الزكاة هو الصاع ، وأن يكون بحوزة الناس.
ثانياً : أن الصاع النبوي يساوي : (3280 مللتر ) ثلاث لترات و مائتان وثمانون مللتر تقريباً .
ثالثاً : عدلت صاع أنواع من الأطعمة بالوزن . فتبين أن الموازين تتفاوت في دقة النتيجة فاخترت الميزان الدقيق ( الحساس ) و خرجت بالجدول الآتي :
نوع الطعام وزن الصاع منه بالكيلو
أرز مزة 2.510
أرز بشاور 2.490
أرز مصري 2.730
أرز أمريكي 2.430
أرز أحمر 2.220
قمح 2.800
حب الجريش 2,380
حب الهريس 2.620
دقيق البر 1.760
شعير 2.340
تمر ( خلاص ) غير مكنوز 1.920
تمر ( خلاص ) مكنوز 2,672
تمر ( سكري ) غير مكنوز 1.850
تمر ( سكري ) مكنوز 2.500
تمر ( خضري ) غير مكنوز 1.480
تمر ( خضري ) مكنوز 2.360
تمر ( روثان ) جاف 1,680
تمر ( مخلوط ) مكنوز 2.800
وأنبه هنا أن تقدير أنواع الأطعمة هنا بالوزن أمر تقريبي ؛ لأن وضع الطعام في الصاع لا ينضبط بالدقة المذكورة . و الأولى كما أسلفت أن يشيع الصاع النبوي بين الناس ، ويكون مقياس الناس به .
• المستحقون لزكاة الفطر : هم الفقراء والمساكين من المسلمين ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق : ” .. وطعمة للمساكين ” .
• تنبيه : من الخطأ دفعها لغير الفقراء و المساكين ، كما جرت به عادة بعض الناس من إعطاء الزكاة للأقارب أو الجيران أو على سبيل التبادل بينهم و إن كانوا لا يستحقونها ، أو دفعها لأسر معينة كل سنة دون نظر في حال تلك الأسر ؛ هل هي من أهل الزكاة أو لا ؟ .
• مكان دفعها تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه ، و يجوز نقلها إلى بلد آخر عند الحاجة على القول الراجح ؛ لأن الأصل هو الجواز ، و لم يثبت دليل صريح في تحريم نقلها .
حرر في 1420هـ
تنبيه
عن أخطاءٍ متعلِّقةٍ بزكاة الفطر
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإتمامًا لمبحثِ: «زكاة الفطر: مسائل وأحكام» أحبَبْتُ أَنْ أختمه بالتنبيه على جملةٍ مِنْ أخطاءٍ مُتعلِّقةٍ بزكاة الفطر؛ طلبًا للقيام بهذه العبادةِ على الوجه المشروع، وحذرًا مِنَ الوقوع فيما يُخالِفُ أحكامَ الشرع وعقائدَه.
والمعلوم أنَّ الأخطاء التي يقع فيها المكلَّفُ ـ عند أداءِ زكاةِ الفطر المفروضةِ عليه ـ ترجع ـ غالبًا ـ إلى التساهل في العناية بمعرفةِ أحكامِ زكاة الفطر ـ على قِلَّتها ـ إذ لا يخفى أنَّ العبادة لا تتمُّ على الوجه الشرعيِّ إلَّا بالإخلاص والمتابَعة، ولا يتحقَّق ذلك إلَّا بوسيلة العلم بالأحكام المتعلِّقة بها؛ لأنها فرضٌ عليه.
فعدمُ الاكتراثِ بالتعلُّم والحرصِ عليه، واللامبالاةُ في السؤال مِنَ المكلَّف، والتهاونُ في السعي لتحصيله، كُلُّ ذلك يُفْضي به إلى الوقوع في محظورٍ بجهلٍ، أو يجني إثمًا باعتقادٍ فاسدٍ يتعلَّق بقلبه، وقد يفوته فضلُ العبادة بسببِ التأخُّر عن أدائها، أو إخراجِها قبل وقتها، أو وضعِها في غيرِ أيدي المُستحِقِّين لها، أو امتناعِ المكلَّف عن أدائها لموانعَ وهميةٍ غيرِ شرعيةٍ، أو لأخطاءٍ أخرى تَقدَّم التعرُّضُ لها في ثنايا مبحثِ: «زكاة الفطر: مسائل وأحكام»، جَرَى فيها الخلافُ الفقهيُّ، وليس بخافٍ أنَّ الاعتماد على الفتاوى المرجوحةِ واعتقادَها والعملَ بها ـ وخاصَّةً المبنيَّة على المعقول والمُعارِضة لمقتضى النصوصِ الشرعية والإجماعِ ـ يُعَدُّ خطأً ظاهرًا، بلِ الواجبُ على المكلَّفِ أَنْ يسعى ـ جاهدًا ـ إلى معرفةِ الصواب؛ للعمل بالحقِّ وتفادي الخطإ وتجنُّبه.
هذا، ويمكن التنبيهُ على هذه الأخطاء ـ باختصارٍ وإيجازٍ إلَّا ما دَعَا المَقامُ إلى مزيدِ شرحٍ أو إبطالِ استدلالٍ ـ وذلك في النقاط التالية:
أوَّلًا: إخراج المالِ صدقةً للمسكين بغيرِ نيَّةِ زكاةِ الفطر المفروضة. وهذا خطأٌ؛ إذ لا تجزئ الزكاةُ إلَّا بنِيَّتها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(١)؛ لذلك وَجَب على دافعِها أَنْ يَنْوِيَ الزكاةَ المفروضة عليه، وأَنْ يقصد بها وجهَ الله تعالى؛ إذ الإخلاصُ شرطُ قَبولِ كُلِّ عبادةٍ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [البيِّنة: ٥]، وقولِه تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠﴾ [الكهف].
ثانيًا: التلفُّظُ بنيَّةِ الزكاة وتعيينُ المساكين بالذِّكر. وهذا خطأٌ؛ إذ ليس في الشرع التلفُّظُ بالنيَّة؛ لأنَّ محلَّها القلبُ، أي: أنها تقوم بقلب المُخْرِج، يتقصَّد بها هذه العبادةَ المشروعة مِنْ غير تلفُّظٍ بها أو ذِكْرٍ لأسماءِ مَنْ تُخْرَجُ إليهم، علمًا أنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه فَعَلها أو أَمَر بها، وخيرُ الهديِ هديُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد جاء عنه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٢).
ثالثًا: وضعُ مُخْرِجِ زكاةِ الفطرِ يدَه على زكاته وقراءةُ الفاتحةِ أو غيرِها مِنَ القرآن عليها عند إرادة إخراجها؛ فهذا بدعةٌ مُحْدَثةٌ، لا أصلَ لهذا العملِ في الشرعِ المطهَّر؛ إذ لم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم أنهم كانوا يقرءون الفاتحةَ أو القرآنَ على الزكاة حالَ إخراجها ولا قبلها ولا بعدها، وقد ثَبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٣)، وفي لفظٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٤).
رابعًا: الاعتقاد بأنَّ زكاة الفطر عملٌ تطوُّعيٌّ يقوم به الغنيُّ تُجاهَ الفقيرِ لسَدِّ حاجياته، فيغنيه عن ذُلِّ المسألة في ذلك اليوم، فيَشْعُرُ الغنيُّ فيه بالمِنَّة والفضلِ على مَنْ أعطاه، وبالمُقابِل يشعر الفقيرُ بالذلِّ والمسكنة تُجاهَ المعطي. وهذا الاعتقاد خطأٌ؛ لأنَّ زكاة الفطر حقٌّ مفروضٌ شرعًا، وهي صدقةٌ ماليةٌ عن البدن والنفسِ مقدَّرةٌ فَرَضها اللهُ للمُستحِقِّين لها بالفطر مِنْ رمضان.
خامسًا: الاعتقاد بأنَّ وقتَ وجوبِ زكاة الفطر موسَّعٌ وغيرُ متعيِّنٍ؛ الأمرُ الذي يدفع إلى القول بتجويز التعجيل بها بالسَّنَةِ والسنتين، وتجويزِ تأخيرِها إلى أيِّ يومٍ بعد العيد مِنْ غير مُؤاخَذةٍ(٥)؛ الأمرُ الذي يدفع المكلَّفَ إلى التواني عن أدائها قبل صلاة العيد، بل يُؤخِّرها بحجَّةِ سَعَةِ وقتِ الوجوب وعدمِ التعيين. وهذا خطأٌ؛ لأنَّ وقت أدائها متعيِّنٌ قبل صلاة العيد؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «.. فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٦)، ولحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «.. وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»(٧)، وهذا هو أفضلُ وقتِها المتعيِّن لها، ويجزئ تقبُّلُها للموكَّل بتوزيعها قبل يوم الفطر بيومٍ أو يومين؛ لفعلِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنه كان يُخْرِجها كذلك(٨).
سادسًا: عدم قيام المكلَّف بتحرِّي أهل الاستحقاق في إخراج زكاة الفطر، فيعطيها لمَنْ لا يَستحِقُّها، يصرفه الكسلُ ـ غالبًا ـ عن البحث عن المُستحِقِّين مِنَ الفقراء والمساكين؛ فقَدْ يُخْرِجها ـ بتهاوُنِه ـ لمُعيَّنٍ مِنَ الناس جَرَتْ عادتُه بدفع الزكاةِ إليه بسببِ النسب أو القرابة أو الصداقة أو الجوار، أو لكونه عاملًا عنده أو غيرِها مِنَ الأسباب، ولو كان المُعطَى له غنيًّا مكفيًّا. وهذا خطأٌ؛ لأنَّ الزكاة حقٌّ مِنْ حقوق الله، لا تجوز المحاباةُ في حقوقه، بل الواجبُ التحقُّقُ مِنْ آخِذِها والتأكُّدُ مِنِ استحقاقِها.
وقد يعطيها لمَنْ عَدَا الفقراء والمساكين مِنَ الأصناف الثمانية المُستحِقِّين لزكاة المال. وهذا خطأٌ؛ لأنَّ زكاة الفطر متعلِّقةٌ بالبدن والنفسِ لا بالمال؛ فلا يجزئ إخراجُها إلَّا للفقراء والمساكين؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٩)؛ فإنَّ دلالةَ الحديثِ واضحةٌ في اختصاصِ زكاة الفطر بالمساكين والفقراء(١٠) دون غيرِهم، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهو مَنْ يأخذ لحاجته، لا في الرِّقابِ والمُؤلَّفةِ قلوبُهم وغيرِ ذلك»(١١).
سابعًا: اعتقاد وجوب زكاة الفطر عن الجنين ـ وهو مذهبُ ابنِ حزمٍ رحمه الله ـ إذا أكمل الجنينُ في بطن أمِّه مائةً وعشرين يومًا قبل انصداع الفجر مِنْ ليلة الفطر؛ لأنه يُنْفَخُ فيه الروحُ حينئذٍ(١٢)، وعملًا بما رواه ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ عن عثمان بنِ عفَّان رضي الله عنه أنه كان يعطي صدقةَ الفطرِ عن الصغير والكبير والحمل(١٣). وهذا خطأٌ؛ إذ لا دليلَ يُوجِبُ زكاةَ الفطر في حقِّ الجنين، وقد نَقَل ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ الإجماعَ على أَنْ لا زكاةَ على الجنين في بطنِ أمِّه(١٤)، أمَّا فعلُ عثمانَ رضي الله عنه ـ إِنْ صحَّ ـ فلا يدلُّ على أكثرَ مِنَ الاستحباب والتطوُّع؛ لأنها صدقةٌ عمَّنْ لا تجب عليه؛ فكانَتْ مُستحَبَّةً كسائر صدقات التطوُّع، ولأنَّ الجنين لا تثبت له أحكامُ الدنيا إلَّا في الإرث والوصيَّة، بشرطِ أَنْ يخرج حيًّا(١٥).
ثامنًا: الاعتقاد بأنه لا تجب زكاةُ الفطر إلَّا على مَنْ يملك نصابًا؛ عملًا بحديثِ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»(١٦)، وبالقياس على زكاة المال(١٧). وهذا خطأٌ؛ لأنه يكفي لوجوبها الإسلامُ، وأَنْ يكون مقدارُ هذه الزكاةِ فاضلًا عن قُوتِه وقُوتِ مَنْ تَلْزَمُه نفقتُه يومَ العيد وليلتَه، أو فاضلًا عن حوائجه الأصلية(١٨).
ويؤكِّد ذلك قولُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ»(١٩)، يَشْمَلُ الغنيَّ والفقيرَ الذي لا يملك نصابًا، وممَّا يرجِّح ذلك حديثُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ سَأَلَ ـ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ ـ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُغْنِيهِ؟» قَالَ: «مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ»، وفي لفظِ أبي داود: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ»(٢٠)، قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «وهذا هو الحقُّ؛ لأنَّ النصوص أَطْلقَتْ ولم تخصَّ غنيًّا ولا فقيرًا، ولا مجالَ للاجتهاد في تعيينِ المقدار الذي يُعتبَرُ أَنْ يكون مُخْرِجُ الفطرةِ مالكًا له، لا سيَّما والعلَّةُ التي شُرِعَتْ لها الفطرةُ موجودةٌ في الغنيِّ والفقير، وهي التطهرةُ مِنَ اللغو والرَّفَث، واعتبارُ كونِه واجدًا لقُوتِ يومٍ وليلةٍ أمرٌ لا بُدَّ منه؛ لأنَّ المقصود مِنْ شرعِ الفطرة إغناءُ الفقراء في ذلك اليوم .. فلو لم يُعتبَرْ في حقِّ المُخْرِج ذلك لَكان ممَّنْ أُمِرْنا بإغنائه في ذلك اليوم، لا مِنَ المأمورين بإخراج الفطرة وإغناءِ غيره»(٢١).
أمَّا حديثُ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»(٢٢) فقَدْ تقدَّم الجوابُ عنه مِنْ وجوهٍ(٢٣)، ويمكن أَنْ يُضافَ إليه أنَّ الحديثَ مُعارَضٌ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا سُئِلَ: «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟» قَالَ: «جَهْدُ الْمُقِلِّ»(٢٤)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ؟» قَالَ: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ، فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا»(٢٥)؛ فالمسكينُ صاحِبُ الدرهمين تَصدَّق بنصفِ مالِه مع أنه ليس بغنيٍّ يملك نصابًا.
«وأمَّا الاستدلال بالقياس فغيرُ صحيحٍ؛ لأنه قياسٌ مع الفارق؛ إذ وجوبُ الفطرة متعلِّقٌ بالأبدان، والزكاة بالأموال»(٢٦)، فضلًا عن أنَّ صدقةَ الفطرِ حقُّ مالٍ لا يزيد بزيادة المال، فلا يُعتبَرُ فيها وجوبُ النصاب كالكفَّارة؛ لذلك لا يَمتنِعُ أَنْ يُؤخَذَ منه ويعطى لغيره، الشأنُ في ذلك كمَنْ وَجَب عليه العشرُ في زرعِه وهو ـ في ذات الوقت ـ محتاجٌ إلى ما يكفيه وعيالَه(٢٧).
تاسعًا: أَنْ يُوكِّلَ مُخْرِجُ زكاةِ الفطر أحَدَ جيران الفقير أو المسكين ـ نيابةً عن المزكِّي ـ فيُعْطِيَها له دون الفقير، فيُخْرِجَها الوكيلُ بعد صلاة العيد. وهذا خطأٌ؛ لأنَّ جارَ الفقير هو وكيلٌ عن المزكِّي، فيقومُ مَقامَه في إيصالِ زكاة الفطر إلى مُستحِقِّيها قبل صلاة العيد، ما لم يكن الفقيرُ أو المسكين نَفْسُه هو مَنْ وكَّل جارَه في استلام الزكاة؛ فإنه ـ في هذه الحال ـ يُعَدُّ وكيلًا عن الفقير فتُجْزِئُه.
عاشرًا: الاعتقاد أنَّ الدَّيْن المؤجَّلَ يمنع وجوبَ زكاة الفطر. وهذا خطأٌ؛ لأنَّ الذي يملك مقدارَ الزكاةِ الواجبةِ فاضلًا عن قُوتِه وقُوتِ مَنْ تَلْزَمُه نفقتُه يومَ العيد، وكان عليه دَيْنٌ مثلُه؛ لَزِمَه أَنْ يُخْرِجَ زكاةَ الفطر، إلَّا أَنْ يكون مُطالَبًا بالدَّيْن، فوَجَب قضاءُ الدَّينِ ولا زكاةَ عليه، قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «إنما لم يمنعِ الدَّيْنُ الفطرةَ لأنها آكدُ وجوبًا؛ بدليلِ وجوبها على الفقير، وشمولِهَا لكُلِّ مسلمٍ قَدَر على إخراجها، ووجوبِ تحمُّلها عمَّنْ وَجَبَتْ نفقتُه على غيره، ولا تتعلَّقُ بقَدْرٍ مِنَ المال؛ فجَرَتْ مجرى النفقة، ولأنَّ زكاة المالِ تجب بالمِلْك، والدَّيْنُ يؤثِّر في المِلْك فأثَّر فيها، وهذه تجب على البدن، والدَّيْنُ لا يؤثِّر فيه، وتسقط الفطرةُ عند المطالبة بالدَّيْن؛ لوجوبِ أدائه عند المطالبة، وتأكُّدِه بكونه حقَّ آدميٍّ معيَّنٍ لا يسقط بالإعسار، وكونِه أسبقَ سببًا وأقدمَ وجوبًا يأثم بتأخيره، فإنه يُسْقِطُ غيرَ الفطرة وإِنْ لم يُطالَب به؛ لأنَّ تأثير المطالبة إنما هو في إلزام الأداء وتحريمِ التأخير»(٢٨).
حاديَ عَشَرَ: التحرُّج مِنْ صرفِ زكاةِ فِطْرِ فردٍ على جماعةٍ متعدِّدةِ الأفراد موزَّعةٍ عليهم، أو صرفِ صدقةِ عدَّةِ أفرادٍ إلى فردٍ واحدٍ؛ فهذا لا حَرَجَ فيه؛ لأنَّ نصوص الشرع جاءَتْ مُطلَقةً غيرَ مقيَّدةٍ، و«المُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ»؛ فيجوز إعطاءُ زكاةِ فطرٍ واحدةٍ لأكثرَ مِنْ فقيرٍ، كما تجوز فطرةُ جماعةِ أفرادٍ لفردٍ واحدٍ أو العكس.
ثانيَ عَشَرَ: اعتقاد عدمِ إجزاءِ إخراجِ زكاةِ الفطر إلَّا بالقيمة، لا عينًا بالصاع المطعوم. وهذا خطأٌ بيِّنٌ، وتحكُّمٌ بالرأي يُرَدُّ به الوحيُ؛ ذلك لأنَّ زكاة الفطر عبادةٌ توقيفيةٌ نصَّ الشارعُ على إخراجها بالعين لا بالقيمة، ولم يُنْقَلْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابتِه الكرام رضي الله عنهم أنهم أخرجوا القيمةَ ـ ألبتَّةَ ـ مع توافُرِها في زمانهم، بل تعبَّدَهم الشرعُ بإخراجها بالصاع مِنْ قُوتِ البلد، كما جاء في حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»(٢٩)، وكذا في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه(٣٠) وغيرِهما؛ ففي هذه الأحاديثِ التصريحُ بإخراجها بالصاع عينًا لا قيمةً، ولأنَّ مُخْرِجَ القيمةِ قد عَدَل عن المنصوص ـ شرعًا ـ فلا يُجْزِئه، كما لو أخرج الرديءَ مكانَ الجيِّد(٣١)، ولأنَّ القول بأنَّ «إخراج الزكاة عينا مِنْ قُوتِ البلد لا ينتفع به الفقيرُ» فمردودٌ؛ لأنَّ الفقير ـ حقًّا ـ لا بُدَّ أَنْ ينتفع بالقُوت، وهو وصفُ شرفٍ به قِوامُ بدنِه(٣٢).
ثالثَ عَشَرَ: إخراجُ زكاةِ الفطر مِنْ رديء الأقوات الذي لا تطيب النفوسُ بأكله أو لم يَحْظَ عند التُّجَّار ـ غالبًا ـ بالبيع لعدم جودته، فيدفعونها للفقراء والمساكين، وهذا وإِنْ كان الرديءُ وعدمُ الحرص على دفعِ الجيِّد ممَّا يَجِدونه والأنفعِ للمسكين مُجْزِئًا، إلَّا أنَّ صاحِبَه لا يبلغ به البِرَّ الذي هو كُلُّ خيرٍ مِنْ أنواع الطاعات والمثوبات المُوصِلةِ للجنَّة؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ: «دلَّتِ الآيةُ أنَّ العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بِرُّه، وأنه ينقص مِنْ بِرِّه بحسبِ ما نَقَص مِنْ ذلك»(٣٣).
رابعَ عَشَرَ: الاعتقاد بجواز إخراج زكاة الفطر للمشرك أو الكافر أو الذمِّيِّ. وهذا خطأٌ، بل لا يجزئ دفعُها إلى غير المسلمين؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٣٤)، وهذا يدلُّ على مساكينِ المسلمين لا عمومِ المساكين، ويؤيِّدُه حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ»(٣٥)، ففيه دليلٌ على اشتراطِ الفقر مع الإسلام في وجوب الفطرة؛ فلا تجوزُ للكافر، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(٣٦)، أي: أغنياءِ المسلمين وفقرائهم.
غير أنه يجوز الإحسانُ إلى غيرِ المسلمين على وجهِ الصِّلَةِ مِنَ الصدقات العامَّة غيرِ الواجبة؛ لقوله تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨﴾ [الممتحنة]، ولحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ نَاسٌ لَهُمْ أَنْسِبَاءُ وَقَرَابَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَيُرِيدُونَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٢﴾ [البقرة]»(٣٧)، وعن الحسن البصريِّ ـ رحمه الله ـ قال: «لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ حَقٌّ، وَلَكِنْ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ»(٣٨).
أحاديثُ ضعيفةٌ متعلِّقةٌ بمسائلِ زكاة الفطر
وأختم هذه الأخطاءَ بإيرادِ جملةٍ مِنَ الأحاديث الضعيفة في مسائلَ متعلِّقةٍ بزكاة الفطر، والتي أَفْضَتْ إلى مرجوحيةِ أقوالِ العلماء، وتسبَّبَتْ في إبعادهم عن الصواب في المسائل المطروحة، وأَعرِضُ جملتَها على الترتيب الألفبائي، المرفوعة أوَّلًا، ثمَّ تليها الموقوفةُ ثانيًا فيما يلي:
أوَّلًا: الأحاديث الضعيفة المرفوعة:
١ ـ «أَخْرِجُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَكَانَ طَعَامُنَا ـ يَوْمَئِذٍ ـ الْبُرَّ وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ:
أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (١/ ٢٢٤) رقم: (٦١٣)، والدارقطنيُّ (٢١٠١)، مِنْ حديثِ أوس بنِ الحَدَثان رضي الله عنه.
قال الألبانيُّ في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (٢١١٦): «ضعيفٌ جدًّا»، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٢٦)، «مجمع الزوائد» للهيثمي (٣/ ٨١).
٢ ـ «أَدُّوهَا إِلَى وُلَاتِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ بِهَا»:
أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (٨٦٩٥) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَمَرْتَنَا بِالزَّكَاةِ: زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَنَحْنُ نُؤَدِّيهَا، فَكَيْفَ بِنَا إِنْ أَدْرَكْنَا وُلَاةً لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا؟» فَقَالَ: الحديث».
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» (٣/ ٨٠): «وفيه عبد الحليم بنُ عبد الله، وهو ضعيفٌ».
٣ ـ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ»:
أخرجه الدراقطنيُّ بهذا اللفظ (٢١٠٤)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٤/ ١٦٤) رقم: (٧٦٩٥)، وابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» (٢/ ٤٩)، مِنْ طريقِ النعمان بنِ راشدٍ عن الزهريِّ عن ابنِ أبي صُعَيرٍ رضي الله عنه.
والنعمانُ بنُ راشدٍ ضعيفٌ، قال أحمد: مُضطرِبُ الحديث، وابنُ أبي صُعَيْرٍ مختلفٌ في صحبته، وقد قال أحمد: ليس بمعروفٍ، وضعَّفه ابنُ المدينيِّ.
والحديثُ ـ بهذا اللفظِ ـ مخالفٌ لِمَا أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ (١٦٢٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ رضي الله عنهما، وفيه: «أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، وهو صحيحٌ، انظر: «صحيح أبي داود» (١٤٣٤) و«صحيح الترغيب» (١٠٨٦) كلاهما للألباني.
٤ ـ «أُمِرْنَا أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَمَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى زَبِيبًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى سلْتًا قُبِلَ مِنْهُ»:
أخرجه الدراقطنيُّ (٢٠٩١)، والبيهقيُّ (٧٧١٤)، وابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» (٢/ ٥١)، مِنْ طريقِ محمَّد بنِ سيرين عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وهذا منقطعٌ، قال ابنُ عبد الهادي في «التنقيح» (٣/ ١٠٧): «قال الإمام أحمد وابنُ المدينيِّ وابنُ معينٍ والبيهقيُّ: محمَّد بنُ سيرين لم يسمع مِنِ ابنِ عبَّاسٍ شيئًا»، وقال الزيلعيُّ في «نصب الراية» (٢/ ٤٢٥): «وقال ابنُ أبي حاتمٍ في «عِلَلِه»: سألتُ أبي عن هذا الحديث فقال: حديثٌ مُنْكَرٌ»، وانظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٥/ ٦٣٠).
٥ ـ «أُنْزِلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ»:
أخرجه ابنُ خزيمة (٢٤٢٠) مِنْ حديثِ عمرو بنِ عوفٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥﴾ [الأعلى]، فَقَالَ: الحديث».
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» (٣/ ٨٠): «وفيه كثير بنُ عبد الله، وهو ضعيفٌ».
٦ ـ «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْبَادِي»:
أخرجه الدارقطنيُّ (٢٠٨١)، والبيهقيُّ (٧٧٢٨)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما.
وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (٣٦٦٥).
٧ ـ «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ، صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ»:
أخرجه الدراقطنيُّ (٢١١٦) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث صحيحٌ إلى أبي هريرة موقوفًا، وضعيفٌ مرفوعًا. انظر: «مسند أحمد» ـ تحقيق أحمد شاكر ـ (٧/ ٤٤٠)، و«السلسلة الضعيفة» للألباني (٣٦٦٦).
٨ ـ «شَهْرُ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يُرْفَعُ إِلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ»:
أخرجه الديلميُّ في «مسند الفردوس» (٩٠١) مِنْ حديثِ جرير بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه.
وأورده ابنُ الجوزيِّ في «العِلَل المتناهية» (٨٢٤)، وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (٤٣).
٩ ـ «صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ»:
أخرجه الدارقطنيُّ (٢١١٩)، ومِنْ طريقه ابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» (٢/ ٤٩) وفي «الموضوعات» (٢/ ١٤٩)، والجورقانيُّ في «الأباطيل» (٢/ ٧٦)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
والحديث ضعيفٌ جدًّا، انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤١٢)، «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» للشوكاني (٦٠)، «ضعيف الجامع» للألباني (٣٤٧٠).
١٠ ـ «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ»:
أخرجه الدارقطنيُّ (٢٠٩٣)، والحاكم (١/ ٤١٠) رقم: (١٤٩٤)، والبيهقيُّ (٧٧٠٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ..» إلخ.
والحديث ضعيفٌ بذِكْرِ البُرِّ، قال البيهقيُّ: «وذِكْرُ البُرِّ فيه ليس بمحفوظٍ». انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٢٤).
١١ ـ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْسِمُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ إِذَا انْصَرَفَ، وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ»:
أخرجه بهذا اللفظِ ابنُ زنجويه في «الأموال» (٢٣٩٧)، وأخرجه الدارقطنيُّ (٢١٣٣) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ»، والبيهقيُّ (٧٧٣٩) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
وفيه أبو مَعْشَرٍ: أشارَ البيهقيُّ إلى تضعيفه. قال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٣٨٨): «ولذلك جَزَمَ الحافظُ بضَعْفِ الحديث في «بلوغ المَرام»، وسَبَقهُ النوويُّ في «المجموع» (٦/ ١٢٦)».
وأخرجه أبو القاسمِ الشريفُ الحُسَيْنيُّ في «الفوائد المُنْتَخَبَة» (١٣/ ١٤٧/ ٢) بلفظِ: «أَغْنوهم عن السؤال»، وفيه القاسمُ بنُ عبد الله وهو العُمَريُّ المدنيُّ، قال الحافظ: «متروكٌ: رَمَاهُ أحمدُ بالكذب»، [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٢)، «بلوغ المَرام» لابن حجر (٦٢٨)، «إرواء الغليل» للألباني (٣/ ٣٣٤) عند الحديث: (٨٤٤)].
١٢ ـ «لَا يَزَالُ صِيَامُ الْعَبْدِ مُعَلَّقًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى يُؤَدِّيَ زَكَاةَ فِطْرِهِ»:
أخرجه النعاليُّ [الرافضيُّ] في «حديثه» (٧٧) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
والحديث منكرٌ، انظر: «العِلَل المتناهية» لابن الجوزي (٨٢٣)، «السلسلة الضعيفة» للألباني (٦٨٢٧).
وتقدَّم نحوُه بلفظٍ آخَرَ مِنْ حديثِ جرير بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه عند الحديث رقم: (٨).
١٣ ـ «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ»:
أخرجه الحاكم (١٤٩٨)، والدارقطنيُّ (٢١١٧)، مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه.
وفيه سليمان بنُ أرقم، قال ابنُ عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (٣/ ١١٢): «سليمان بنُ أرقم أجمعوا على ضعفِه»، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٢٢).
١٤ ـ «يَا زَيْدُ، أَعْطِ زَكَاةَ رَأْسِكَ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ»:
أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (٤٨٠٦) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه.
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» (٣/ ٨١): «وفيه عبد الصمد بنُ سليمان الأزرق، وهو ضعيفٌ».
ثانيًا: الأحاديث الضعيفة الموقوفة:
١ ـ «زَكَاةُ الفِطْرِ عَنْ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ»:
أخرجه ابنُ زنجويه في «الأموال» (٢٣٧٥) عن عليٍّ رضي الله عنه بلفظ: «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ تَعُولُ…». وأخرجه عبد الرزَّاق (٣/ ٣١٥)، وبنحوه البيهقيُّ (٧٦٨٤) بلفظ: «عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ».
وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٠) رقم: (٨٤٠). وانظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ٣٥٣).
٢ ـ «كان عثمانُ يعطي صدقةَ الفطرِ عن الحَبَل»:
أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنَّفه» (٢/ ٤٣٢)، وعبد الله بنُ أحمد في «مسائل أبيه» (١٧٠)، وابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٦/ ١٣٢) عن حُمَيْدٍ فذَكَره.
وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٠) رقم: (٨٤١).
٣ ـ «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ لَيُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبِيهِ مِنْ غِلْمَانِهِ»:
أخرجه الدارقطنيُّ (٢١٢٠): «أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ..» إلخ، وقال: «عثمان هو الوقَّاصيُّ: متروكٌ».
وأخرجه ابنُ الجوزيِّ في «الموضوعات» (٢/ ١٤٩)، والجورقانيُّ في «الأباطيل» (٢/ ٩٩)، وقال: «هذا حديثٌ منكرٌ، وعثمان بنُ عبد الرحمن هذا هو الوقَّاصيُّ، قال أبو عبد الرحمن النسائيُّ: هو متروكُ الحديث».
٤ ـ «كَانُوا يَجْمَعُونَ إِلَيْهِ [أي: أبي مَيْسَرَةَ رضي الله عنه] صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَيُعْطِيهَا أَوْ يُعْطِي مِنْهَا الرُّهْبَانَ»:
أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٩٩٧).
قال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٣٨٩): «فهو مع كونه مقطوعًا موقوفًا على أبي مَيْسَرَةَ ـ واسْمُه: عمرو بنُ شُرَحْبِيلَ ـ فلا يصحُّ عنه؛ لأنَّ أبا إسحاقَ هو السبيعيُّ: مختلطٌ مدلِّسٌ، وقد عنعنه».
٥ ـ «لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ»:
أخرجه الدارقطنيُّ (٢٠٩٦)، والحاكم (١٤٩٥)، مِنْ قولِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه.
وذِكْرُ صاعِ الحنطة فيه ليس بمحفوظٍ كما قال أبو داود عند الحديث رقم: (١٦١٦)، وراجِعْ كلامَ ابنِ عبد الهادي في «التنقيح» (٢/ ١١١) رقم: (١٦٠٣).
تمَّ بعون الله وتوفيقه.
واللهَ نسأل صحَّةَ الاقتداء، وصِدْقَ الرجاء، وحُسْنَ القضاء والجزاء، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٤ شعبان ١٤٣٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١١ مــاي ٢٠١٦م
(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «بدء الوحي» باب: كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ (١)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٩٠٧)، مِنْ حديثِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلح» باب: إذا اصطلحوا على صلحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردودٌ (٢٦٩٧)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٤) أخرجه مسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٥) وهو قول الحنفية، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١١)].
(٦) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ زكاةِ الفطر (١٦٠٩)، وابنُ ماجه في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر (١٨٢٧)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٥٧٠).
(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ فَرْضِ صدقة الفطر (١٥٠٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤، ٩٨٦)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٨) أخرج ابنُ حبَّان (٣٢٩٩)، والبيهقيُّ (٧٧٣٨)، مِنْ حديثِ نافعٍ: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦)]، وحديث نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ ـ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ـ .. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» [أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر على الحرِّ والمملوك (١٥١١) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما]، وليس المرادُ مِنْ قوله: «الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا» الفُقَراءَ، وإنما هُمُ الجُبَاةُ الذين يُنصِّبُهم الإمامُ لجَمْعِ صدقةِ الفطر، بدليلِ ما رواهُ مالكٌ عن نافعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ» [أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٨٥)، والبيهقيُّ (٧٣٦٩). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦)]، قال في [«إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٥)]: «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلتُ: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين» [أخرجه ابنُ خزيمة (٢٣٩٧). قال الألبانيُّ: «إسنادُه صحيحٌ، رجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ رجالُ الشيخين غيرَ القزَّاز، وقد وثَّقَهُ النسائيُّ والدارقطنيُّ وغيرُهما»]».
(٩) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ زكاةِ الفطر (١٦٠٩)، وابنُ ماجه في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر (١٨٢٧)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٥٧٠).
(١٠) قال ابنُ رجبٍ ـ رحمه الله ـ في [«جامع العلوم والحِكَم» (٢٥)]: «إنَّ مِنَ الأسماءِ ما يكونُ شاملًا لمسمَّياتٍ مُتعدِّدةٍ عند إفرادِه وإطلاقِه، فإذا قُرِنَ ذلك الاسْمُ بغيره صار دالًّا على بعضِ تلك المسمَّيات، والاسمُ المقرونُ به دالٌّ على باقيها، وهذا كاسْمِ الفقيرِ والمسكين، فإذا أُفْرِدَ أحَدُهما دَخَل فيه كُلُّ مَنْ هو محتاجٌ، فإذا قُرِن أحَدُهما بالآخَرِ دلَّ أحَدُ الاسْمَيْن على بعضِ أنواعِ ذوي الحاجاتِ، والآخَرُ على باقيها».
(١١) «اختيارات ابنِ تيمية» للبعلي (٩١)، وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٣).
(١٢) المراد به ما وَرَد في حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» [مُتَّفَقٌ عليه: رواهُ البخاريُّ في «التوحيد» (٧٤٥٤) بابُ قوله ـ تعالى ـ:﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٧١﴾ [الصافَّات]، ومسلمٌ في «القَدَر» (٢٦٤٣)].
(١٣) أخرجه ابنُ حزم في «المحلَّى» (٦/ ١٣٢)، وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٠) رقم: (٨٤١).
(١٤) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٣٦).
(١٥) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٨٠).
(١٦) علَّقه البخاريُّ في «الوصايا» بابُ تأويلِ قول الله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ﴾ [النساء: ١١] (٥/ ٣٧٧)، وأخرجه أحمدُ بهذا اللفظِ موصولًا (٧١٥٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤١٢). وقد أخرجه البخاريُّ بلفظِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» في «الزكاة» باب: لا صدقةَ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى (١٤٢٦) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (١٠٣٤) بلفظِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» مِنْ حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه.
(١٧) وهو مذهب الأحناف، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٤)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣)].
(١٨) وهو مذهب الجمهور، [انظر: «الكافي» لابن عبد البرِّ (١١١)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٩)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٧٢)، «مغني المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٣)].
(١٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر على الصغير والكبير (١٥١٢)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٢٠) أخرجه أحمد (١٧٦٢٥)، وأبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ يعطي مِنَ الصدقة وحَدِّ الغنى (١٦٢٩)، وابنُ حبَّان (٥٤٥)، مِنْ حديثِ سهل بنِ الحنظلية الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٥٤٦).
(٢١) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٤٦).
(٢٢) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ١٦).
(٢٣) انظر: «حكمُ زكاة الفطر وشرطُ وجوبها» في «زكاة الفطر: مسائل وأحكام» للمؤلِّف.
(٢٤) أخرجه أبو داود في «الوتر» بابُ طول القيام (١٤٤٩)، والنسائيُّ في «الزكاة» بابُ جُهْدِ المُقِلِّ (٢٥٢٦)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ حُبْشيٍّ الخثعميِّ رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود في «الزكاة» بابٌ في الرخصة في ذلك [أي: أَنْ يَخْرُجَ الرجلُ مِنْ ماله] (١٦٧٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (٥٦٦).
(٢٥) أخرجه النسائيُّ في «الزكاة» بابُ جُهْدِ المُقِلِّ (٢٥٢٧، ٢٥٢٨) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٦٠٦).
(٢٦) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٤٦).
(٢٧) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٧٤).
(٢٨) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٨٠).
(٢٩) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ١٩).
(٣٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ مختصرًا في «الزكاة» بابُ صاعٍ مِنْ زبيبٍ (١٥٠٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. ولفظُ البخاريِّ: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: «أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ»».
(٣١) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٦٦).
(٣٢) انظر المزيدَ في حكم إخراجها بالقيمة في: «مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر وحُكْمِ إخراجه بالقيمة» مِنْ «زكاة الفطر: مسائل وأحكام» للمؤلِّف.
(٣٣) «تفسير السعدي» (١٤٥).
(٣٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٩).
(٣٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ فَرْضِ صدقة الفطر (١٥٠٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤، ٩٨٦)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٣٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ وجوبِ الزكاة (١٣٩٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٣٧) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٩٩٢). وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٣٨٨)، وانظر: «السلسلة الصحيحة» (٦/ ٦٢٩).
(٣٨) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٩٩٠)، وانظر: «تمام المِنَّة» (٣٨٩).
زكاة الفطر
زكاة الفطر أو زكاة الأبدان،[1] هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، وتجب بغروب الشمس من ليلة العيد، وقت الفطر وإنقضاء صوم شهر رمضان، إلى قبيل أداء صلاة عيد الفطر. وهى واجبة على كل مسلم وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، فهي متعلقة بالذمة فهي زكاة عن النفس والبدن وفرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال. ومقدارها صاعًا من غالب قوت أهل البلد من شعير أو تمر أو أقط أو زبيب أو أرز أو ذرة أو غير ذلك.
محتويات
1 حكمتها ومشروعيتها
2 حكمتها
3 على من تجب
4 مقدار زكاة الفطر
5 وقت زكاة الفطر
6 انظر أيضا
7 المصدر
حكمتها ومشروعيتها
والأدلة على وجوب زكاة الفطر كثيرة منها:
روي عن عبدالله ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في صحيح سنن أبي داود رواه أبو داود و محمد بن ماجة بسند حسن:
زكاة الفطر قال فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، حديث صحيح[2] زكاة الفطر
قوله: «طهرة»: أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله «والرفث» قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله «وطعمة»: بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل. قوله: «من أداها قبل الصلاة»: أي قبل صلاة العيد، قوله « فهي زكاة مقبولة»: المراد بالزكاة صدقة الفطر، قوله «صدقة من الصدقات»: يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات. عون المعبود شرح أبي داود.
روي عن ابن عمر في صحيح البخاري و مسلم و أصحاب السنن:
زكاة الفطر قال: فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، حديث صحيح زكاة الفطر
أي: قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
روي عن عن أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ومسلم وأصحاب السنن:
زكاة الفطر حيث قال:كنا نخرج صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب، حديث صحيح.[3] زكاة الفطر
وقيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: ‘Ra bracket.png قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى Aya-14.png وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى Aya-15.png La bracket.png'[4].[5]
يقول رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ في أحكام القرآن للجصاص ج3: سورة الأعلى:
زكاة الفطر ‘قَالا: “أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ ” زكاة الفطر
أي صلاة العيد.[6]
يقول وعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ في المجموع للنووي:
زكاة الفطر ‘زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ’. زكاة الفطر
الإجماع: قال ابن المنذر (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن زكاة الفطر فرض).
وفي ضوء هذه الأدلة فقد توارث المسلمون العمل بوجوبها والاهتمام بفرضيتها منذ عصر النبي محمد وإلى يومنا هذا.
حكمتها
طهرة للصائم، قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه ليكون صياما تام الأجر ولكي يفرح به فرحا تاما يوم القيامة.
تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لايبقى أحد يوم العيد محتاجا إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله ” أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم “، وفي رواية ” أغنوهم عن طواف هذا اليوم ” رواه البيهقي والدارقطني، أي إغناء الفقير يوم العيد عن السؤال.
ولذلك جاء في حديث ابن عباس ما قال ((فرض رسول الله صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، والحديث حسن كما قال النووي.
على من تجب
تجب على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، حر وعبد، وأن يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته. ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وزوجته وعن كل من تلزمه نفقتهم ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ
، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر
يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته – وإن كان لها مال – وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ. المغني ج2.
تجب على كل مسلم يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته.ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وزوجته وعن كل من تلزمه نفقته ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر
يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته – وإن كان لها مال – وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ.[7]
مقدار زكاة الفطر
مقدار الواجب في زكاة الفطر هو أن يخرج عن الفرد صاعا من تمر، أو من زبيب، أو صاعا من قمح أو من شعير أو من أرز، أو صاعا من أقط (وهو الحليب المجفف)، ونحو ذلك مما يعتبر قوتا يتقوت به، بما يناسب الحال، وبحسب غالب قوت البلد، أي: أنه يخرج من القوت المتوفر في البلد، وينبغي مراعاة حال المستفيد (أي: الذي تدفع إليه الزكاة).
هي صاع باتفاق المسلمين والصاع قريب أربع حفنات بيدي رجل معتدل، وهو يساوي أربعة أمداد، وقدر المد حفنة (أي: غرفة) بيدي رجل معتدل، ويقدر الصاع قرابة 3 كجم تقريبا، أي: أن مقدار الصاع ينقص عن 3 كجم، بنسب متفاوتة؛ لتفاوت التقديرات، لكن التقدير بالوزن تقريبي، والأصل في مقدار زكاة الفطر، كيلا بالصاع.[8] وهذا المقدار يؤدى من الحنطة أو التمر أو الزبيب أو الرز أو الطحين أو الشعير، ويجوز إخراج قيمة ذلك نقداً وهذا مذهب الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والجعفرية، بينما يرى الإمام مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل أن إخراجها مالًا لا يصح، وهذا قول غالبية الأمة[9].
وبالنسبة لجواز إخراجها نقدا فهناك ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد والمذهب الشيعي.
القول الثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول نسبه بعض المعاصرين للإمام أحمد وابن تيمية، إلا أن ذلك لم يصح عنهما [10].
وقد استدل كل فريق من هؤلاء بأدلة. فأما من منع إخراج زكاة الفطر نقداً فاستدل بظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بإخراج زكاة الفطر من الطعام.
وقت زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، والسنة إخراجها يوم عيد الفطر قبل صلاة العيد. ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين وقد كان هذا فعل ابن عمر وغيره من الصحابة. فعن نافع مولى ابن عمر ما أنه قال في صدقة التطوع: ” وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ” أخرجه البخاري، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال: ” فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين “.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات، ويأثم على هذا التأخير، كما سبق في حديث ابن عمر، وابن عباس.
انظر أيضا
زكاة الحرث.
زكاة الأنعام.
زكاة الأوراق النقدية.
تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال (كتاب).
زكاة الفطر
زكاة الفطر أو زكاة الأبدان،[1] هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، وتجب بغروب الشمس من ليلة العيد، وقت الفطر وإنقضاء صوم شهر رمضان، إلى قبيل أداء صلاة عيد الفطر. وهى واجبة على كل مسلم وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، فهي متعلقة بالذمة فهي زكاة عن النفس والبدن وفرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال. ومقدارها صاعًا من غالب قوت أهل البلد من شعير أو تمر أو أقط أو زبيب أو أرز أو ذرة أو غير ذلك.
محتويات
1 حكمتها ومشروعيتها
2 حكمتها
3 على من تجب
4 مقدار زكاة الفطر
5 وقت زكاة الفطر
6 انظر أيضا
7 المصدر
حكمتها ومشروعيتها
والأدلة على وجوب زكاة الفطر كثيرة منها:
روي عن عبدالله ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في صحيح سنن أبي داود رواه أبو داود و محمد بن ماجة بسند حسن:
زكاة الفطر قال فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، حديث صحيح[2] زكاة الفطر
قوله: «طهرة»: أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله «والرفث» قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله «وطعمة»: بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل. قوله: «من أداها قبل الصلاة»: أي قبل صلاة العيد، قوله « فهي زكاة مقبولة»: المراد بالزكاة صدقة الفطر، قوله «صدقة من الصدقات»: يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات. عون المعبود شرح أبي داود.
روي عن ابن عمر في صحيح البخاري و مسلم و أصحاب السنن:
زكاة الفطر قال: فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، حديث صحيح زكاة الفطر
أي: قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
روي عن عن أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ومسلم وأصحاب السنن:
زكاة الفطر حيث قال:كنا نخرج صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب، حديث صحيح.[3] زكاة الفطر
وقيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: ‘Ra bracket.png قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى Aya-14.png وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى Aya-15.png La bracket.png'[4].[5]
يقول رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ في أحكام القرآن للجصاص ج3: سورة الأعلى:
زكاة الفطر ‘قَالا: “أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ ” زكاة الفطر
أي صلاة العيد.[6]
يقول وعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ في المجموع للنووي:
زكاة الفطر ‘زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ’. زكاة الفطر
الإجماع: قال ابن المنذر (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن زكاة الفطر فرض).
وفي ضوء هذه الأدلة فقد توارث المسلمون العمل بوجوبها والاهتمام بفرضيتها منذ عصر النبي محمد وإلى يومنا هذا.
حكمتها
طهرة للصائم، قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه ليكون صياما تام الأجر ولكي يفرح به فرحا تاما يوم القيامة.
تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لايبقى أحد يوم العيد محتاجا إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله ” أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم “، وفي رواية ” أغنوهم عن طواف هذا اليوم ” رواه البيهقي والدارقطني، أي إغناء الفقير يوم العيد عن السؤال.
ولذلك جاء في حديث ابن عباس ما قال ((فرض رسول الله صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، والحديث حسن كما قال النووي.
على من تجب
تجب على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، حر وعبد، وأن يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته. ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وزوجته وعن كل من تلزمه نفقتهم ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ
، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر
يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته – وإن كان لها مال – وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ. المغني ج2.
تجب على كل مسلم يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته.ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وزوجته وعن كل من تلزمه نفقته ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر
يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته – وإن كان لها مال – وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ.[7]
مقدار زكاة الفطر
مقدار الواجب في زكاة الفطر هو أن يخرج عن الفرد صاعا من تمر، أو من زبيب، أو صاعا من قمح أو من شعير أو من أرز، أو صاعا من أقط (وهو الحليب المجفف)، ونحو ذلك مما يعتبر قوتا يتقوت به، بما يناسب الحال، وبحسب غالب قوت البلد، أي: أنه يخرج من القوت المتوفر في البلد، وينبغي مراعاة حال المستفيد (أي: الذي تدفع إليه الزكاة).
هي صاع باتفاق المسلمين والصاع قريب أربع حفنات بيدي رجل معتدل، وهو يساوي أربعة أمداد، وقدر المد حفنة (أي: غرفة) بيدي رجل معتدل، ويقدر الصاع قرابة 3 كجم تقريبا، أي: أن مقدار الصاع ينقص عن 3 كجم، بنسب متفاوتة؛ لتفاوت التقديرات، لكن التقدير بالوزن تقريبي، والأصل في مقدار زكاة الفطر، كيلا بالصاع.[8] وهذا المقدار يؤدى من الحنطة أو التمر أو الزبيب أو الرز أو الطحين أو الشعير، ويجوز إخراج قيمة ذلك نقداً وهذا مذهب الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والجعفرية، بينما يرى الإمام مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل أن إخراجها مالًا لا يصح، وهذا قول غالبية الأمة[9].
وبالنسبة لجواز إخراجها نقدا فهناك ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد والمذهب الشيعي.
القول الثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول نسبه بعض المعاصرين للإمام أحمد وابن تيمية، إلا أن ذلك لم يصح عنهما [10].
وقد استدل كل فريق من هؤلاء بأدلة. فأما من منع إخراج زكاة الفطر نقداً فاستدل بظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بإخراج زكاة الفطر من الطعام.
وقت زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، والسنة إخراجها يوم عيد الفطر قبل صلاة العيد. ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين وقد كان هذا فعل ابن عمر وغيره من الصحابة. فعن نافع مولى ابن عمر ما أنه قال في صدقة التطوع: ” وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ” أخرجه البخاري، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال: ” فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين “.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات، ويأثم على هذا التأخير، كما سبق في حديث ابن عمر، وابن عباس.
انظر أيضا
زكاة الحرث.
زكاة الأنعام.
زكاة الأوراق النقدية.
تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال (كتاب).
الحمد لله
” ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ، أعني صلاة العيد . وفي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ .
وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر (أي : القمح) ، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان ، سواء كان برا أو ذرة أو دخنا أو غير ذلك . وهذا هو الصواب ؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء ، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده . ولا شك أن الأرز قوت في بلاد الحرمين وطعام طيب ونفيس ، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه . وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر .
والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين ، كما في القاموس وغيره ، وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام . فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك ، وإن كان من غير الأصناف المذكورة في هذا الحديث في أصح قولي العلماء . ولا بأس أن يخرج مقداره بالوزن وهو ثلاثة كيلو تقريبا .
والواجب إخراج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين . أما الحمل فلا يجب إخراجها عنه إجماعا ، ولكن يستحب ؛ لفعل عثمان رضي الله عنه .
والواجب أيضا إخراجها قبل صلاة العيد ، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد ، ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين . وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين .
ومصرفها الفقراء والمساكين . وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ . رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلا ، بل الواجب إخراجها من الطعام ، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبذلك قال جمهور الأمة ، والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ، إنه جواد كريم اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (14/200) .
فهذا تقدير الشيخ ابن باز رحمه الله لزكاة الفطر بالكيلو ، ثلاثة كيلو جرام تقريباً .
وكذا قدرها علماء اللجنة الدائمة (9/371) .
وقد قدرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من الأرز فكانت ألفي ومائة جرام (2100) جرام . كما في “فتاوى الزكاة” (ص 274-276) .
وهذا الاختلاف سببه أن الصاع مكيال يقيس الحجم لا الوزن .
وإنما قدرها العلماء بالوزن لكونه أسهل وأقرب إلى الضبط ، ومعلوم أن وزن الحبوب يختلف فمنها الخفيف ومنها الثقيل ومنها المتوسط ، بل يختلف وزن الصاع من نفس النوع من الحبوب ، فالمحصول الجديد أكثر وزناً من المحصول القديم ، ولذلك إذا احتاط الإنسان وأخرج زيادة كان أحوط وأحسن .
وانظر “المغني” (4/168) . فقد ذكر نحو هذا في تقدير نصاب زكاة الزروع بالوزن .
والله أعلم .يستعد المسلمون في جميع أصقاع الأرض اليوم لإخراج زكاة الفطر، التي تجب على كل مسلم من كل عام، وهي تسبق يوم الأول من شوال، طهرة للصائم وتعميماً للفرحة، وزكاة للنفوس والأبدان، فما هي زكاة الفطر؟
زكاة الفطر هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، أو قبل انقضاء صوم شهر رمضان، وهى واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها، وتمتاز عن الزكاوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلاً.
على من تجب؟
تجب على كل مسلم يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته، ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وزوجته وعن كل من تلزمه نفقته ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
وتجب على المستطيع، حيث قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر.
ويخرج الإنسان عن نفسه وزوجته – وإن كان لها مال – وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
كم مقدارها ؟
مقدار الواجب في زكاة الفطر هو أن يخرج عن الفرد صاعاً من تمر، أو من زبيب، أو صاعاً من قمح أو من شعير أو من أرز، أو صاعاً من أقط (وهو الحليب المجفف)، ونحو ذلك مما يعتبر قوتاً يتقوت به، بما يناسب الحال، وبحسب غالب قوت البلد، أي: أنه يخرج من القوت المتوفر في البلد، وينبغي مراعاة حال المستفيد (أي: الذي تدفع إليه الزكاة).
هي صاع باتفاق المسلمين والصاع قريب أربع حفنات بيدي إنسان معتدلة، وهو يساوي أربعة أمداد، وقدر المد حفنة (أي: غرفة) بيدي إنسان معتدلة، ويقدر الصاع قرابة 3 كغ تقريباً، أي: أن مقدار الصاع ينقص عن 3 كغ، بنسب متفاوتة؛ لتفاوت التقديرات، لكن التقدير بالوزن تقريبي، والأصل في مقدار زكاة الفطر، كيلا بالصاع. وهذا المقدار يؤدى من الحنطة أو التمر أو الزبيب أو الرز أو الطحين أو الشعير ويجوز إخراج قيمة ذلك نقداً وهذا مذهب الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والجعفرية وهو مذهبٌ مرويٌ عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل -ما- في أخذهما العروض بدل الحبوب في الزكاة.
هل يمكن دفعها نقداً؟
وبالنسبة لجواز اخرجها نقدا فهناك ثلاثة أقوال، فأما القول الأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
وأما القول الثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد.
القول الثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد استدل كل فريق من هؤلاء بأدلة فأما من منع إخراج زكاة الفطر نقداً فاستدل بظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بإخراج زكاة الفطر من الطعام.
زكاة الفطر في سوريا والدول المجاورة..
ونظراً لاختلاف واضطراب أسعار المواد الغذائية في معظم بقاع سوريا، فلا يمكن التحديد بدقة كم هو المبلغ الواجب دفعه عن الشخص الواحد لأداة زكاة الفطر، إلا أنه يمكن القول إنه يتراوح بين 500 ليرة وألفين ليرة بحسب سعر صاع الأرز أو التمر والصاع كما ذكر يساوي 4 أمداد وقدر المد هو حفنة بيدي إنسان معتدلة.
واما في تركيا، ونظراً لوجود العديد من السوريين فيها، فان قيمة زكاة الفطر تبلغ من 15 إلى 25 ليرة تركية، وما يقابلها (9 دولارات تقريباً) عن الشخص الواحد في بقية الدول.
زكاة الفطر هي أحد أنواع الزكاة التي أوجبها الدين الإسلامي على جميع المسلمين، وتعرف أيضاً بزكاة الأبدان، و تخرج عن كل مسلم ومسلمة قادرٍ عليها كلَّ عام، وتدفع عن كل فرد مسلم من جميع الفئات العمرية؛ صغاراً وكباراً، وذلك قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك، أو قبل صلاة عيد الفطر السعيد، وهي زكاة تفرض على الأشخاص بعكس أنواع الزكاة الأخرى التي تفرض على المال. [١] حكمة مشروعيتها وقد أوجب الإسلام هذه الزكاة تطهيراً لنفوس الصائمين في رمضان، وقربةً لله تعالى، وشكراً له على نعمتيْ الحياة والصحة، كذلك تكفيراً عن الذنوب التي ارتكبت خلال هذا الشهر الفضيل؛ من اللغو والنميمة والسبّ والشتم وغيرها، كما أنها طعمة للفقراء والمساكين ليشاركوا الأغنياء فرحة العيد، فلا يبقى أحدٌ محتاجاً للطعام أيام العيد.[٢] وفي ذلك قال ابن عباس: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ».[٣] وهذا يدل على وجوب دفعها قبل صلاة العيد كي تُقبَلَ زكاةُ مؤدّيها، أما أداؤها بعد انقضاء صلاة الفطر فتحسب عند الله صدقةً عادية.[٢] مَن تجبُ عليهم زكاة الفطر تجبُ زكاة الفطر على كل مسلم قادرٍ مستطيع، بمعنى أنه يجد ما يزيد عن حاجته خلال أيام العيد ولياليه من الطعام، وهي زكاة عن جميع أفراد البيت؛ عن ربّ الأسرة وزوجته وأولاده الفقراء ووالديه الفقيريْن، كما يستحبّ أن تدفعَ أيضاً عن الجنين في بطن أمّهِ، الذي أتمّ أربعين يوماً من عمره، كما لا يجوز للزوجة أن تدفعها عن نفسها وإن كانت غنية، كما تدفع عن البنت العزباء لأنها واجبةٌ من ربّ الأسرة فقط.[١] وقت زكاة الفطر توزع صدقة الفطر في غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان المبارك، ويسنّ إخراجها ليلة العيد قبيل صلاة العيد بساعات، كما يجوز تعجيل توزيعها للفقراء قبل يوم أو يومين من العيد، اقتداء بفعل بعض الصحابة، وآخر وقتٍ لإعطائها هو صلاة العيد، أما بعد انقضاء الصلاة، فلا تسقط عنه، وتحسب صدقة من الصدقات.[٤] مقدار زكاة الفطر تقدر زكاة الفطر بصاعٍ واحدٍ عن الفرد الواحد من الأرز أو القمح أو الشعير أو الزبيب أو الطحين أو أي طعام آخر يتقوّت به، والصاع متفق عليه من جميع المسلمين؛ وهو يساوي تقريباً ثلاثة كيلوغرامات، ويجوز إخراج ما يساوي ذلك نقداً للمساكين، وهو جائزٌ في مذهبيْ الشافعي والحنفي، أما في المذهب الحنبلي والمالكي فلا يجوز إخراجُها نقداً، أما في مذهب الإمام أحمد فقد جعل إخراجَها نقدًا جائزاً، بشرط وجود حاجة أو مصلحة من ذلك.[٢] المراجع ^ أ ب “”زكاة الفطر” ما هي وعلى من تجب وكيف يجب إخراجها؟”، orient، 4-7-2016، اطّلع عليه بتاريخ 13-6-2018. بتصرّف. ^ أ ب ت “مقدار زكاة الفطر ووقت إخراجها”، islamqa، 6-2-2007، اطّلع عليه بتاريخ 13-6-2018. بتصرّف. ↑ رواه ابن عباس رضي الله عنه، في الزكاة، عن ابو داود ، ابن ماجه ، الدارقطني وأخرون، الصفحة أو الرقم: 2115، صحيح. ↑ “يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بحيث تصل إلى الفقراء”، islamweb، 1-1-2000، اطّلع عليه بتاريخ 13-6-2018. بتصرّف.
[الحكمة مِنْ مشروعية زكاة الفطر]
فالعبادة ـ في الإسلام بعمومها سواءٌ كانَتْ بدنيةً أو ماليةً ـ تُنظِّمُ علاقةَ الفرد بربِّه وتَصِلُها، وتُقوِّي الإيمانَ وتُزكِّي النفس، وتملأ القلبَ بمَعاني العبودية لله تعالى، وتُظْهِرُها بمظهرٍ كريمٍ وعلى نهجٍ قويمٍ؛ فالعبادةُ ـ في عُمْقِها التشريعيِّ ـ حقٌّ خالصٌ لله تعالى على عباده.
ومِنَ العبادات المالية: الزكاةُ التي تُعَدُّ ـ في مُجْمَلها ـ نظامًا تكافليًّا ربَّانيًّا لا نظيرَ له في التنظيمات الأخرى؛ فهي تُزكِّي أخلاقَ المُزَكِّي وتُطهِّرُه مِنْ داء البخل والشحِّ وعبادةِ المال، وتنقله مِنْ زمرة البُخَلاءِ إلى زمرة الكُرَماء؛ فهي إيثارٌ لله على مَحَبَّةِ المال: تشرح صَدْرَه، وتُكفِّرُ خطاياه وذنوبَه، وتُنمِّي مالَه، وتفتح له أبوابَ الرزق؛ فهي الوسيلةُ الناجعةُ في سَدِّ حاجة المحتاج وعلاجِ مُشْكِلةِ الفقر في المجتمع المسلم، وهي إسهامٌ ـ أيضًا ـ في تحقيقِ التعاون المطلوب ـ شرعًا ـ بإعانةِ ذوي الحاجات؛ فيعطف بها الغنيُّ على الفقير ويَسُدُّ حاجتَه ويُغْنِيهِ عن ذُلِّ المسألة؛ فيحترمُ الفقيرُ الغنيَّ ويُقدِّرُ عَمَلَه وطاعتَه، وتسود بينهما الأُخُوَّةُ الإيمانيةُ القائمةُ على أساسِ المَوَدَّةِ والرحمة، بعيدًا عن مَرَضِ الحسدِ والبخل والشحِّ والبغض والكراهية وسوءِ الظنِّ، وشعورِ الفقير بالتهميش والانعزال، ونحوِ ذلك مِنَ الأمراض الفتَّاكة.
وزكاةُ الفطر ـ في حَدِّ ذاتها ـ لا تخرج عن المَعاني والحِكَمِ السابقة؛ فهي زكاةُ بَدَنٍ تحمل مَعْنَى مُواساةِ الأغنياء للفُقَراء والمساكينِ في يوم العيد، تُعلِّمُ الصائمَ أَنَّ عليه حقًّا مفروضًا يكفُّ فيه الفقيرَ عن المسألة بإغنائه بهذه الصدقةِ الواجبة بالفطر مِنْ رمضان؛ فتُدْخِلُ السرورَ عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم(١)، كما تُطهِّرُ الصائمَ مِنْ ذَنْبِه الذي لَحِقَهُ خلالَ صومِه بسبب اللَّغْوِ والرَّفَثِ والفحش؛ فيُعوِّضُ ما فاتَ مِنْ أَجْرِه، ويُكمِّلُ ما نَقَصَ مِنْ عَمَلِه، وفوق هذا وذاك فهي دليلٌ على صِدْقِ إيمانِ المُزكِّي بامتثاله لأمرِ اللهِ وأَمْرِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في صيامِ شهرِ رمضان وقيامِ لَيَالِيه؛ طاعةً لله تعالى وشكرًا على نعمةِ التوفيقِ لها خاصَّةً، ولسائر النِّعَمِ الأخرى في شهر رمضان وغيرِه.
فزكاةُ الفطر ـ إذَنْ ـ هي: حِصَّةٌ ماليَّةٌ مفروضةٌ مُقدَّرةٌ شرعًا، يُخْرِجُها المسلمُ قبل صلاة عيد الفطر، يختم بها عَمَلَ رمضان؛ لتكون له طُهْرةً ممَّا قد لَحِقَهُ مِنَ الذنوب أثناءَ صيامه، وطُعْمةً للمساكين بإغنائهم بها عن المسألة يوم العيد، ويتجلَّى هذا المعنى ـ بوضوحٍ ـ في قولِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٢).
وبعد بيانِ الحكمةِ مِنْ مشروعية زكاة الفطر أَتناوَلُ بعضَ المَسائلِ المُخْتلَفِ فيها والمُفرَّعةِ عنها؛ لبيانِ الراجح مِنها ضِمْنَ مَسائِلَ وأحكامٍ على الوجه التالي:
المسألة الأولى: حكمُ زكاة الفطر وشرطُ وجوبها:
زكاة الفطر ـ مِنْ حيث حكمُها التكليفيُّ ـ فرضُ عينٍ على كُلِّ مَنْ تَوفَّرَتْ فيه شروطُ وجوبِها وهي:
• شرطُ الإسلام: فلا تجب زكاةُ الفطر على الكافر حُرًّا كان أو عبدًا عند الجمهور، خلافًا للشافعية(٣)؛ لأنَّ زكاة الفطر قُرْبةٌ مِنَ القُرَبِ وطُهْرةٌ للصائم مِنَ اللغو والرفث، والكافرُ ليس مِنْ أهل القُرَبِ فلا تُقْبَلُ منه؛ لذلك قيَّدَها حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما اللاحقُ: «مِنَ المسلمين»(٤).
• شرط القدرة لمَنْ يجب عليه إخراجُ زكاة الفطر: لأنَّ غيرَ القادرِ مرفوعٌ عنه الحَرَجُ؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ﴾ [الحج: ٧٨].
• أضافَ الجمهورُ شَرْطَ الحُرِّيَّةِ في وجوبِ زكاة الفطر؛ فلا تجب ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ كان حُرًّا مسلمًا؛ لأنَّ غيرَ الحُرِّ لا يَمْلِك ولا يُملَّكُ، وخالَفَ في ذلك الحنابلةُ فتجب زكاةُ الفطر ـ عندهم ـ على الرقيق سواءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا كما تجب على الحُرِّ وهو الراجحُ، يشهد له عمومُ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَالحُرِّ وَالمَمْلُوكِ»، وفي لفظِ مسلمٍ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ»(٥)، ولأنَّ زكاة الفطر زكاةٌ على الأبدان؛ فوَجَبَ على السيِّدِ أَنْ يُخْرِجَها عن عبده؛ لأنه صاحِبُ ولايةٍ عليه؛ فأَشْبَهَ ابنَه الصغيرَ(٦).
ولا يُشْتَرَطُ مِلْكُ النِّصابِ في وجوبِ أداءِ زكاة الفطر، غيرَ أنه يُشْتَرَطُ له الغنى، وحَدُّه عند الجمهور: أَنْ يملك فَضْلَ قوتِه وقوتِ مَنْ في نفقته ليلةَ العيد ويومَه، وهو مَذْهَبُ المالكيةِ والشافعية والحنابلة على تفصيلٍ(٧)، وعُمْدَتُهم في ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ سَأَلَ ـ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ ـ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُغْنِيهِ؟» قَالَ: «مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ»، وفي لفظِ أبي داود: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ»(٨).
وخالَفَ الأحنافُ في حَدِّ الغنى، واعتبروه في مِلْكِ النِّصاب؛ فلا تجب زكاةُ الفطر ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ يملك نِصابًا مِنْ أيِّ مالٍ كان، فاضلًا عن الحوائج الأصلية، مُسْتدِلِّينَ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»(٩)، والفقيرُ ليس بغنيٍّ، بل الصدقةُ تَحِلُّ له؛ فاستوى مع مَنْ لا يَقْدِرُ عليها ـ أصلًا ـ فلا تجب عليه(١٠).
ومذهبُ الجمهورِ أقوى؛ لأنَّ زكاة الفطرِ زكاةُ أبدانٍ لا تزيد بزيادةِ المال حتَّى يُعْتَبَرَ فيها وجوبُ النِّصاب؛ فهي أَشْبَهُ بالكفَّارات لا بزكاة الأموال؛ لذلك لم يُقيِّدْها الشارعُ بغِنًى أو فَقْرٍ كما قيَّد زكاةَ الأموال في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(١١)؛ فوَرَدَ فرضُ زكاةِ الفطر مُطلَقًا عن تقييدٍ؛ فشَمِلَ الصغيرَ والكبير، والذَّكَرَ والأنثى، والحُرَّ والعبد.
أمَّا حديثُ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فجوابُه مِنْ وجوهٍ:
الأوَّل: أنَّ النفي في لفظِ الحديث يدلُّ على الكمال لا الصحَّة، أي: لا صدقةَ كاملةٌ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى، ويدلُّ عليه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(١٢)، وهذا لا يَلْزَمُ منه أَنْ لا تكون الصدقةُ مِنَ الفقير، غايةُ ما يدلُّ عليه هو تفضيلُ الغنى مع القيامِ بحقوقه على الفقر، وقد بيَّن ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ هذا المعنى بقوله: «والمختارُ أنَّ معنى الحديث: أَفْضَلُ الصدقةِ ما وَقَعَ بعد القيام بحقوقِ النفس والعيال، بحيث لا يصير المتصدِّقُ محتاجًا بعد صدقتِه إلى أحَدٍ؛ فمَعْنَى الغِنَى في هذا الحديثِ: حصولُ ما تُدْفَعُ به الحاجةُ الضروريةُ كالأكل عند الجوع المُشوِّشِ الذي لا صَبْرَ عليه، وسَتْرِ العورةِ، والحاجةِ إلى ما يَدْفَعُ به عن نَفْسِه الأذى»(١٣).
الثاني: أنه مُعارِضٌ لحديث الجمهور، ودليلُهم أَخَصُّ في بيانِ حَدِّ الغنى في زكاة الفطر.
الثالث: أنَّ قياسَ مَنْ يملك قوتَ يومِه وليلتِه على العاجز مُطْلَقًا في عدم وجوب زكاة الفطر عليه قياسٌ مع ظهور الفارق.
هذا، وقد ثَبَتَتْ فَرْضيةُ زكاة الفطر بحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»(١٤)، وحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما ـ أيضًا ـ قال: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، قَالَ عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ»(١٥)، وادَّعى ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ إجماعَ أهلِ العلم على فَرْضيتها(١٦)، وخالَفَ الأحنافُ في تسميتها فرضًا؛ لأنَّ الفرض ـ عندهم ـ لا يَثْبُتُ إلَّا بدليلٍ قطعيٍّ، وليس أمرُ زكاةِ الفطر كذلك؛ لذلك قالوا بوجوبها، وحَمَلُوا الفرضَ في الحديثِ على التقدير(١٧).
وقد رجَّحَ ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ تسميتَها بالفرض بقوله: «وقال بعضُ أصحابنا: وهل تُسمَّى فرضًا مع القول بوجوبها؟ على روايتين، والصحيحُ أنها فرضٌ؛ لقولِ ابنِ عمر: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ»، ولإجماعِ العُلَماءِ على أنها فرضٌ، ولأنَّ الفرض إِنْ كان الواجبَ فهي واجبةٌ، وإِنْ كان الواجبَ المُتأكِّدَ فهي مُتأكِّدةٌ مُجْمَعٌ عليها»(١٨).
المسألة الثانية: المعنيُّون بزكاة الفطر وترتيبُهم:
زكاةُ الفطر تجب على المسلم المالكِ لمِقْدارِ الزكاة الذي يزيد عن قوتِه وقوتِ عِيالِه يومًا وليلةً؛ فهذا حَدُّ الغنى في زكاة الفطر ـ عند الجمهور ـ دون اعتبارٍ في وجوبها نِصابَ الزكاةِ ـ كما تقدَّم ـ.
وزكاةُ الفطر تجب عن المسلم في ذاته وعن كُلِّ مَنْ تجب عليه نفقتُه شرعًا مِنَ المسلمين(١٩) لقرابةٍ أو زوجيةٍ أو مِلْكٍ(٢٠). ويدلُّ على ذلك حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ»(٢١)، وحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ»(٢٢)، ومفهومُ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما يدلُّ على أنَّ زكاة الفطر لا يجب إخراجُها عن الأصول والفروع إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ، ولا عن زوجةٍ لم يدخل بها؛ لأنه لا تَلْزَمُه نَفَقَتُها، وإنما تجب الفطرةُ عن زوجته أو مُطلَّقتِه طلاقًا غيرَ بائنٍ.
فالحاصل: أنَّ كُلَّ مَنْ لا تجب عليه نَفَقَتُه لا تَلْزَمُه زكاتُه إلَّا ما استثناهُ الدليلُ؛ فمِنْ ذلك: لا تَلْزَمُه زكاةُ البائنِ إلَّا إذا كانَتْ حاملًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، وإِنْ كانَتْ ناشزةً فلا تجب عليه فطرتُها بلا خلافٍ(٢٣)، كما اتَّفقَ العُلَماءُ على أنه لا يُخْرِجُ عن زوجته الكافرةِ مع أنَّ نفقتها تَلْزَمُه(٢٤)، وإنما خرجَتْ هذه الصُّوَرُ عن القاعدة لوجودِ دليلِ النصِّ أو الإجماع.
أمَّا عن ترتيبِ المعنيِّينَ بزكاة الفطر مِنْ جهةِ الأولوية إذا لم يكن عنده ما يكفي الجميعَ فإنه يبدأ بنَفْسِه ـ أوَّلًا ـ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ»(٢٥)، ثمَّ بمَنْ يَعُولُ ـ ثانيًا ـ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(٢٦)، ثمَّ اختلفوا في أولويةِ مَنْ يعول في الترتيب، فرجَّح ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ زوجتَه فرَقيقَه ثمَّ أُمَّه ثمَّ أباهُ، ثمَّ الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ على ترتيبهم في الميراث، واستدلَّ على ترتيبه بما نصُّه: «لأنَّ الفطرة تنبني على النفقة؛ فكما يبدأ بنَفْسِه في النفقة فكذلك في الفطرة، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عن امرأته؛ لأنَّ نَفَقَتَها آكَدُ؛ فإنَّ نَفَقَتَها تجب على سبيلِ المُعاوَضةِ مع اليسار والإعسار، ونفقة الأقارِبِ صِلَةٌ تجب مع اليسار دون الإعسار، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أخرجه عن رقيقه؛ لوجوبِ نفقتهم في الإعسار.. وتُقدَّمُ فطرةُ الأمِّ على فطرة الأب لأنها مُقدَّمةٌ في البرِّ؛ بدليلِ قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأعرابيِّ لمَّا سأله: «مَنْ أَبَرُّ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثُمَّ مَنْ»، قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «ثُمَّ أَبَاكَ»(٢٧)، ولأنها ضعيفةٌ عن الكسب، ويحتمل تقديم فطرة الأب لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(٢٨)، ثمَّ بالجدِّ، ثمَّ الأقرب فالأقرب، على ترتيبِ العَصَبات في الميراث»(٢٩) [بتصرُّف].
المسألة الثالثة: في وقت زكاة الفطر:
أُضيفَتِ الزكاةُ إلى الفطر وسُمِّيَتْ به؛ لأنَّ الفطر هو سببُ وجوبها مِنْ بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سببه، مع اختلافِ أهل العلم في سبب الوجوب: أهو الفطرُ المعتادُ أَمِ الفطرُ الطارئُ؟ ـ كما سيأتي بيانُه ـ كما أنه يُرادُ بالزكاة: الصدقةُ عن البدن والنَّفْسِ، لا الصدقةُ عن المال.
وقد اخْتَلَفَ العُلَماءُ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر، وفي وقتِ أدائها، وفي التعجيل بها قبل وجودِ سببها، وهذه المَسائلُ الثلاثُ نَتناوَلُها في الفروع التالية:
الفرع الأوَّل: في بدايةِ وقتِ وجوب زكاة الفطر:
اختلفَتْ أنظارُ العُلَماءِ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر على مذهبَيْن مشهورين:
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو طلوعُ فجر يوم العيد، وبه قال الحنفيةُ والمالكيةُ في قولٍ ورواية عن الشافعيِّ في القديم.
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو غروبُ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان، وبه قال الجمهورُ مِنَ الحنابلة والمالكية على القول الآخَر، وهو المشهورُ عند الشافعية(٣٠).
وسببُ الخلاف: يرجع إلى سبب الوجوب وهو الفطرُ؛ فمَنْ جَعَلَه الفِطْرَ المعتادَ في سائِرِ الشهرِ فيكونُ الوجوبُ بغروب الشمس وهو وقتُ الفطر مِنْ رمضان، ومَنْ جَعَلَه الفِطْرَ الطارئَ بعده قال بأنَّ طلوعَ فجرِ يوم العيد هو سببُ الوجوب، أو بعبارةٍ أخرى: هل زكاةُ الفطرِ عبادةٌ مُتعلِّقةٌ بيوم العيد أم بخروجِ شهر رمضان؟(٣١)
والظاهر أنَّ المذهبَ الأوَّلَ وهو الاعتدادُ بطلوع الفجر قويٌّ مُتَّجِهٌ، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «ويُقوِّيهِ قولُه في حديث الباب [حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما]: «وأَمَرَ بها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى الصلاة»(٣٢)»(٣٣)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ»(٣٤)؛ فأضافَ الفطرَ على الإطلاق إلى اليوم، أي: الفطر بالنهار يومَ تُفْطِرون، ولأنَّ الزكاة أُضيفَتْ إلى الفطر إضافةَ وجوبٍ، والإضافةُ دليلُ الاختصاص، والسببُ أَخَصُّ بحُكْمِه مِنْ غيره، ولأنَّ الليلَ ليس مَحَلًّا للصوم، وإنما يَتبيَّنُ الفطرُ الحقيقيُّ بالأكل بعد طلوعِ فجرِ يومِ الفطر.
وفائدةُ الخلافِ في هذه المسألة: تظهر فيمَنْ ماتَ أو وُلِدَ أو أَسْلَمَ بعد غروبِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان:
• فعلى مذهب الحنفية والمالكية على قولٍ، ورواية عن الشافعيِّ: أنَّ مَنْ ماتَ بعد غروب الشمس لا تجب عليه الزكاةُ؛ لأنه ـ وقتَ وجوبها ـ لم يكن موجودًا، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد غروب الشمس أو أَسْلَمَ أو بَنَى على زوجته أو أَيْسَرَ ماليًّا أو مَلَكَ عبدًا فتجب عليه الزكاةُ؛ لأنه كان مِنْ أهلها وقتَ وجوبها.
• أمَّا مَنْ مات بعد غروبِ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان ـ عند الجمهور ـ فتجب ـ في حقِّه ـ زكاةُ الفطر؛ لأنَّ وقتَ وجوبها في بداية الغروب، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد الغروب فلا تَلْزَمُه زكاةٌ لأنه كان جنينًا(٣٥) وقتَ وجوبها، وكذلك مَنْ أَسْلَمَ بعد الغروب أو بَنَى على زوجته أو مَلَكَ عبدًا أو أَيْسَرَ ماليًّا فلا تَلْزَمُه زكاةٌ؛ لأنه لم يكن مِنْ أهلها وقتَ وجوبها(٣٦).
الفرع الثاني: في وقت وجوب أداء زكاة الفطر:
يذهب الجمهورُ مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة وبعضِ الحنفية إلى أنَّ وقتَ وجوبِ أداءِ زكاة الفطر مُتعيِّنٌ بيوم العيد كالأضحية؛ فيَحْرُمُ تأخيرُها عن ذلك اليومِ بدونِ عذرٍ، فإِنْ أخَّرَها وَجَبَ إخراجُه لها قضاءً لا أداءً، والمُسْتحَبُّ فيها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى المصلَّى(٣٧).
وخالَفَ الحنفيةُ في ذلك فرأَوْا أنَّ وقتَ وجوبِ أدائها وقتٌ مُطْلَقٌ عن تعيينٍ؛ فيجوز له أَنْ يُؤدِّيَها في يوم العيد أو في يومٍ غيرِه، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ في تأخيرِها عن يوم العيد، والمُسْتحَبُّ في إخراجِ زكاةِ الفطر ـ عندهم ـ هو أداؤُها يومَ العيد(٣٨).
هذا، وذَهَبَ أهلُ التحقيق مِنْ أهل العلم إلى وجوبِ إخراجِ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويَحْرُمُ تأخيرُها إلى ما بعد وقتها بدونِ عذرٍ شرعيٍّ، فإِنْ أخَّرَها بعد الصلاةِ فلا تكون زكاةً، وإنما هي صدقةٌ مِنَ الصدقات، وهذا القولُ الأخيرُ هو الراجح، ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٣٩)، وحديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»(٤٠). وانطلاقًا مِنْ دلالة هذين الحديثين بيَّن ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ هَدْيَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إخراجِ هذه الصدقةِ بقوله: «ومقتضى هذين الحديثَيْن أنه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد، وأنها تَفُوتُ بالفراغ مِنَ الصلاة، وهذا هو الصوابُ؛ فإنه لا مُعارِضَ لهذين الحديثين ولا ناسِخَ، ولا إجماعَ يدفع القولَ بهما، وكان شيخُنا [أي: ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ] يُقوِّي ذلك وينصره. ونظيرُه ترتيبُ الأضحيةِ على صلاة الإمامِ لا على وقتِها، وأنَّ مَنْ ذَبَحَ قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحتُه أضحيةً بل شاةَ لحمٍ، وهذا ـ أيضًا ـ هو الصوابُ في المسألة الأخرى، وهذا هَدْيُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الموضعين»(٤١)، ولأنَّ أداءها في ذلك الوقتِ أَوْلى في تحقيقِ الحكمة مِنْ مشروعيةِ زكاةِ الفطر مِنَ: الرِّفق بالفقير وإغنائه عن السؤال في يوم العيد وإدخالِ السرور عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم.
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ زكاة الفطر لا تسقط بفواتِ وقتِها على الصحيح(٤٢)؛ لأنها حقُّ العبدِ، تَعَلَّقَ بذِمَّةِ مَنْ وجبَتْ عليه لمُسْتَحِقِّه؛ فهي دَيْنٌ لهم لا يسقط إلَّا بالوفاء به، أمَّا حَقُّ اللهِ في تحريمِ التأخير عن وقتِ أدائها فلا يُكفِّرُه إلَّا الندمُ والاستغفارُ والعملُ الصالح.
الفرع الثالث: في حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقت وجوبها:
يرى الأحنافُ ـ في المشهور ـ جوازَ تعجيلِ زكاة الفطر قبل وجودِ سببها وهو الفطرُ مِنْ رمضان السَّنَةَ والسنتين؛ لأنها زكاةٌ فأَشْبَهَتْ زكاةَ المالِ التي وَرَدَ فيها حديثُ أبي داود وغيرِه عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ؛ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، قَالَ مَرَّةً: «فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ»(٤٣)، وفي روايةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»(٤٤)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر رضي الله عنه: «إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ»(٤٥).
وذهَبَتِ الشافعيةُ إلى جوازِ إخراجها مِنْ أوَّلِ شهرِ رمضان، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ مُعلِّلًا هذا الرأيَ بما نصُّه: «لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطرِ منه، فإذا وُجِدَ أحَدُهما جازَ تقديمُها على الآخَرِ كزكاة المال بعد مِلْكِ النِّصاب وقبل الحول، ولا يجوز تقديمُها على رمضان لأنه تقديمٌ على السببين؛ فهو كإخراجِ زكاةِ المال قبل الحول والنِّصاب»(٤٦).
وذهبَتِ المالكيةُ والحنابلةُ إلى جوازِ تقديمِها على سببِ وجوبها بيومٍ أو يومين، وفي المسألةِ أقوالٌ أخرى(٤٧).
والصحيحُ: جوازُ تقديمِها للمُوكَّلِ بتوزيعها قبل الفطر بيومٍ أو يومين، ويدلُّ عليه: حديثُ نافعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»(٤٨)، وحديثُ نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ ـ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ـ .. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»(٤٩)، وليس المرادُ مِنْ قوله: «الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا» الفُقَراءَ، وإنما هُمُ الجُبَاةُ الذين يُنصِّبُهم الإمامُ لجَمْعِ صدقةِ الفطر، بدليلِ ما رواهُ مالكٌ عن نافعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ»(٥٠)، قال في «إرواء الغليل»: «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلتُ: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين»(٥١)»(٥٢).
المسألة الرابعة: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر وحُكْمِ إخراجه بالقيمة:
أَتناوَلُ ـ في هذه المسألة ـ مقدارَ المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعَه في الفرع الأوَّل، وأُخصِّصُ الفرعَ الثانيَ لمسألةِ إخراجِ زكاة الفطر بالقيمة.
الفرع الأوَّل: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعِه:
المقدار الواجب في زكاة الفطر ـ عند الحنفية ـ هو نصفُ صاعٍ مِنْ بُرٍّ أو صاعٌ(٥٣) مِنْ شعيرٍ أو صاعٌ مِنْ تمرٍ، واستدلُّوا على هذا المقدارِ في هذه الأنواعِ الثلاثة ـ وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ ـ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»(٥٤)، وبقول ثعلبة بن صُعَيْرٍ رضي الله عنه: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعِ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ»، زَادَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: «أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، ثُمَّ اتَّفَقَا: «عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ»(٥٥).
وتُعَدُّ هذه الأنواعُ الثلاثةُ ـ عندهم ـ أصولًا لغيرها مِنَ الأجناس الأخرى، والاعتبارُ فيها بالقيمة لكونها منصوصًا عليها، أي: أنَّ هذه الأنواعَ الثلاثةَ تُقوَّمُ، ثمَّ بقيمةِ المُقوَّمِ منها يُشْتَرَى الجنسُ المُرادُ إخراجُه.
أمَّا المقدارُ الواجبُ في زكاة الفطر ـ عند الجمهور مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة ـ فهو صاعٌ عن كُلِّ فردٍ مِنْ جميعِ الأجناس المُخْرَجِ منها ممَّا يُعَدُّ قوتًا؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ ـ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ(٥٦)، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»(٥٧)؛ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ»(٥٨).
لذلك كان نوعُ المُخْرَجِ أو جنسُه الواجبُ عند المالكية والشافعية هو ما كان غالِبَ قوتِ البلد، أو قوت المُكلَّفِ إذا لم يَقْدِرْ على قوتِ البلد، بينما الحنابلةُ خَلَصُوا إلى القول بأنَّ الواجب يَتعيَّنُ عليه في أَحَدِ الأصناف الواردةِ في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه المُتقدِّم، وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ والأَقِطُ والزبيب.
وسببُ اختلافهم ـ إذَنْ ـ هو اختلافُهم في مفهومِ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه المُتقدِّم: فمَنْ فَهِمَ منه التخييرَ بين الأصناف المذكورة في الحديث قال: أيَّ صنفٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَ عنه، ولا يَعْدِلُ عن هذه الأصنافِ إلَّا في حالةِ انعدامها فإنه ـ والحالُ هذه ـ يجزيه كُلُّ مُقْتاتٍ مِنَ الحبوب والثمار.
ومَنْ فَهِمَ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّ اختلافَ المُخْرَجِ ليس سببُه الإباحةَ والتخيير، وإنما سببُه اعتبارُ قوتِ المُخْرِجِ أو قوتِ غالِبِ البلد قال بهذا الاعتبار(٥٩).
الفرع الثاني: في إخراج زكاة الفطر بالقيمة:
أمَّا إخراجُ زكاةِ الفطر بالقيمة فقَدْ مَنَعَ مِنْ ذلك الجمهورُ [المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ]، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يُجِزْ عامَّةُ الفُقَهاءِ إخراجَ القيمةِ وأجازَهُ أبو حنيفة»(٦٠).
ويُفضِّلُ الحنفيةُ إخراجَ القيمةِ مِنَ النقود في زكاة الفطر على إخراجِ العين(٦١)، وعلَّلوا ذلك بأنَّ المقصود مِنْ أداءِ زكاة الفطر إغناءُ الفقيرِ الذي يَتحقَّقُ غِناهُ بالعين أو بالقيمة، وأنَّ سَدَّ الخَلَّةِ(٦٢) بأداءِ القيمة أَنْفَعُ للفقير وأَيْسَرُ له لدَفْعِ حاجته.
أمَّا مذهبُ الجمهور فقَدْ علَّلوا مَنْعَ إخراجِ القيمة في زكاة الفطر بورودِ النصِّ في الطعام دون التعرُّض للقيمة، فلو جازَتْ لَبيَّنَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّ التعامل بالنقود كان قائمًا والحاجة تدعو إليها، والمعلومُ ـ تقعيدًا ـ أنَّ «تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، فضلًا عن أنَّ القيمةَ في حقوقِ الناسِ يَلْزَمُها التراضي، والزكاةُ ليس لها مالكٌ مُعيَّنٌ حتَّى يتمَّ التراضي معه أو إبراؤُه.
وسببُ الخلافِ في مسألةِ إخراجِ القيمة بدلًا مِنَ العين يرجع إلى المسألتين التاليتَيْن:
• الأولى: هل الأصلُ في الأحكام والمعاني الشرعيةِ التعبُّدُ أو التعليل؟
• الثانية: هل زكاةُ الفطر تجري مجرى صدقةِ الأموال، أم تجري مجرى صدقةِ الأبدان كالكفَّارات؟
وعليه، فمَنْ لاحَظَ التعليلَ والغرضَ الذي مِنْ أَجْلِه شُرِعَ حكمُ زكاة الفطر، وأجراها مجرَى صدقةِ الأموال؛ قال بجوازِ إخراجِ القيمةِ لأنها تُحَقِّقُ قَصْدَ الشارعِ في شَرْعِه الحكمَ.
ومَنْ لاحَظَ التعبُّدَ والْتزامَ ظاهِرِ النصِّ وأَجْرَاها مجرى صدقةِ الأبدانِ كالكفَّارات والنذور والأضحية؛ قال: لا يجوز إخراجُ القيمةِ ويتعيَّنُ إخراجُ ما وَرَدَ به النصُّ مع مُراعاةِ مفهومه(٦٣).
والظاهرُ أنَّ الشرع إذا نصَّ على الواجبِ وعيَّنَ نوعَه وَجَبَ الْتزامُ ظاهِرِ النصِّ؛ احتياطًا للدِّينِ وعملًا بأنَّ الأصل في حكمِ زكاةِ الفطرِ التعبُّدُ، وأنها تجري مجرَى صدقةِ البَدَنِ لا المال؛ لذلك لا يجوز العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة، كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفَّارات والنذور ونحوِها، وهذا هو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد رحمهم الله. قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ مُقرِّرًا هذا المعنى بقوله: «إنَّ صدقةَ الفطرِ تجري مجرى كفَّارةِ اليمين والظِّهارِ والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفَّارة الحجِّ؛ فإنَّ سببها هو البَدَنُ، ليس هو المالَ، كما في السنن عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أنه فَرَضَ صدقةَ الفطر طُهْرةً للصائم مِنَ اللغو والرفث وطُعْمةً للمساكين، مَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَنْ أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقات»(٦٤)، وفي حديثٍ آخَرَ أنه قال: «أَغْنُوهُمْ في هذا اليومِ عن المسألة»(٦٥)؛ ولهذا أَوْجَبَها اللهُ طعامًا كما أَوْجَبَ الكفَّارةَ طعامًا، وعلى هذا القولِ فلا يُجْزِئُ إطعامُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهُمُ الآخذون لحاجةِ أَنْفُسِهم؛ فلا يعطي منها في المُؤلَّفةِ ولا الرِّقاب ولا غيرِ ذلك، وهذا القولُ أَقْوَى في الدليل»(٦٦).
المسألة الخامسة: في مَصْرِف زكاة الفطر:
اختلف الفُقَهاءُ في مَصْرِف زكاة الفطر على قولين:
أحَدُهما: أنَّ مَصْرِفَ زكاةِ الفطر هو مَصْرِفُ زكاةِ المال الثمانية؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠]، وهذا هو مذهبُ جمهورِ العُلَماء مِنَ الحنفية والشافعية، والمشهورُ عن الحنابلة.
والثاني: أنَّ زكاةَ الفطرِ خاصَّةٌ بالفُقَراءِ والمساكينِ ولا تُصْرَفُ إلَّا إليهم، وهو مذهبُ المالكيةِ والحنابلةِ على قولٍ(٦٧)، واختارَهُ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ، وهو الراجحُ لمُناسَبتِه لمشروعيةِ زكاةِ الفطر، واختصاصِها بالفُقَراءِ والمساكينِ على وجه الحصر في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٦٨)، ولأنَّ آية التوبةِ المذكورةَ عامَّةٌ في جميعِ مَصارِفِ زكاة المال لا صدقةِ الفطر على ما جرَتْ به السنَّةُ العملية، أمَّا زكاةُ الفطر فهي مُتعلِّقةٌ بالأبدان فأَشْبَهَتِ الكفَّارةَ؛ فلا يُجْزِئُ إخراجُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهو مَنْ يأخذ لحاجته، لا في الرِّقابِ والمُؤلَّفةِ قلوبُهم وغيرِ ذلك»(٦٩).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنه لا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلى الحربيِّ المستأمن بالإجماع(٧٠)، كما لا يجوز إعطاؤها لغير المسلمين(٧١) عند عامَّةِ الفُقَهاء، خلافًا لأبي حنيفة الذي أجازَ دَفْعَها إلى أهل الذمَّة.
وسببُ اختلافهم في سببِ جوازِها: أهو الفقرُ أم الفقرُ والإسلامُ معًا؟(٧٢) والجمهورُ على أنَّ سببَ جوازِها هو الفقرُ والإسلامُ معًا؛ لأنَّ سِياقَ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ في قوله: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٧٣) يُفيدُ بظاهِرِه أنَّ المُرادَ: مَساكينُ المسلمين لا غيرِهم، وهو المُتبادِرُ إلى الذهن، وصَرْفُه إلى غيرِه يحتاج إلى دليلٍ، ولأنَّ الأصل المُقرَّرَ في زكاة الأموال والمنصوصَ عليه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لمُعاذٍ رضي الله عنه عندما بَعَثَهُ إلى اليمن: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ .. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(٧٤).
أمَّا غيرُ المسلم فتجوز فيه الصدقةُ العامَّةُ غيرُ الواجبة كما نُقِلَ عن الحسن البصريِّ أنه قال: «لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ حَقٌّ، وَلَكِنْ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ»(٧٥)، وعلى هذا تُحْمَلُ الآيةُ التي استدلَّ بها الأحنافُ على الجواز في قوله تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨﴾ [الممتحنة].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٣ شعبان ١٤٣٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ جــوان ٢٠١٥م
(١) انظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٦).
(٢) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ زكاةِ الفطر (١٦٠٩)، وابنُ ماجه في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر (١٨٢٧)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٥٧٠).
(٣) والأَصَحُّ ـ عند الشافعية ـ وجوبُ زكاةِ الفطر على الكافر، ويُؤدِّيها عن أَقارِبِه المسلمين، [انظر: «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢)].
(٤) سيأتي تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٥) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر على الصغير والكبير (١٥١٢)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٦) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٦)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢).
(٧) فمِنْ تفصيلِ ذلك: ما يشترطه الشافعيةُ والحنابلةُ أَنْ يكون المقدارُ فاضلًا عن مَسْكَنِه وخادِمِه وما يحتاج إليه، بخلافِ المالكية فيكفي المقدارُ الذي عنده حتَّى ولو كان أَقَلَّ مِنَ الصاع؛ فإنه يجب عليه دَفْعُه، بل ذَهَبَ بعضُهم إلى أنه إذا كان بقدرته الاقتراضُ مع رجاءِ القضاءِ لَوَجَبَ عليه أَنْ يَقْترِضَ، دون مَنْ لا يرجو القضاءَ فلا يجب، [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٩)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٧٢)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٣)].
(٨) أخرجه أحمد (١٧٦٢٥)، وأبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ يعطي مِنَ الصدقة وحَدِّ الغنى (١٦٢٩)، وابنُ حبَّان (٥٤٥)، مِنْ حديثِ سهل بنِ الحنظلية الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٥٤٦).
(٩) علَّقه البخاريُّ في «الوصايا» بابُ تأويلِ قول الله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ﴾ [النساء: ١١] (٥/ ٣٧٧)، وأخرجه أحمدُ موصولًا (٧١٥٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وسيأتي عند البخاريِّ بلفظِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، انظر: (الهامش ١٢)، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤١٢).
(١٠) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٤)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣).
(١١) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ وجوبِ الزكاة (١٣٩٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(١٢) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب: لا صدقةَ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى (١٤٢٦) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (١٠٣٤) بلفظِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» مِنْ حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه.
(١٣) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٢٩٦).
(١٤) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ فَرْضِ صدقة الفطر (١٥٠٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤، ٩٨٦)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر صاعًا مِنْ تمرٍ (١٥٠٧)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٦) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٣٥). ودَعْوَى الإجماع غيرُ مُسلَّمةٍ؛ فقَدْ قال بعضُهم: إنها سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وبهذا قال أهلُ الظاهر، وذَهَبَ مُتأخِّرُو المالكيةِ إلى أنها سنَّةٌ، وقال آخَرون: إنها منسوخةٌ بزكاة الأموال؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة، فلمَّا نزلَتْ آيةُ الزكاة لم يُؤْمَرُوا بها ولم يُنْهَوْا عنها، [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١٣)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٨)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٥)].
(١٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦).
(١٨) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٥٥).
(١٩) اتَّفَقَ المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ على وجوبِ إخراج زكاة الفطر عن نَفْسِه وعن كُلِّ مَنْ تجب عليه نَفَقَتُه شرعًا، مع اختلافٍ يسيرٍ في التفاصيل، وخالَفَتْهم الحنفيةُ في ذلك، فيرى هؤلاء أنه يجب إخراجُ زكاةِ الفطر إذا كان غنيًّا مالكًا للنِّصاب عن نَفْسه وعن كُلِّ مَنْ له ولايةٌ عليه، وهُمُ: ابنُه الصغيرُ وابنتُه الصغيرةُ، وابنُه الكبيرُ إِنْ كان مجنونًا، وهذا في حالةِ كونهم فُقَراءَ، أمَّا إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ فإنه يُخْرِجُها مِنْ أموالهم؛ وبناءً عليه فالحنفيةُ لا ترى أَنْ يُخْرِجَ الفطرةَ عن بَنِيهِ الكِبارِ ووالدَيْه وأقارِبِه وزوجتِه، سواءٌ كانوا أغنياءَ أو فُقَراءَ؛ لأنه وإِنْ كانَتْ تَلْزَمُه نَفَقَتُهم إذا كانوا فُقَراءَ إلَّا أنَّ ولايتَه عليهم قاصرةٌ، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٩)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٩)، «المجموع» للنووي (٦/ ١١٣)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٤)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٦)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)].
(٢٠) تقدَّم بيانُ الراجحِ في عدم اشتراط الحُرِّيَّةِ في وجوب زكاة الفطر، وأنها تجب عن الرقيق على سيِّده كما تجب على الحرِّ، انظر: المسألةَ الأولى: حكم زكاة الفطر وشرطُ وجوبها.
(٢١) أخرجه الدارقطنيُّ (٢٠٧٨)، والبيهقيُّ (٧٦٨٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٨٣٥).
(٢٢) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٣) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ١١٦).
(٢٤) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٩).
(٢٥) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (٩٩٧) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(٢٦) سبق تخريجه، انظر: (هامش ١٢).
(٢٧) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في بِرِّ الوالدَيْن (٥١٣٩)، والترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في بِرِّ الوالدين (١٨٩٧)، مِنْ حديثِ بَهْزِ بنِ حكيم بنِ مُعاوِيةَ بنِ حَيْدةَ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. وهو عند البخاريِّ في «الأدب» باب: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بحُسْنِ الصحبة؟ (٥٩٧١)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٥٤٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظِ: «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟..».
(٢٨) أخرجه ابنُ ماجه في «التجارات» بابُ ما للرَّجُلِ مِنْ مالِ ولَدِه (٢٢٩١) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٤٨٦).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٧٤).
(٣٠) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٧)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٥)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٠)، «شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي» (٢/ ٥٣٩).
(٣١) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٨).
(٣٢) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٣٣) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٨).
(٣٤) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب: إذا أَخْطَأَ القومُ الهلالَ (٢٣٢٤)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء في أنَّ الفطرَ يوم تُفْطرون، والأضحى يوم تُضَحُّون (٦٩٧)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في شهرَيِ العيد (١٦٦٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٨٦٩).
(٣٥) نَقَلَ ابنُ المنذرِ الإجماعَ على أَنْ لا زكاةَ على الجنين في بطنِ أمِّه، قال: فكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يُحِبُّه ولا يُوجِبُه، [انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٣٦)]. ونَقَلَ بعضُ الحنابلةِ روايةً عنه بالإيجاب، وبه قال ابنُ حزمٍ، لكِنْ قيَّده بمائةٍ وعشرين يومًا مِنْ يومِ حَمْلِ أُمِّه به، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وتُعُقِّبَ بأنَّ الحَمْلَ غيرُ مُحَقَّقٍ، وبأنه لا يُسَمَّى صغيرًا لغةً ولا عُرْفًا» [«فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٩)، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٨٠)].
(٣٦) انظر: المَصادِرَ الفقهية السابقة.
(٣٧) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٦)، «شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي» (٢/ ٥٣٦)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢).
(٣٨) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١١).
(٣٩) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٤٠) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٤١) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٢/ ٢١ ـ ٢٢).
(٤٢) وخالَفَ في ذلك الحسنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحنفية وبعضُ الشافعية، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦)].
(٤٣) أخرجه أبو داود في «الزكاة» (١٦٢٤) بابٌ في تعجيل الزكاة، والترمذيُّ في «الزكاة» (٦٧٨) بابُ ما جاء في تعجيل الزكاة، وابنُ ماجه في «الزكاة» (١٧٩٥) بابُ تعجيل الزكاة قبل مَحِلِّها، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٢/ ١٤١)، وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٣٤٧) وفي «صحيح أبي داود» (١٤٣٦).
(٤٤) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٨٨٦) مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٣٤٦).
(٤٥) أخرجه البيهقيُّ (٧٣٦٦) مِنْ حديثِ الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ عن الحسن بنِ مسلمٍ مُرْسَلًا، ورواهُ الدارقطنيُّ (٢٠١١) مِنْ حديثِ الحَكَمِ عن موسى بنِ طلحة عن طلحة رضي الله عنه بلفظِ: «إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا إِلَى مَالٍ فَتَعَجَّلْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ»، ويشهد له حديثَا عليٍّ السابقان.
(٤٦) «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦).
(٤٧) فمِنْ ذلك ما ذَهَبَ إليه الحسنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحنفيةِ مِنَ القول بعدم جوازِ التعجيل مُطْلَقًا؛ لأنه أداءٌ لواجبٍ قبل وجوبه؛ فيَمْتنِعُ ذلك، كالتعجيل بالأضحية قبلَ يومِ النحر، ويرى خَلَفُ بنُ أيُّوبَ مِنَ الأحناف ـ أيضًا ـ جوازَ إخراجها مِنْ بداية رمضان، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)]. وذَهَبَ بعضُ الحنابلة إلى جوازِ تعجيلها مِنْ بعدِ نصفِ الشهر، كما يجوز تعجيلُ الفجر في أوَّلِ وقتِها، والدفعُ مِنْ مُزْدلِفَةَ بعد نصف الليل، [انظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٨)].
(٤٨) أخرجه ابنُ حبَّان (٣٢٩٩)، والبيهقيُّ (٧٧٣٨). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦).
(٤٩) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر على الحرِّ والمملوك (١٥١١) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٥٠) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٨٥)، والبيهقيُّ (٧٣٦٩). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦).
(٥١) أخرجه ابنُ خزيمة (٢٣٩٧). قال الألبانيُّ: «إسنادُه صحيحٌ، رجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ رجالُ الشيخين غيرَ القزَّاز، وقد وثَّقَهُ النسائيُّ والدارقطنيُّ وغيرُهما».
(٥٢) «إرواء الغليل» للألباني (٣/ ٣٣٥).
(٥٣) الصاع: مكيالُ أهلِ المدينة، يَسَعُ أربعةَ أمدادٍ، والمُدُّ: حفنةُ الرجلِ المُعْتدِلِ باليدين، وسُمِّيَ مُدًّا لأنَّ اليدين تُمَدَّان، والمُدُّ مُخْتلَفٌ في تقديره بين أهل الحجاز والعراق، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٦٠، ٤/ ٣٠٨، ٥/ ١٨٥)، «لسان العرب» لابن منظور (٣/ ٩٢٦)، «التعريفات» للبركتي (١٩٩)].
(٥٤) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ (١٦١٩) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّح الألبانيُّ هذا الشطرَ مِنَ الحديثِ لشواهده، انظر: «صحيح أبي داود» (١٤٣٤) و«صحيح الترغيب» (١٠٨٦). وأمَّا الزيادةُ في الشطر الثاني منه وهي: «أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» فضعيفةُ الإسناد، انظر: «المشكاة» (١٨٢٠) و«ضعيف الترغيب» (٦٦٣).
(٥٥) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ (١٦٢٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٤٣٤).
(٥٦) الأَقِط: هو لبنٌ مُجفَّفٌ يابسٌ مُسْتحجِرٌ يُطْبَخُ به، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٥٧)].
(٥٧) اختلف العُلَماءُ في قَدْرِ البُرِّ الواجبِ في زكاة الفطر: أهو نصفُ الصاعِ أم الصاعُ؟ فالجمهور على أنَّ القَدْرَ الواجبَ هو الصاعُ مِنْ بُرٍّ؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وظاهِرُه أنه أراد بالطعام: القمحَ، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٧)].
أمَّا مذهب أبي حنيفة فنصفُ صاعٍ مِنَ البُرِّ وهو قياسُ أحمد ـ رحمه الله ـ في بقيَّةِ الكفَّارات، وبه قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ [انظر: «الاختيارات الفقهية» للبعلي (٩١ ـ ٩٢)].
وأيَّدُوا ذلك بقولِ مُعاوِيةَ رضي الله عنه في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وبقولِ عُرْوةَ بنِ الزبير ـ رحمه الله ـ عن أَسْمَاءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما: «أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِهَا ـ الْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْمَمْلُوكِ ـ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُونَ بِهِ» [أخرجه أحمد (٢٦٩٣٦)، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (٢٤/ ٨٢)، والطحاويُّ في «شرح مُشْكِل الآثار» (٣٤٠٨). وقال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٣٨٧): «وسندُه صحيحٌ على شرط الشيخين»]، وبما تقدَّم ذِكْرُه مِنْ حُجَجِ الأحناف، [انظر: «تمام المنَّة» (٣٨٧)].
وسببُ اختلافهم تعارُضُ الآثارِ المُتقدِّمة، فمَنْ أَخَذَ بظاهِرِ حديثِ أبي سعيدٍ وقاسَ البُرَّ في ذلك على الشعير سوَّى بينهما في الوجوب، ومَنْ أَخَذَ بالأحاديث المنصوصِ فيها على قَدْرِه بنصف صاعٍ مِنْ بُرٍّ فرَّق بينه وبين سائِرِ الأنواع الأخرى، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)].
هذا، وجديرٌ بالتنبيه أنَّ الزيادة على المقدار الشرعيِّ الواجبِ لمَنْ عَلِمَها لا حَرَجَ فيها، بل تدخل في بابِ التطوُّع والنافلة، ولا يُعَدُّ خروجًا عن النصِّ، وإنما النقصُ عن المقدار الواجبِ إذا الْتزمَهُ المُكلَّفُ يُعَدُّ تجاوُزًا عن النصِّ؛ فلا يجوز ذلك قولًا واحدًا، ويُوضِّحُ ذلك ما جاء في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٠) أنه: «سُئِلَ ـ رحمه الله ـ عمَّنْ عليه زكاةُ الفطر ويعلم أنها صاعٌ ويزيد عليه ويقول هو نافلةٌ: هل يُكْرَهُ؟ فأجاب: الحمد لله، نعم يجوز بلا كراهيةٍ عند أَكْثَرِ العُلَماء كالشافعيِّ وأحمد وغيرِهما، وإنما تُنْقَلُ كراهيتُه عن مالكٍ، وأمَّا النقصُ عن الواجب فلا يجوز باتِّفاقِ العُلَماء».
(٥٨) أخرجه البخاريُّ مختصرًا في «الزكاة» بابُ صاعٍ مِنْ زبيبٍ (١٥٠٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. ولفظُ البخاريِّ: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: «أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ»».
(٥٩) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٥)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٩)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٥)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٦).
(٦٠) «شرح مسلم» للنووي (٧/ ٦٠)، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٥)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤).
(٦١) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٨)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٨).
(٦٢) الخَلَّة ـ بالفتح ـ: الحاجة والفقر، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٧٢)].
(٦٣) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٢)، «أسباب اختلاف الفقهاء» لعبد الله التركي (٦١).
(٦٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٦٥) أخرجه الدارقطنيُّ (٢١٣٣) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ»، والبيهقيُّ (٧٧٣٩) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وفيه أبو مَعْشَرٍ: أشارَ البيهقيُّ إلى تضعيفه. قال الألبانيُّ في «تمام المنَّة» (٣٨٨): «ولذلك جَزَمَ الحافظُ بضَعْفِ الحديث في «بلوغ المَرام»، وسَبَقهُ النوويُّ في «المجموع» (٦/ ١٢٦)». وأخرجه أبو القاسمِ الشريفُ الحُسَيْنيُّ في «الفوائد المُنْتَخَبَة» (١٣/ ١٤٧/ ٢) بلفظِ: «أَغْنوهم عن السؤال»، وفيه القاسمُ بنُ عبد الله وهو العُمَريُّ المدنيُّ، قال الحافظ: «متروكٌ: رَمَاهُ أحمدُ بالكذب»، [انظر: «إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٤)].
(٦٦) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٣).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنه إذا كان الأصلُ الواجبُ إخراجَ زكاة الفطر عينًا لا قيمةً على الوجه الذي نصَّ عليه الشرعُ إلَّا أنه يجوز ـ في حالاتٍ استثنائيةٍ طارئةٍ ـ العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة: كمَنْ أخَّر إخراجَ الزكاةِ إلى وقتِ وجوبِ أدائها الأفضل، وهو يوم العيد قبل الصلاة ـ كما تقدَّم ـ ولكِنْ حالَ دون إخراجها فيه نومٌ أو نسيانٌ أو غيرُهما مِنَ العوارض، ولم يجد عينًا في ذلك الوقت يُخْرِجها، وخَشِي فواتَ وقتها وإلَّا عُدَّتْ صدقةً مِنَ الصدقات؛ فإِنْ أخرجها بالقيمة ـ في هذه الحالِ المضطرِّ إليها ـ فإنها تُجزِئُه.
(٦٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١٢)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٧٨)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤، ١٨٦).
(٦٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٦٩) «اختيارات ابنِ تيمية» للبعلي (٩١)، وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٣).
(٧٠) «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١٢).
(٧١) نَقَلَ ابنُ المنذر في «الإجماع» (٣٦) الإجماعَ على أنَّ زكاةَ الأموالِ لا تُعْطَى لكافرٍ بقوله: «وأجمعوا على أنه لا يُعْطَى مِنْ زكاةِ المالِ أَحَدٌ مِنْ أهل الذِّمَّة».
(٧٢) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢).
(٧٣) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٧٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ١١).
(٧٥) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٩٩٠)، وانظر: «تمام المنَّة» (٣٨٩).